حقيقة العالم انه طبيعى ومتوازن.. لكننا نعيش في عصر غريب وغير متوازن.. بدأت مرحلته الأولى فى الفترة ما بين أواخر القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، وتأسست معالمه اليوم من منتصف القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ... ولأن تلك الفترة كانت فترة تحول كبير في البناء الاجتماعى الأوروبى ، فإن النخب الثقافية والعلمية والسياسية بدأت تؤسس للافكار العدمية، وذلك في مواجة ما تبقى من سلطة الكنيسة في أوروبا وشرعية الحاكم ظل الله على الأرض والذى كانت تمثله الممالك الاوربية، وقد سعى هذا الجيل من المؤرخين والمفكرين الى عملية فرض النظريات الاجتماعية والعلمية والثقافية والسياسية على عموم النخب والمجتمعات العالمية على اعتبار أنها من متطلبات المرحلة الثورية، وبطريقة راديكالية بدأ العلم ينحنى للرؤى الفكرية والعكس الصحيح، فبدأت العلوم الطبيعية تبحث بشكل علمى عن تفسير كونى للنظريات السياسية وهكذا في السياسة والأقتصاد والعلوم الطبيعية والرياضية، الأمر نفسه حدث مع نظرية الفوضى الخلاقة "الامريكية" والتي في حقيقتها معروفة (بنظرية الفوضى) فى الفيزياء النظرية . عندما خرجت كونداليزا رايس وزير الخارجية الامريكية في 2002 لتعلن عن الشرق الأوسط الكبير ونظرية الفوضى الخلاقة، ظن الكثيرون أن هذه هي المرة الأولى التي يسمع العالم فيها عن هذه النظرية، وانبرى البعض في توصيف سياسى وعسكرى ينطلق من ظروف المنطقة فقط، وحللنا المغزى الأمريكي من الفوضى بالانطباع الأولى وهى انشاء صراع بين مكونات المشهد في المنطقة، وبالرغم من صحة هذا الفهم إلا أننا إذا اردنا أن نفهم حقيقة نظرية الفوضى فعلينا قبل كل ذلك أن ندرك بنية التفكير الأمريكي والغربى، حتى لا نقع في أزمة مناقشة قشور الموضوع وعدم إدراكها جوانبه، فنظل طوال الوقت آسرى ما يتم تسريبه من نوايا أمريكية تكون مقصوده في أغلب الوقت. بدأ منطق الفوضى في خمسينيات القرن الماضى، مع ظهور نظرية ( كايوس) المسماه الفوضى في الفيزياء النظرية، كبناء على نظرية التطور لداروين، وبالرغم من عدم قدرة العلماء على اثبات النظرية بشكل عملى لأن أثبات هذه النظرية يحتاج معمل بحجم الكون، إلا أن المروجين لنظرية الفوضى استخدموا نفس الأسلوب في السيطرة على النخبة العلمية التي قبلت في السابق بنظرة التطور بشكل نظرى دون أثبات عملى سوى في الحفريات التي اعطتنا نتائج متضاربة ولم تقدم حسماً للنظرية. وقد أسست نظرية "الكايوس" تقنيات خاصة في علوم الكومبيوتر وأنواعاً خاصة من صور الجرافيكس التي بات في مقدورها التقاط التركيبات الحساسة الذي تنشأ منه الظواهر المعقدة. ويرى جيمس جليك أن المتحمسين لعلم ال«كايوس» ذهبوا إلى القول إن القرن العشرين سيذكر بسبب ثلاثة أمور: نظرية النسبية والفيزياء الكمومية ونظرية «الكايوس»، التي اعتبروها الثورة العلمية الثالثة في تاريخ علم الفيزياء وتتميز بأنها تتناول العالم المباشر الذي نراه ونحسه، وتنظر إلى الأشياء على مقياس الإنسان، فيتأمل «الكايوس» أو نظرية الفوضى في التجارب اليومية والعادية للبشر. جوهر النظرية أغرى الجيش الأمريكي منذ منتصف الستينيات بدراسة هذه النظرية وطورها على مستوى التكنولوجيا العسكرية واخرج منها مفهوم الفوضى السياسية والاجتماعية، لكن جذور المسأله أعمق من فكرة نظرية فيزيائية تم أثباتها فتم تأسيس مجالات متعددة لها. ففي 1942 وقبل ظهور نظرية القوضى في الفيزياء ، خرجت نظرية اقتصادية مسماه ( التدمير الابداعى) لعالم الاقتصاد بجامعة هارفارد جوزيف شومبيتر، وكانت فكرته قائمة على ( أن اقتصاد السوق سوف يجدد نفسه بإستمرار من الداخل بالتخلص من الأعمال القديمة والفاشلة ثم أعادة توزيع الموارد على الأعمال الأحدث والأكثر إنتاجية) وهذا وثيق الصله بفكرة الفوضى الخلاقة بل انها ربما التوصيف السياسي لحالة تم انشائها في الاقتصاد حتى قبل صناعة الغطاء الفكرى أو الكونى لها. وفى الجزء الثانى من المقال سنناقشا انعكاسات الفكرة على واقعنا العربى.