كيف كان مبارك يتعامل مع رجاله،وما الذي كان يغضبه،وكيف كانت ردود أفعاله في لحظات الغضب؟الإجابة علي هذه الأسئلة،يمكن أن ترسم لنا ملامح خفية من شخصيته،التي تتسم بالعناد الذي يورث الكفر،والغطرسة التي تورث الحماقة،ما أدي لتخليه مجبراً عن السلطة،في مثل هذا اليوم 11فبراير من العام الماضي.وفيما يلي ثلاث حكايات لمبارك مع رجاله في لحظات الغضب حين يصل إلي الذروة،وحين يكون رد الفعل مبالغاً فيه،وحينئذ تتوافر شروط الكوميديا السوداء كما في قصص الأديب العالمي أنطون تشيكوف! كاد نجم الأهلي الكبير والطيار السابق طارق سليم أن يفجر الطائرة التي يقودها وعلي متنها حسني مبارك نائب رئيس الجمهورية،وزوجته سوزان ثابت،فكر للحظات أن يرشق الطائرة في الأرض وبأقصي سرعة،وعلي وعلي أعدائي! لم تكن دوافع الانتقام سياسية،فلم يكن طارق سليم ارهابياً ولا كان سياسياً،ولا انتمي للحزب الوطني،ولا لأحزاب معارضة! كان القرار لحظيا كأول رد فعل خطر علي بال صاحبه في ذروة الغضب جراء ما لحق به من إهانة غير مبررة نالت من كرامته! القصة رواها لي الصديق طارق سليم نجم الكرة المصرية في الستينيات،وأحد رموز الأهلي الكبار،وهي تؤكد ما كتبه الأستاذ "محمد حسنين هيكل"في أحد فصول كتابه الجديد عن الرئيس المخلوع تحت عنوان"لا مؤاخذة" أما طارق سليم فيقول:كانت أول رحلة لحسني مبارك علي طائرة الرئاسة بعد توليه منصب نائب رئيس الجمهورية،وكانت الرحلة إلي أمريكا،وبعد أن استقرت الطائرة في الجو علي ارتفاع 28 ألف قدم،تركت مقعد القيادة،وتوجهت إلي صالون الطائرة،لتحية نائب رئيس الجمهورية كنوع من البروتوكول،كان مبارك يجلس علي كرسي،وبجانبه زوجته علي كرسي آخر،وإلي جوارهما كان الكرسي الكبير والخاص بالرئيس السادات خاويا. صافحته وزوجته،وبدأت أرحب بهما في كلمات مجاملة من نوع:حمد الله علي السلامة،ورحلة طيبة إن شاء الله،ومبروك يافندم بالمنصب الجديد،كان مبارك مبتسما ويقول بصوت هاديء شكراً يا طارق إلي أن وقعت الطامة الكبري،حين أشرت إلي الكرسي الكبير الخاص بالسادات،قبل أن أنطق كلمة عقبال"ولم أكمل الباقي! فما أن انتهيت من كلمة "عقبال"،حتي تحول حسني مبارك إلي بركان هادر،يطلق الحمم:شتائم بالفاظ غير معقولة وصوت جهوري جداً بأعلي طبقات الصوت كأنه يريد أن يسمع كل من علي متن الطائرة:انت بتقول إيه يابن ال (.....)عقبال إيه يابن ال (....)،كرسي ايه يابن(....) انت واقف قدامي من غير "الكاب"،أمشي روح البس الكاب يابن! كان يطلق شتائمة دون أن يسمعني وأنا مندهش من هذا العدوان المفاجيء،بينما أنا أسأله غاضباً:حضرتك بتشتمني ليه،انت بتشتمني ليه،وكلما ارتفع صوتي كان يغضب أكثر وصوته يرتفع أكثر بشتائم أقذع،حتي قلت له:من فضلك ما تشتمشي أمي،لو سمحت ما تشتمشي أمي! يقول طارق وكان غاضباً وهو يسترجع المشهد:لم يتوقف عن الشتائم،ولم أتوقف عن الإعتراض علي الشتيمة،واستغرق الموقف لحظات حتي فوجئت برجال الحرس يهجمون علي و يسحبونني خارج الصالون،وانا أسألهم بيشتم أمي ليه،أمي أشرف من اي حد،وكان رجال الحرس يضعون ايديهم علي فمي وهم يدفعونني خارج الصالون! كان طارق سليم يروي لي الواقعه وقد اكتسي وجهه بالغضب بينما أنا أضحك،كلما سألني مش عارف بيشتمني ليه؟ ثم توقف طارق في نقطة نظام وسألني: ما الذي يضحكك،فقلت:لأن سبب الزعيق والشتيمة الذي لا تعرفه مضحك،فمبارك كان يتحسب لوجود كاميرات خفية وأجهزة تنصت تنقل ما يدور في صالون الطائرة للرئيس السادات،فكان رد فعله المبالغ فيه مجرد تسجيل موقف،كان يستنكر كلمة "عقبال"بصوت عال ليسمع السادات،أن مبارك في واقع الأمر لم يكن يقصدك،كان يخطر السادات بمدي ولائه!ولم أقل له أن موقف مباراك كان محاكاة واقعية لقصة "موت موظف"أو(الرجل الذي عطس)لأنطون تشيكوف"وهي تروي عن موظف كان يشاهد عرضاً في البلشوي،وعطس فتناثر الرذاذ في قفا أحد الجنرلات ، كان الجنرال رئيسه في المؤسسة ، وكان يجلس قبالته،فنظر شذراً لمصدر العطسة،قبل أن يمسح قفاه،فخاف الموظف من انتقام الجنرال وقرر أن يعتذر له،فمال الي الأمام وتنحنح وقال آسف يا صاحب السعادة لقد بللتكم لم أكن أقصد،فرد:لا شيء لا شيء،فقال استحلفكم بالله لم أكن أقصد،فرد الجنرال :أوه اسكت دعني أصغي!وبدا الغضب علي وجهه،فظن الموظف انه سيضمر له شراً،فقرر الاعتذار له خلال الإستراحة،اقترب منه ليعتذر،فقال الجنرال بنفاد صبر:أوه أنا نسيت وأنت مازلت تتحدث في نفس الأمر،وحرك شفته السفلي بنفاد صبر! وراح الموظف يكلم نفسه:يقول انه نسي بينما عيناه تضمران شراً! وراح الموظف يقول لنفسه لابد أن أوضح له الأمر،وإنني ما قصدت العطس،وإلا ظن انني اردت أن أبصق عليه! في اليوم التالي توجه الموظف إلي مكتب الجنرال المحتشد بالزوار ليشرح له الأمر:لو تذكرون يا صاحب السعادة انني بللتكم بالأمس ولم أكن أقصد واعتذر! نظر اليه الجنرال بسخرية وقال يا للتفاهات ونادي علي الزائر التالي،فراح الموظف يقول لنفسه:انه لا يريد أن يكلمني لابد انه غاضب،فلن اذهب حتي يقبل اعتذاري،وبعد ان انتهي الجنرال من مقابلة كل ضيوفه،مضي الموظف في اثره إلي الغرفة الداخلية وقال: يا سعادة الجنرال اذا كنت أتجاسر علي ازعاجكم فإنما لإحساسي بالندم،فلم أكن أقصد كما تعلمون سعادتكم! قال الجنرال وهو يصفع الباب خلفه:انت مصصم علي السخرية مني. وهكذا تراكم الوهم في ذهن الموظف البسيط،وتملكه الرعب،فكلما حاول اصلاح ما تصور انه خطأ،زاد الطين بله،وتعقد الموقف وعاد إلي بيته مذعوراً،وروي لزوجته ما جري،وراح يفكر طوال الليل في مصيره المرعب،نتيجة غضب الجنرال عنه! وحين نهضت زوجته من النوم وجدته دون حراك علي الأريكة،مات "الرجل الذي عطس" من الرعب،أو مات من الوهم! ومضي طارق سليم يكمل القصة ويقول لم افهم لماذا غضب وشتمني،وفكرت في الدخول لغرفة القيادة،والهبوط ببوز الطائرة لتصطدم بالأرض،فقد كانت المرة الأولي في حياتي التي أتعرض فيها لإهانة بالغة،كانت لحظة قهر سُحِلتْ فيها كرامتي،ففكرت في رد اعتباري،فخطرت لي تلك الفكرة المجنونة،كانت لحظة تساوت فيها الحماقة بالحكمة وتساوي فيها الموت بالحياة! عاد طارق سليم من الرحلة وفي صباح اليوم التالي ايقظه شقيقه الأكبر صالح سليم من النوم وطلب حضوره بسرعه وسأله مستنكراً: ما هذا الجنون الذي فعلته مع نائب الرئيس،وأخبره بأنه علم بالواقعة من أحد أصدقائه من رجال المخابرات الذين كانوا برفقة مبارك،وقد طلب منه أن ينصح شقيقه بعدم التهور في مثل تلك المواقف! فروي طارق الواقعة وقال حسني مبارك شتم أمنا فماذا كنت تنتظر،فاعترض صالح علي رد فعل شقيقه وقال انت غلطان،فقال طارق:يعني يشتم أمي وعايزني أسكت؟ قال:أيوه تسكت ما دمت تعمل مع هؤلاء الناس؟فسأله طارق مستنكراً:هل نحن خدم؟ قال صالح:أيوه خدم ما دمت قبلت تعمل معهم،هكذا يفكرون وهذا هو نظامهم،فإذا لم يعجبك هذا الوضع اذهب وقدم استقالتك الآن ولا تقُد طائرة الرئاسة! قال طارق سأشكوه للسادات،فنصحه صالح بألا يفعل حتي لا يضمر له مبارك شراً،وفي تلك الحالة فلن ينفعه السادات،وذهب طارق يطلب من السادات العودة إلي مصر للطيران،ويلغي انتدابه للرئاسة،وسأله السادات عن السبب وكان يحترمه،فتعلل طارق سليم برغبته في زيادة عدد ساعات الطيران لأن ساعات الطيران في الرئاسة قليلة،ولا تجعله في كامل لياقته،فرفض السادات هذا العذر! بعدها استدعاه حسني مبارك ونهره:بقي عاوز تسيب الرئاسة؟انت فاكر المسألة بمزاجك؟احنا اللي نقرر تمشي ولا تقعد.. مش انت! الرجل الذي قال لمبارك "ما ينفعش"! كان الرئيس مبارك يبدأ يومه في مكتبه في ساعة مبكرة،وكان أول ما يفعله هو ترتيب أجندة المواعيد اليومية مع الرجل المنوط بهذه الوظيفة،وكان لواء طيار من دفعة الرئيس،وعمل بعد خروجه من الرئاسة محللاً استراتيجياً بإحدي المجلات الأسبوعية! وفي صباح ذات يوم،وبعد دخوله بدقائق، سمع رجال الحرس خارج مكتب الرئيس صوت هبده علي الأرض،تبعها صوت شخص يتأوه صائحاً:آآآآآآآآي آآآآآه،ثم صوت شتائم مبارك! اندفع رجال الحرس،فوجدوا السكرتير الخاص بالأجندة متكوم علي الأرض،وقد وضع يديه فوق المنطقة الحساسة في النصف السفلي من جسده وهو يتلوي علي الأرض ويتأوه،وكان واضحاً أن مبارك ضربه شلوتاً! وبسرعه حملوه مرابعة،وسمعوا صوت الرئيس يقول أرموه بره الرياسه ابن ال(...) ده! تري ما الذي فعله الطيار السابق،وما الذي جري داخل الغرفة؟ وفقاً لمصدر مقرب من الطيار،كان الرجل يستعرض مع الرئيس أجندة المواعيد الخاصة بذلك اليوم،فطلب الرئيس من سكرتيره الغاء أحد المواعيد،فرد السكرتير بصورة عفوية"ما ينفعش"قالها وعينك ما تشوف إلا النور! نهض مبارك بصورة مباغته،فنهض الرجل الذي أمامه مذعوراً،مذهولاً: في ايه يا ريس،ولم يكمل جملته،حتي ناله شلوتاً أقرب إلي الشوطة في المنطقة الحساسة من جسده،فصرخ الرجل متأوهاً غير أن مبارك تبعه بمجموعة شلاليت وهو يردد: بتقولي ما ينفعش يابن ال (....)! عاد الرجل إلي بيته مذعوراً،وفي المساء جهز حقائب السفر قبل ان يتصل بزكريا عزمي ليخبره بأنه قرر الهجرة من مصر إرضاءً للرئيس،وأنه لن يعود حتي يهدأ الرئيس ويرضي عنه! فنهره زكريا عزمي في التليفون،ومنعه من السفر،وحدد له موعداً لمقابلته بعد ثلاثة أيام،وفي اللقاء،راح زكريا يوبخه:ايه المصيبة اللي انت عملتها؟ قال:طلب الغاء موعد في الأجندة فقلت له "ما ينفعش" فضربني هي دي لمصيبة اللي ارتكبتها! رد زكريا عزمي:هو في مصيبة أكبر من كدة؟أنت غشيم؟حد يقول للريس ماينفعش؟ تكونش اتجننت؟دا الوحيد اللي في البلد اللي ما يتقالوش الكلمة دي! قال الرجل مستفسراً:هو ما "ينفعش" دي كلمه عيب؟ قال عزمي:أيوة عيب وقلة أدب،ودا الرجل الوحيد اللي ما يتقالوش "ما ينفعش"وانت قلتها له نشنت يا ناصح؟روح أقعد في البيت وما تسافرش حتي اشعار آخر.أنت بتقوله ما ينفعش وعاوز تسافر كمان؟ عاد الرجل إلي بيته خائفاً مذعوراً،تماماً كالرجل الذي عطس! الصحفي الذي داس علي جزمة مبارك! أما القصة التالية فعن رئيس التحرير الذي عطس دون أن يقصد في قفا مبارك،أو بالأحري داس علي كعب جزمة الرئيس في توشكي.وبدأت وقائعها في الثانية بعد منتصف ذات ليلة ،حين تلقي رئيس تحرير مجلة أسبوعية مكالمة من أمن الرئاسة تأمره بتجهيز حقيبة السفر استعداداً لرحلة مع الرئيس في الصباح الباكر! ومع المكالمة تعليمات بأن أمن الرئاسة سوف يمرون علي بيته في الرابعة صباحاً لأخذ الحقيبة كأجراء أمني متعارف عليه في رحلات الرئيس،وأن يكون صاحبنا جاهزاً في السادسة صباحاً،ليركب سيارة الرئاسة التي ستقله إلي المطار! معني ذلك أن رئيس التحرير لن ينام حتي الصابح الباكر،فرتب نفسه علي أن ينام في الطائرة وتمني أن تكون الرحلة طويلة،فرؤساء التحرير-وكإجراء أمني- كانوا يتلقون التعليمات بالاستعداد للسفر،من دون أن يعرفواوجهتهم! وصل رؤساء التحرير إلي المطار في السادسة والنصف،ووصل الرئيس في الثامنة والنصف بينما رئيس التحرير المذكور يغالبه النعاس! بعد قليل علم رؤساء التحرير أن الطائرة متجهة إلي توشكي،وتوجه الموكب إلي إحدي المزارع الخاصة بأحد رجال الأعمال المقربين إلي الرئيس،وأثناء الجولة ضاق الممر الترابي الفاصل بين الحقول ،وتصادف أن كان رئيس التحرير خلف الرئيس مباشرة،وفجأه تباطأ مبارك في خطاه،ومن دون أن يقصد صاحبنا داس علي كعب جزمتة،فكانت لحظة منيلة بنيلة كما روي! استدار مبارك بسرعة البرق وبزاوية 180 درجة،وأمسك بتلابيب صاحبنا،وقد قبض بيده اليمني علي قميصه عند الرقبة،وراح ينهره بغلظة،بينما أصبع ابهامه،يغرسها أعلي الزور:ايه ده يا فلان؟مش تفتح يا فلان؟أنت مسطول يا فلان هه هه،ما تطلع تركب علي كتفي احسن يا فلان،هه هه؟ رد "فلان" وهو يرتعد بعدما أفلته مبارك من أيدي رجال الحرس:أص أص أصلي ما نمتش يا ريس! وبنفس الشخطة وبصوت خفيض وخشن راح ينهره بإبهامه:وما نمتش ليه يا فلان؟هه هه مانمتش ليه؟ومع كل "هه"زغدة في زوره! أصل يافندم الجماعة بلغوني متأخر! قال وهو ينهره بذات الأصبع:وما نمتش بدري ليه يا فلان هه هه! قال : أص أص أصل كنت مستني النشرة عشان أتابع أخبار سيادك يا ريس؟ رد مبارك : يعني انت جاي من آخر الدنيا عشان تدوس علي جزمتي يا فلان هه هه فوق يا فلان هه هه اصحي هه هه! ويؤكد شهود العيان لهذه الواقعة ان الاستاذ "فلان" أصيب الذعر حين هجم عليه الحرس قبل أن يأمرهم مبارك بتركه لكن شاهد العيان الذى روى لى الواقعة ليس متاكداً والحق يقال – ما إذا كان رئيس التحرير المذكور قد بال على روحه من الذعر أم لا !!!