الملابس ذاوية وبالية، لكنها جلبت من مكان غير متوقع: إسرائيل!. لكن ذلك لا يزعج النسوة الفلسطينيات اللاتي يفتشن في أوكام مبعثرة من سراويل الجينز والقمصان والسترات وملابس الأطفال في سوق أسبوعي مفتوح يقام كل يوم اثنين في مخيم النصيرات للاجئين وسط غزة. أصبح الطلب على الملابس مقياسا للوضع الإقتصادي في غزة حيث بعد نحو عقد من حكم حركة حماس للقطاع ، وصلت مستويات الفقر والبطالة الى نسب غير مسبوقة على الإطلاق ليزدهر بذلك سوق الملابس المستعملة. وتعرضت حركة حماس الى ضربات موجعة، فقد خاضت ثلاثة حروب مؤلمة مع إسرائيل منذ سيطرتها على القطاع عام 2007 كما فرضت إسرائيل ومصر حصارا خنق الإقتصاد وأوقف حركة البضائع والأشخاص من القطاع واليه. وتقول إسرائيل ومصر ان الحصار اجراء أمني لمنع تهريب الأسلحة. وصباح كل يوم اثنين وفي سوق مفتوح في مخيم النصيرات يكدس الباعة الملابس لتتجمع النسوة اللاتي يرتدين الملابس الإسلامية السوداء التي تغطي وجوههن، ويقمن بالتفتيش عن الملابس ويضعن جانبا القطع المبتغاة. تمسك قطعة من منامة طفل بيد وتفتش عن قطع أخرى المرأة التي عرفت نفسها بأم خالد وقالت ان الملابس بالية لكن أسعارها معقولة جدا. واضافت "القميص الجديد يكلف مائة شيكل في المحلات، وأشتري القمصان لأطفالي الخمسة من هنا بعشرين شيكل فقط." وعندما سئلت ان كانت تبالي بأن هذه الملابس قد ارتداها إسرائيليون قالت "لا مشكلة لدي، الأسعار معقولة ونقوم بغسل الملابس ونتوكل على الله". ومثل قرابة نصف سكان غزة، زوج أم خالد عاطل من العمل هذه الأيام. وكونه عامل بلاط فان عمله توقف منذ سنوات بعد أن أغلق المصريون أغلب أنفاق التهريب التي يمرر عبرها السمنت ومواد البناء الأخرى. وقبل عدة سنوات، كانت الأنفاق شريان الحياة الاقتصادية في غزة، حيث جنت حركة حماس ملايين الدولارات شهريا عن طريق فرض ضرائب على البضائع المهربة. وفي ذلك الوقت، سعت حماس لتقييد الواردات من الملابس الإسرائيلية المستعملة. لكن الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي عام 2013، الذي كان أكبر داعما لحماس والحرب الدامية التي استمرت 50 يوما مع إسرائيل عام 2014، أجبرت الحركة على إعادة النظر في تلك السياسات. ودمر الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي جميع الأنفاق إلى غزة ، كما أن علاقته فاترة بالحركة التي اتهمها بالتعاون مع مسلحين في شبه جزيرة سيناء. وقال طارق لبد، المتحدث باسم وزارة الاقتصاد بحكومة حماس، إن الحركة اضطرت لزيادة الواردات بعد حرب عام 2014 لأن العديد من مصانعها أصيبت بأضرار. وأَضاف أن الملابس المستعملة "مطلوبة بشكل كبير لدى المواطن الفلسطيني". ويجلب التاجر فايز المقداد 20 طنا من الملابس شهريا من خلال معبر كرم أبو سالم، المعبر التجاري الوحيد مع إسرائيل، ويبيعها في أسواق تقام كل أسبوع في جميع أنحاء القطاع. وبسبب الضرائب الجديدة التي فرضتها حركة حماس العام الماضي، كلفته الملابس أربعة آلاف شيكل للطن، بعد أن كانت قيمتها ثلاثة آلاف شيكل. المقداد أحد أكبر سبعة رجال أعمال غزيين يستوردون الملابس المستعملة. ويزعم أنه أقدم رجل أعمال في القطاع، حيث عمل مع الإسرائيليين منذ 40 عاما. ويقول إنه يذهب إلى تل أبيب لتفقد شحنات الملابس قبل إرسالها إلى غزة. ويعد المقداد أحد 2355 تاجرا في غزة يحملون تصاريح لدخول إسرائيل للقيام بأعمال تجارية، وفقا لمكتب تنسيق الأنشطة الحكومية، وهيئة الدفاع الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون المدنية الفلسطينية. "أذهب إلى إسرائيل مرتين أو ثلاث مرات في الشهر"، حسبما قال المقداد، مضيفا أنه يحمل تصريحا لدخول إسرائيل لأغراض تجارية. وعندما تصل شحنة الملابس، يختار المستوردون أحدث القطع أو التي تعتبر علامة تجارية شهيرة. ومع تزايد استيراد الملابس، انتشرت مخازن الملابس المستعملة في الآونة الأخيرة. "الملابس التي يقبل عليها المشترون تشكل ربما خمسة بالمائة من كل شحنة"، وفقا للمقداد. وفي حالة عدم الاتفاق على السعر، يعود المشتري إليه. وأتت سيدة في العقد الخامس من عمرها لشراء بعض الملابس، وهي من أقارب المقداد، وتجادلت مع البائع الذي طلب 10 شيكل للقطعة. لكن المقداد تدخل وخفض السعر إلى سبعة شيكل قبل أن يستقروا على السعر النهائي وهو خمسة شيكل. "في الماضي، كان المشترون يمتلكون أموالا ويحصلون على ملابس جيدة. لكن الآن كل شيء يباع: الجيد والرديء، وهناك ملابس تباع بشيكل واحد أو اثنين. كل شيء يباع لعدم توفر وظائف".