لو أحصيت عدد المؤمنين بالله في العالم - بغض النظر عن طقوس الأديان واختلافها - ستكتشف أن أغلب البشر لديهم هذا الإيمان الذي يعني القناعة بوجود حياة أخري بعد هذه الحياة وأن نظام الطبيعة لم يأت عبثاً وأننا لم نخلق علي الأرض بلا هدف.. هناك دائماً قوة مسيطرة تضع كل شيء في نصابه بالضبط.. يجب أن نفرق بين الإيمان بالله وإقامة الطقوس الدينية.. نعم يتناقص عدد المترددين علي بيوت الله، أقصد المساجد والكنائس والمعابد في الدول الأوروبية، ألا أن الإيمان شيء آخر لا يعني بالضرورة مظاهر الإيمان.. فيلم "الرؤيا"Knowing يتناول فكرة الإيمان بوجود عالم آخر بعد الموت من خلال بطل الفيلم "نيكولاس كيدج" أستاذ علم الطبيعة وتحديداً الأفلاك.. كل شيء في الكون يخضع بدقة متناهية تحدد المنظومة الكونية اقتراب الأرض من الشمس ودوران الأرض حول الشمس ، كل شيء يسير وفقاً لتلك المشيئة.. هو لا يعتقد أنها مشيئة إلهية ولكنها قوانين طبيعة وأننا أبناء الصدفة ويفقد زوجته أم ابنه الوحيد ويحتفظ بصورة تجمعه من الأم وابنه ومكتوب تحتها إلي الأبد.. يحتفظ بالصورة لكنه لا يدري ما هو هذا الأبد.. بداخله إحساس أنه لا توجد حياة أبدية بعد هذه الحياة.. عندما يسأله تلاميذه عن اعتقاده الشخصي هل الانضباط الكوني نتاج إرادة الطبيعة أم أنها إرادة إلهية؟ كانت إجابته القاطعة أنه يعتقد أنها صدفة!! والده كاهن في الإبراشية وهو قد قطع كل علاقاته بالأسرة لأنه لم يستطع أن يتواءم مع أفكار العائلة في بعدها الديني.. ابنه الوحيد زاد تعلقه بأمه قبل أن ينام يشاهدها من خلال اسطوانة مسجلة وهي تداعبه في سريره وتقول له تصبح علي خير ويرد عليها وبعدها يغلق عينه وينام الطفل في سلام.. يستخدم جهاز مكمل للسمع لأنه أحياناً يشعر بتشويش في استقبال الكلمات ولهذا يتعلم أيضاً لغة الإشارة لكي يتواصل مع الآخرين عندما يعجز عن التعبير بالكلام.. إن لغة الإشارة - العالمية - أخذت مفرداتها الحركية من التعبيرات البدائية للبشر قبل أن يخترعوا اللغة.. إنها تصب بأسلوب مباشر في المعني الذي أراده الفيلم لمفهوم التواصل بين كل البشر وأيضاً لكي يتجاوز في أحداثه محدودية الأفراد والمكان والزمان!! حاجز الزمن كان أحد الملامح التي لعب عليها الفيلم من خلال المخرج "أليكس بروباس" والكاتب "رايان بيرسون" الذي شارك أيضاً في كتابة السيناريو، الأحداث تبدأ قبل نحو نصف قرن من خلال مدرسة للأطفال، تطلب الأستاذة من تلاميذها أن يرسموا علي الورق خيالهم للعالم بعد 50 عاماً كيف هي الرؤية القادمة.. أغلبهم رسم صواريخ أو طائرات عملاقة وملامح غريبة للبشر إلا واحدة فقط أخذت تكتب تواريخ كان يبدو وكأنها في حالة إلهام يفرض نفسه عليها.. تكتب وكأنها تأخذ تعليمات علوية لا تدري من أين تأتي إليها.. وبالفعل تنتهي من الكتابة علي الورق وتكتب علي التختة والأبواب ما تبقي من أرقام.. تتعرض في هذه الورقة لكل الكوارث التي عاشتها البشرية وتبقي ثلاث كوارث والأخيرة هي ساعة قيام الساعة.. أستاذ علم الفلك - غير المؤمن بالله - يتبع ذلك الخيط عندما فتح الصندوق المغلق الذي تركوه في المدرسة ويتم عشوائياً توزيع كل ظرف علي طالب جديد وكان هذا ا لظرف من نصيب الطفل بطل الفيلم.. ويبدأ أستاذ الفلك في الدراسة عن طريق الكومبيوتر لهذه الأرقام ولأننا نتحدث عن قدر قادم لا محالة، فإنه يجد نفسه داخل كل هذه الأحداث التي تأتي تباعاً ولا يستطيع منعها فهي تشبه في الأديان الأحداث الصغري - أو الإرهاصات علامات الساعة كما يطلق عليها - التي تسبق الحدث الأكبر وهو يوم القيامة.. تصورها المخرج إغراق كامل للأرض.. لكن يبقي علي قيد الحياة فقط اثنان «الطفلان» ويحتفظ الطفل بصورة تجمعه مع أمه وابنه وعليها كلمة معاً للأبد!! نعم هناك بداية.. هؤلاء الهامسون الذين كان يراهم الطفلان في الفيلم ينقلون أفكارهم إليهم ليس عن طريق الكلمات ولكن بالهمس عن طريق اتصالات مباشرة تصل للمخ.. الهامسون يريدون إنقاذ الطفلين بعد فناء البشرية لتبدأ مرة أخري ونري في الحياة الجديدة سنابل القمح الذهبية والشجرة.. حياة أخري جديدة بعد فناء البشرية!! إنها رحلة إيمانية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان رغم أنك لا تدخل إلي جامع أو معبد أو كنيسة ولا تشاهد طقوس صلاة ولا تجد أحاديث مباشرة عن الإيمان والإلحاد.. كان الهامسون الذين قدمهم الفيلم هم المفتاح السينمائي لكل تلك الأفكار التي يحملها الفيلم ، فأنت فقط تشاهدهم وعندما تقترب تكتشف أن البطل يطارد سرابا.. عبر عنه بضوء خارق يخرج من فم أحد الهامسين وعندما يمسك المسدس لا شيء ينطلق من فوهة المسدس.. جاء المشهد قبل الأخير بدون أن نري أي مسحة لهتاف ديني عندما احتضن "نيكولاس كيدج" أباه وأمه وشقيقته قبل أن تغرق المدينة مؤكداً أن عودته إلي بيته هي العودة لله أيضاً، لا يوجد مخرج، كل الأديان تؤكد أنه عندما تأتي الساعة فلا مفر أمام البشر وهكذا تطلب الدولة من مواطنيها أن ينزلوا المخابئ تحت الأرض لإنقاذ أنفسهم لكن لا إنقاذ لأحد من الفناء.. الحياة تبدأ ؟؟؟! والحياة الأبدية تنتظر الجميع!! يمنح "نيكولاس كيدج" دائماً روحا خاصة للشخصية التي يؤديها إنه لا يعتقد بأن هناك حياة أخري ولا يملك أيضاً نفياً قاطعاً لا يملك اليقين في الحالتين.. بلا أي صخب درامي ولا حوار داخلي تصل الرسالة.. نعم الله موجود!!