دراسة خطيرة صدرت مؤخراً عن المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية تحمل عنوان " الامن في مصر .. التكلفة والعائد وآفاق المستقبل ،، أعدها أحمد خليل الضبع خبير الشئون التنموية والاستراتيجية كشفت عن مصاريف وميزانية وزارة الداخلية طوال السبع سنوات الماضية .. لغة الارقام والمليارات لم تنقطع عن صفحات الدراسة التي لم تتجاوز 42 صفحة .. أكدت الدراسة أن الشرطة تكلف مصر 85 مليار جنيه سنوياً منها نحو 17 مليار جنيه مدرجة في الموازنة العامة ونحو 32 مليار جنيه عوائد ومزايا أخري شبه رسمية تحصل عليها الشرطة هذا إلي جانب 36 مليار جنيه تكلفة خسائر المجتمع جراء الانفلات الامني. ووفق هذا المبلغ الضخم يتحمل المواطن المصري ألف جنيه سنويا بما يمثل ربع دخل 40% من الشعب المصري الذي يعيش علي أقل من دولارين في اليوم فيما تتحمل الأسرة المصرية نحو 5 آلاف جنيه سنويا للحصول علي الأمن وذلك بتوزيع تكلفة الأمن البالغة 85 مليار جنيه علي 85 مليون مصري و17 مليون أسرة . فإيرادات الشرطة في الموازنة لا تتجاوز 502 مليون جنيه سنويا تسهم فقط بأقل من 3% من نفقاتها المباشرة وأقل من 6 في الألف من نفقاتها الإجمالية، ورغم تراجع مستوي الخدمة الأمنية بمصر الا ان ما ينفق علي الشرطة أكثر مما تنفقه دولة الإمارات أو الولاياتالمتحدة. ففي حال اعتماد رقم الإنفاق المباشر علي الأمن في مصر والبالغ 2.8 مليار دولار نجد أن مصر تنفق 1.2% من دخلها الإجمالي علي الشرطة أي نحو 6 أضعاف مؤشر الإمارات البالغ 0.2% ومؤشر الولاياتالمتحدة البالغ 0.3%. كما تنفق مصر 40 ألف دولار سنويا لتأمين كل كيلومربع من مساحتها المستغلة البالغة 70 ألف كيلومتر مربع أي أكثر من 3 أضعاف ما تنفقه الولاياتالمتحدة (12536 دولاراً) وأكثر مما تنفقه الإمارات (25301 دولار). وتنفق مصر نحو 1.1% من دخل الفرد السنوي البالغ 2922 دولارا أي 11 ضعف تلك النسبة في الإمارات البالغة 0.1% و أكثر من 5 أضعاف تلك النسبة في الولاياتالمتحدة والبالغة 0.2%. وبالمقارنة مع أجهزة أخري مهمة في مصر نجد أن جهاز الأمن متضخم العدد بشكل كبير جدا بنحو 917 ألف فرد نظامي وبما يمثل 16.2% من إجمالي العاملين بالحكومة، وبما يمثل 9 مرات حجم العاملين النظاميين في وزارة العدل ونحو 18 مرة حجم العاملين النظاميين في وزارة الدفاع والإنتاج الحربي ويصل عدد العاملين بالأمن بالكامل نحو 1.25 مليون فرد بإضافة الأمن المركزي وفرق الأمن والمرشدين والمتعاونين وغيرهم فيوجد في وزارة الداخلية طبقا لهيكل الوزارة 10 مناطق جغرافية و25 قطاعاً الا ان نسبة كبيرة منها موزعة بشكل نسبي خارج الأعمال الشرطية الرئيسية والميدانية وبطريقة لا تساعد الوزارة علي القيام بخدمتها الرئيسية في حفظ أمن المواطن والوطن وأشارت الدراسة لانحرافات جهاز الأمن في عهد مبارك فعدد المسجونين والمعتقلين السياسيين وصل إلي أكثر من 30 ألف معتقل وأوضحت الدراسة عملية زيادة الإنفاق المباشر علي الأمن خلال السنوات الماضية، حيث تشير أرقام الميزانية منذ عام 2005 إلي ارتفاع الإنفاق علي الأمن بنسبة 181.2 % خلال ال 7 سنوات الأخيرة من نحو 6 مليارات جنيه عام 2006/2005 إلي نحو 17 مليار جنيه في موازنة عام 2011/ 2012 إلا أن نسبة الإنفاق علي الشرطة في الموازنة زادت بشكل طفيف من 3.2% إلي 3.4 % خلال نفس الفترة فبحسب التقسيم الوظيفي حققت مصلحة السجون أعلي نسبة نمو في الإنفاق خلال ال 7 سنوات الأخيرة بمعدل 230% من 202 مليون جنيه إلي 666.7 مليون جنيه، ثم مصلحة الأمن والشرطة بنسبة 215% من 3.9 مليار جنيه إلي 12.1 مليار جنيه ثم ديوان عام الوزارة بنسبة 109% من 1.9 مليار جنيه إلي 4.1 مليار جنيه. أما التكلفة المباشرة للأمن في مصر فبرصد المبالغ التي تدفعها الحكومة لأجهزة الشرطة سنويا والتي تبلغ نحو 17 مليار جنيه بما يعادل 2.8 مليار دولار وفق آخر ميزانية معلنة (2011-2012) وهذا الرقم يمثل 3.4% من إجمالي الإنفاق العام في الموازنة البالغ حجمه 491 مليار جنيه وبعمل تحليل لإنفاق وزارة الداخلية بحسب التقسيم الوظيفي يتضح أن مصلحة الأمن والشرطة تنفق نحو 12.15 مليار جنيه بنسبة 72% من إجمالي إنفاق الداخلية في حين تبلغ نفقات مبني واحد يضم عددا محدوداً جدا من القيادات هو ديوان عام الوزارة ما يزيدعلي 4.1 مليارات جنيه أي ربع الميزانية (24%)، فضلا عن أن نصف هذا المبلغ تقريبا ويبلغ 1.9 مليار جنيه يتم إنفاقه علي أجور ورواتب العاملين بالديوان هذا غير الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية الأخري وتنفق مصلحة السجون بجميع مرافقها وسجونها والعاملين بها والمسجونين داخلها 666.7 مليون جنيه منها 340 مليون جنيه علي شراء السلع والخدمات أي أن رواتب العاملين في ديوان عام الوزارة يعادل ما يقرب من 6 أضعاف الصرف علي المسجونين في مصر والمقدر عددهم ما بين 65 و 85 ألف مسجون حاليا في نحو 25 سجنا مركزيا إضافة إلي عدد من السجون الأخري علي مستوي الجمهورية وتشير الدراسة إلي أن معظم ميزانية الوزارة يتم إنفاقها علي الأجور والرواتب بقيمة تصل إلي 13 مليار جنيه وبنسبة 76% من إجمالي الميزانية ثم المصروفات الأخري وتشمل الاستثمارات البالغ قيمتها نحو 1.5 مليار جنيه ثم شراء السلع والخدمات بقيمة 1.9 مليار جنيه وبنسبة 11% من الإجمالي. أما التكلفة غير المباشرة للامن في مصر فيقصد بها ما تحصل عليه الشرطة من إيرادات أخري نقدية وعينية وغير منظورة من المجتمع ووفق التقديرات المتواضعة تزيد تلك الإيرادات علي 32 مليار جنيه سنويا من الإيرادات والمزايا الأخري غير المباشرة، حيث تأتي تلك الإيرادات غير المباشرة من مصادر متعددة أبرزها عوائد صناديق الشرطة المختلفة والتي يقدر حجم أرصدتها ومشروعاتها علي أقل تقدير بما يزيد علي 5% من إجمالي أرصدة الصناديق الخاصة في مصر المقدر حجمها بنحو 1272 مليار جنيه، حيث تحصل تلك الصناديق وفق تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات لعام 2009/2008 علي إيراداتها من خارج الموازنة العامة للدولة وتستخدم عوائد وأصول تلك الصناديق بالدرجة الأولي في الصرف علي العاملين وتسديد مكافآت نهاية الخدمة والإنفاق علي مشروعات الشرطة الإسكانية والترفيهية وغيرهما، مقابل نسبة قليلة منها يتم صرفها علي تحسين الخدمات رغم انه الهدف الرئيسي لتلك الصناديق وأيضاً ما تحصل عليه الشرطة كنسب من الإيرادات والرسوم والغرامات المحصلة من المؤسسات والأفراد وخصوصا غرامات المرافق والمرور والمنافذ ورسوم استخراج جوازات السفر وتصاريح العمل وغيرهاوقيمة ما تحصل عليه الشرطة من إيرادات عينية ومادية من الضبطيات والمصادرات العديدة التي تتم في قضايا ومخالفات، ولا تدخل خزانة الدولة وقيمة امتيازات شبه رسمية تحصل عليها الشرطة من الدولة في صور مختلفة منها، أراض بأسعار مخفضة جدا وأحيانا مجانية وإعفاءات من ضرائب ورسوم وإعفاءات من تكلفة مرافق وخدمات أو الحصول عليها بتكلفة زهيدة و تساهم مؤسسات حكومية أخري بجزء من دخول ومزايا أفراد الشرطة الذين يعملون منتدبين لديها مثل الرقابة الإدارية ورئاسة الجمهورية وجهات عليا أمنية أخري وكذلك الجهات الأخري التي يتشارك عملها مع الشرطة مثل وزارات السياحة والكهرباء والنقل وغيرها وقيمة منح وإعانات رسمية من مؤسسات دولية وأجنبية لأفراد ومرافق الشرطة والتي لا يتم إدراجها في موازنة الدولة. وهنا تجدر الإشارة إلي أن الخسائر الإجمالية المجتمعية للجرائم والمخالفات تقدر بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 1200 مليار جنيه سنويا أي 360 مليار جنيه علي أقل تقدير وبالطبع فمن المنطقي ألا يتحمل جهاز الأمن كل الخسائر، بل 10% منها علي أقل تقديرأي نحو 30 مليار جنيه وبما يعادل 6 مليارات دولار وذلك كمحصلة للفساد وتهريب السلع للداخل بدون جمارك وسرقة وتهريب الآثار وبيعها في الخارج، فخسائر خزانة الدولة من التهرب الجمركي 12 مليار جنيه سنويا وخسائر هروب الاستثمارات بلغت 65 مليون دولار خلال النصف الأول من العام 2011 والخسائر المجتمعية الناجمة عن اتساع تجارة المخدرات والسلاح والدعارة فيمكننا تقدير حجم تجارة المخدرات ب 30 مليار جنيه سنويا ووفق ميزانية الدولة لعام 2012/2011 تبلغ إيرادات الشرطة بجميع أجهزتها التي تدخل خزانة الدولة 502 مليون جنيه أي أن وزارة الداخلية لا تقوم بتحصيل سوي اقل من 3% من مصروفاتها أو بمعني آخر فإن الوزارة تنفق أكثر من 33 مرة حجم إيراداتها فمعظم إيرادات وزارة الداخلية تأتي من مصلحة الأمن والشرطة بقيمة 397 مليون جنيه وبنسبة 79% لكن حتي تلك الإيرادات لا تمثل سوي 3.2% من نفقات المصلحة أي أن نفقات المصلحة تزيد علي 30 مرة حجم الإيرادات أما إيرادات مصلحة السجون التي تدخل ميزانية الدولة فتبلغ 5 ملايين جنيه فقط بمتوسط 550 جنيها يوميا لكل سجن مركزي، وذلك رغم استخدام عشرات الآلاف من المسجونين في إنتاج العديد من المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية التي يتم تسويقها للجمهور عبر 5 منافذ رئيسية، ولا تمثل تلك الإيرادات سوي أقل بكثير من 1% من إجمالي النفقات، أي أن السجون تنفق 134 مرة ما تقوم بتوليده من إيرادات وبمقارنة إيرادات الشرطة بوزارتي العدل والدفاع يتضح أن إيرادات الشرطة البالغة 502 مليون جنيه تسهم بأقل من 3% من نفقاتها بعجز يبلغ 16.4 مليار جنية في حين تسهم إيرادات العدل البالغة أكثر من 2544 مليون جنيه بأكثر من 31 % من نفقاتها أي أن أداء وزارة العدل علي المستوي المالي أفضل 10 مرات من وزارة الداخلية، كما تبلغ إيرادات وزارة العدل ما يزيد علي 5 أضعاف إيرادات الشرطة رغم أن الجهتين تقدمان خدمات برسوم وتكاليف ولهما صلة مباشرة بالجمهور والمجتمع، وذلك علي عكس وزارة الدفاع التي ليست لها صلة مباشرة بالجمهور وتبلغ نفقاتها نحو 82 مرة حجم إيراداتها ولا تساهم تلك الإيرادات سوي ب 1.2% من النفقات إلي جانب الإيرادات المالية المحصلة من أجهزة الأمن. هناك عوائد أخري مجتمعية ولكن بالتقييم وفق ما سبق يتضح لنا أن العوائد السلبية طغت علي العوائد الايجابية علي الأقل في الوقت الحالي وسجل التاريخ الشرطي ارتكاب جرائم متنوعة مثل صدور العديد من أحكام الإعدام غير المنصفة عن محاكم الطوارئ أو المحاكم العسكرية ضد مدنيين، بواقع 137 حكما بالإعدام منذ عام 1992 في قضايا تتعلق ب"الإرهاب"، تم تنفيذ ما لا يقل عن 67 منها كذلك الاختفاء القسري، للعديد من المعتقلين الذين فشل ذووهم ومحاموهم حتي اليوم في معرفة مصيرهم بعد اعتقالهم بما لا يقل عن 53 حالة خلال سنوات قليلة وفق تقارير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان كذلك فإن الانتشار الأمني ضعيف وغير فعال حتي قبل قيام ثورة 25 يناير حيث لا يغطي سوي 5% من إجمالي مساحة البلاد وبشكل غير فعال قاصر علي نحو 500 مركز شرطة أي عدد يماثل فروع أحد البنوك المحلية !! مع اقتصار التواجد الميداني علي عدد من نقاط التفتيش المظهرية غير الفعالة مع غياب شبه تام أو ضعيف وغير فعال لدوريات الأمن ولاسيما علي الطرق السريعة كما ان تقرير الأمن العام الذي خرج للنور لأول مرة ويغطي الفترة (يناير - مايو 2011) كشف عن ارتفاع معدلات الجريمة بنسبة 300%، وفقدان 10138 قطعة سلاح من الشرطة، واستمرار هروب 7870 سجينا واستمرار غياب 29 قطعة أثرية من المتحف المصري. وفندت الدراسة القطاعات العديدة التي تندرج تحت وزارة الداخلية ومنها قطاعات ليست لها صلة أو فائدة للجمهور وتضم 13 قطاعا وهي شئون مكتب الوزير والتفتيش والرقابة والخدمات الطبية وشئون الضباط والتخطيط والمتابعة والرعاية الاجتماعية والتدريب وأكاديمية الشرطة ونظم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والشئون الإدارية والشئون القانونية والشئون المالية والأفراد وهناك قطاعات صلتها ضعيفة بالجمهور وتضم 5 قطاعات تؤدي خدمات صلتها ضعيفة مع الجمهور وهي؛ الحراسات والتأمين: لرئاسة الجمهورية ومجلسي الشعب الشوري والحراسات الخاصة للمنشآت والشخصيات إضافة إلي شرطة السياحة والآثار و الأمن الوطني وقوات الأمن والأمن المركزي ومصلحة السجون وهناك قطاعات صلتها مباشرة بالجمهور والأعمال الشرطية وهما قطاعا الأمن ومصلحة الأمن واللذان يضمان الأدلة الجنائية والمباحث الجنائية وتنفيذ الأحكام إضافة لإدارات مساندة مثل شرطة الانضباط والمتابعة والإحصاءات المركزية والرخص هذا إلي جانب 10 مناطق جغرافية تضم 27 مديرية امن تشرف علي أقسام الشرطة في المدن والمراكز والمحافظات مع الأخذ في الاعتبار أن مصلحة الأمن تمثل نسبة كبيرة من الوزارة بمعيارالإنفاق والعاملين والمنشآت وهناك قطاعات لها صلة مباشرة بالجمهور وتتصل بخدمات في معظمها ذات طبيعة مدنية والبقية له صلة بالشق الشرطي الجنائي مثل الشرطة المتخصصة والتي تضم " الدفاع المدني - المرور- المجتمعات العمرانية الجديدة" والأمن الاجتماعي الذي يضم " مكافحة المخدرات - حماية الآداب- رعاية الأحداث - الرعاية اللاحقة" وأمن المنافذ الذي يضم "الجوازات والهجرة والجنسية- امن الموانئ - تصاريح العمل" والأمن الاقتصادي ويضم "النقل والمواصلات - الكهرباء- جرائم الأموال العامة - التهرب من الضرائب والرسوم - التموين والتجارة الداخلية - البيئة والمصطحات - المصنفات وحماية حقوق الملكية الفكرية" والأحوال المدنية. واستشهدت الدراسة ببعض التجارب الامنية الناجحة في بعض البلدان مثل أمريكا وكندا من الدول المتقدمة وتركيا وجورجيا ودبي من الدول النامية التي عانت طويلا من مشاكل قصور القطاع الأمني ونجحت في إصلاحه فقد تمكنت حكومة تركيا خلال الفترة من 2000 إلي 2010 من تحقيق طفرة ملحوظة في الأداء الأمني فقد استخدمت الشرطة المئات من عناصرها السرية في الأسواق للقضاء علي ظاهرة السرقة بالإكراه التي كانت منتشرة قبل 10 سنوات وجورجيا التي نجحت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في انجاز إصلاح جذري لجهاز الأمن الفاسد عبر إجراءات صارمة وخطط شاملة تضمنت فصل 18 ألف شرطي فاسد واستبدالهم بشباب حديثي التخرج من مختلف التخصصات وتم نقل العديد من المهام غير الشرطية التي كان يقوم بها جهاز الأمن إلي بعض الوزارات والأجهزة الأخري المدنية لتفريغ جهاز الأمن للقيام بمهمته الرئيسية والتركيز علي العمل الشرطي الميداني.