لا يكاد يمر يوم من أيام مصر المحروسة إلا ونقرأ خبرًا أو نسمع عن جريمة داخل المقابر، وعلى رأسها مقابر محافظات الفلاحين وقرى الصعيد الجوانى، ربما لا نصدق معظمها لمخالفتها للدين والعقل، وحدوثها معناه أن كثيرًا من المصريين مهووسون بالسحر والدجل من أجل الحصول على الثروة أو المنافع الدنيوية. ومن أبشع الجرائم التى يرتكبها البعض، جريمة نبش المقابر ودفن الأعمال السحرية، دون أدنى إدراك لأنهم يتعرضون لعمليات خداع ونصب على يد الدجالين. «صوت الأمة» تبحث وراء زيارات المقابر فى مصر للوقوف على هذه الحقيقة المرة.. فظاهرة السحر والشعوذة لم تعد حبيسة القرى التي ينتشر فيها الجهل، بل هي الآن ظاهرة منتشرة بجميع المدن مها وصلت من رقى أو هوت لإنحطاط. ففى الأصباح المنيرة والليالى الحالكة الظلمة فى الطرق الملتوية التى تؤدى للمقابر داخل مصر لا يكاد يرى المرء إلا شواهد القبور, وحين نقترب نرى نساء ورجال وأطفال, والشئ المشترك بين كل ذلك وهو الصمت. وفى ظل هذا الصمت الإحتفالى داخل مقابر مصر, يأتى كلا على حسب نواياه فترى نسوة وجدن فى الزيارة وصال مع ذويهم من الاموات وآخرون وجدن من السحر والشعوذة وسيلة لتحقيق رغباتهم فى الإنجاب أو التربص بأخرين من خلال الأعمال السحرية، في ظل انتشار الجهل والفقر. دفن الأعمال السحرية فى البداية قال فتحى بهلول, أحد سكان مقابر الغفير بالقاهرة إنه يري يوميا، حضور نساء إلى المقابر ليلا ليقمن بدفن أعمال سحرية بين القبور بالتعاون مع العاملين بالمقابر من خلال تقديم المال لهم لدفن ما يريدون. وأضاف بهلول أن الأطفال الصغار من أبناء المنطقة يكتشفون العديد من هذه الأعمال السحرية مدفونة بجانب المقابر, فضلُا عن دفن العديد من الأعمال داخل القبور, مشيرا إلى أن معظم هذه الأعمال تتضمن تعاويذ مكتوبة وعظام ويقوم بعض الأهالى بالبحث عنها ظنًا منهم بأنها قد تحتوى على عملات نقدية أو ذهبية. طلاسم سرعة الإنجاب وأوضحت سميحة على, أحدي سكان المقابر بالمنيا أن العديد من النساء يقبلن على المقابر خلال أيام الأثنين والخميس لزيارة ذويهم كعادة موروثة, وكذلك خلال أيام الأعياد، مشيرة أن معظم الزائرات يقبلن على المقابر بنية سليمة، ولكن البعض منهن يأتى لأغراض أخرى من خلال دجالين لدفن طلاسم لسرعة الإنجاب أو فك عمل سفلى او غير ذلك. قبور قديمة ويوضح (ف. ع.)، عامل بمقابر البساتين، أن ظاهرة الأعمال السحرية تنتشر يوما بعد آخر في المقابر، والعديد من الدجالين يطلبون منا دفن لفافات تحتوى على طلاسم وعظام موتى وحيوانات وغيرها فى أماكن معينة داخل بعض القبور. ويضيف العامل من خلال عملي في المقابر، فهؤلاء الدجالين، يطلبون منا قبورا قديمة لدفن الأعمال، حتى يصعب إبطال السحر. عظام ملطخة بالدماء من جانبة أكد محسن غريب, أحد العاملين, أن فئة قليلة من العاملين يبيعون ضمائرهم للدجالين مقابل المال، ولكن الغالبية العظمى من العاملين يقوموا بإزالة تلك الأعمال السحرية وإبطالها، ويجدون الكثير من الأشياء العجيبة والغريبة بين القبور. وأضاف العامل أن الخطير فى الأمر يكمن فى نبش القبور القديمة دون مراعاة حرمة الموتى، فنجد بين الأعمال عظام للموتى ملطخة بالدماء، وحيوانات وشعر كانت معده لإلحاق الضرر بالضحايا والأموات من أهل المقابر. مقابر الشهداء ثراء وإنجاب ويقول فهمي مسلم، أحد سكان مدينة الشهداء بريف المنوفية أن أكثر المقابر التى يتخذها البعض لتحقيق آمالهم فى الثراء أو الإنجاب هى مقبرة الشهداء الأثرية والتى توجد خلف فرن عفان بشارع الطنوبى وهى مهجورة منذ أكثر من 50 سنة وللعلم يوجد بها بعض شهداء المسلمين فى الفتح الاسلامى. وأضاف أن النساء من كل أنحاء المحافظة يقبلن على هذه المقابر خلال أيام العيد والخميس من كل أسبوع بالرحمات والحلويات ما يكفي العشرات، للتبرك بالأموات، حيث يقضون داخلها فترات طويلة، ويوزعون الحلوى على أرواح الشهداء، لافتًا أن الأمر لم يعد يقتصر على النساء فقط، بل يخرج الرجال والنساء فى الأعياد لزيارة هذه المقابر، موضحًا أنه شاهد أحد الرجال بذبح ديك على أحد المقابر، وأردف هناك أناس متعلمون ومثفقون ليدهم الأفكار نفسها لأنها متوارثة. وتقول أمل عبد السلام، موظفة، أنها تصطحب أبناءها لزيارة المقابر لأنها عادة تربيت عليها، وأخذ العظة من الموت، مضيفة أن أيام الأعياد وبخاصة فى الأفقاليم يتوافد الآلاف من كل حدب وصوب لقراءة الفاتحة لموتاهم، والتونس بهم حتى غروب الشمس, لافتة إلى أن روح الميت تنزل كل خميس وجمعة وبتبقى حاسة باللي حواليها, فى إشارة منها إلى عادة زيارة القبور من قبل أهل القرى فى مصر. وتوضح شيماء عادل، ربة منزل، أنها تعتاد زيارة المقابر لقراءة الفاتحة على روح والدها، وأنها تقوم بزراعة الورود والصبار لتخفيف العذاب عن والدها بحسب قولها حسب وصية والدها الذى أوصى بتطيب قبره بالبخور وزراعة أشجار وورود أمامه، لافتة أنها تنفذ وصية والدها. أنتهاك حرمات وأوضح الشيخ فوزى الميهي,أمام مسجد سيدى شبل بالشهداء، أن زيارة القبور في عادة متأصلة في نفوس المصريين، وأصبحت من أهم الطقوس التي يحرص عليها المصريون،وقد توارثوها أجيال ورا أجيال، معتقدين أنهم بذلك يوصلون الود بمن دفنوا تحت التراب، أو اتعاظًا بأن الدنيا فانية، ولم تعد تلك العادة مقتصره على البسطاء فقط، بل امتدت للمثقفين، وبات الجميع يحرص على اصطحاب أبنائه ليعظهم ويعلمهم طقوسًا تلازمهم مدى الحياة. وأضاف إن نبش القبور ودفن الأعمال السحرية بها يعد إنتهاك لحرمة الموتى، لافتُا أن كل ذلك يعد من الخرافات ولا يمت للحقيقة بصلة، وإن الجهل والتخلف يسيطران على عقول الناس لبعدهم عن تعاليم الدين الصحيح. وأوضح أن هذه الأعمال، حالات فردية وبسيطة جدًا لبعض المواطنين، نتيجة لانتشار الجهل والتخلف والشعوذة، واستغلال الدجالين الذين يجعلونهم ينفقون مئات الألوف على مثل هذه الأعمال الخرافية التى يتبعها أصحاب القلوب الضعيفة.