بعد دخول ألمانيا يتحتم على اللاجئ العيش في مأوى للجوء ولو لفترة قصيرة. ولا يُخفي العديد من اللاجئين شعورهم بالعزلة في المجتمع الجديد. وللتغلب على هذه الوضع جاءت مبادرة Refugio "البيت المشترك"، كتجربة للمستقبل. وصلنا إلى مبنى من خمسة طوابق في حي نيكولن، الذي تسكنه غالبية أجنبية ومن بينهم عرب، قرب حي كرويتسبرغ، المتعدد الثقافات. المكان يضج بالحركة والبشر، حيث تعدد اللغات واختلاف السحنات والتنوع الثقافي والعرقي والديني. بدأ حفل بسيط بهدف تقديم الشكر لمجموعة من هواة الجَرْي شاركوا في تشرين الثاني الماضي في مارثون خيري لجمع التبرعات لصالح البيت. في تصريح خاص لDW عربية يقول القس فريدتيوف لمهويس من "الكنيسة البروتستانية الحرة" في برلين، وهي الجهة الداعمة للبيت: "شارك في السباق 40 متسابق ومتسابقة من البيت ومن الكنيسة وبعض الأصدقاء. وبلغ عدد المتبرعين 125 وكان مبلغ التبرع بمستوى 19477 ألف يورو".في المطبخ المشترك لأحد الطوابق العلوية تطهو اللاجئة السورية ملكة جزماتي وزوجها محمد الغميان مجاناًللفعاليات في البيت وكذلك للزبائن خارج البيت. وقد وفر لهم البيت نوعاً من الاستقرار النسبي والبدء في ممارسة العمل. "في منتصف الطريق" الفكرة المستوحاة من تجربة في جنوب إفريقيا، كانت أساسا لقيام سفن لاقر وزوجته إلكي ناترس بمشروع البيت هذا بالتعاون وبدعم من جمعية خيرية تابعة ل"الكنيسة البروتستانية الحرة".وقد تم افتتاح البيت في الأول من تموز الماضي. ويقطنه الآن حوالي أربعون شخصاً من اللاجئين والألمان. ويضيف سفن في حوار مع DW عربية بالقول: "كما في جنوب إفريقيا، الفكرة هي جمع الناس ليدعموا بعضهم البعض. نصف عدد القاطنيين هم من اللاجئين. البيت ليس للاجئين فقط، بل للناس الوحيدين والذين يعيشون على هامش المجتمع أو في غيتوهات، مثل بعض كبار السن والطلاب الذين لا يمكنهم إيجاد سكن". يسكن سفن وعائلته في البيت أيضاً.الهدف من المشروع ، كما يقول سفن هو "أن يجد كل شخص أصدقاء، ويشعر بالآمان، ويجد عملاً ويعيش في مجتمع جيد". فهل تحققت بعض الأهداف المرجوة من البيت؟ ويجيب سفن: "نحن في منتصف الطريق فقد اندمج العديد من اللاجئين بشكل أفضل وبعضهم بدأ بالعمل". يقطن هنا لاجئون من بلدان مختلفة كالصومال وسوريا وأفغانستان وغيرها. كما يقطن ألمان كالطلاب والفنانين. كما تقطن أيضا عائلات مع أولادها. يتكفل مكتب العمل بدفع آجار السكن للاجئين. وهناك غرف لاستقبال الحالات الطارئة من بين اللاجئين، والذي يصلون برلين ولا مأوى لهم. لقاءات وحوارات لتبادل الإفكار والتعريف بخصوصيات المجتمع الألماني و مجتمعات اللاجئين فعاليات متنوعة بتنوع السكان وتحت سقف واحد تتعايش في البيت ثقافات وأديان ومعتقدات عدة، جنباً إلى جنب. كما تتنوع النشاطات والفعاليات. أُقيمت أمسيات سورية وصومالية وأفغانية تتضمن طبخ وغناء وموسيقى وفلكلور. "علّم السوريون الألمان الدبكة"، تقول ملكة جزماتي مبتسمة. كما تم إقامة فعالية للرقص المولوي والابتهالات الصوفية. وكانت هناك رحلات إلى الطبيعة والبحيرات. "في الصيف الماضي شاركنا بمخيم صيفي بالقرب من مدينة ليبزغ"، يقول السوري إياد الآغا. وتعقد لقاءات حوارية تناقش فيها مواضيع جدلية كوضع المرأة في مختلف الأديان، كما تخبرنا ملكة. وتقوم منظمات مجتمع مدني أخرى بإقامة محاضرات تعريفية واستشارات تتعلق بالدراسة أوسوق العمل. ولاتقتصر هذه الفعاليات على ساكني البيت بل يحضرها لاجئون من خارج البيت. كما يتم تعليم اللغتين الإنكليزية والألمانية مجاناً. "يحضر كل أربعاء حوالي ثمانون لاجئاً دروس اللغة الألمانية"، كما يوضح إياد الذي يعمل "كمنسق عام" بين البيت والخارج، حسب قوله. وعن ذلك تضيف زابينا غريغر، التي تحمل شهادتين أكاديميتين في العمارة وفي الفنون الجميلة، في في حوار مع DW عربية بالقول: "أنظم وأشرف على دروس اللغة الألمانية وعلى التبادل اللغوي بين الألمان والعرب، وأسجل اللاجئين في مدارس اللغة". أخذ وعطاء يقوم متطوعون، من بينهم زابينا، بمساعدة اللاجئين في المعاملات الرسمية في الدوائر الحكومية. زابينا في الخمسينيات من عمرها، ولم تنجب أطفالاً وتعيش لوحدها. وسألناها عما إذا كانت أنشطتها هذه تعبر عن تعويض لغياب محيط أسروي بالنسبة لها؟ فأجابت: "نعم، هو جزء من ذلك، ولذلك أقضي الكثير من الوقت هنا". وقد أغنت هذه التجربة شخصية ملكة، التي قالت: "التعرف على ثقافات أخرى، وأن تكون صبورة أكثر من ذي قبل، وأهمية التعاون، كما تفيدنا". روح التعاون بدت جلية فيمشاركة الساكنين في بعض أعمال الصيانة وفي تجهيز الحديقة على سطح المبنى، حيث يخطف منظر برلين من هناك الأبصار. أما إياد الذي سيبدأ في دراسة الماجستير في الشهر القادم، فيلخص استفادته من ذلك في "التواصل مع الألمان وممارسة اللغة، وازدياد الثقة بالنفس والتعبير عن نفسي والتحدث مع آخرين وأمامهم". وتقيم زابينا من جهتها موقفها من الصوماليين ملاحظة أن "قلبهم طيب". ومن هؤلاء محمد عبدالله علي الذي يقول: "قبل سكني هنا لم أكن أعرف أي شخص ألماني أو أية كلمة ألمانية. الآن أصبحت أتحدث قليلا من الألمانية وتعرفت على أكثر من مائة ألماني". Refugio "البيت المشترك"... مبادرة سكنية لمواطنين ألمان ولاجئين "بعض المشاكل" وقد تحدث أيضا بعض المشاكل كما تؤكد ملكة، مثلا بسبب المطبخ وتنظيفه: "نحن نستخدم المطبخ أكثر من غيرنا". ويوافقها إياد في الرأي ويضيف: "أحب أحيانا أن أطبخ في منتصف الليل وهذا الأمر لا يروق الألمان. ولكن مع مرور الوقت بدأنا التفاهم والتعود على بعضنا البعض". يؤكد سفن أن المشاكل "ليست دينية أو عرقية". وتُعقد اجتماعات دورية لمناقشة مثل هذه المشاكل والعمل على حلها. "نحتاج إلى تحسين التواصل بين الساكنين لتجاوز بعض النزاعات. يجب التحدث بقلب مفتوح واحترام وموضوعية وصدق"، كما تلاحظ زابينا. "إقبال كبير" ونظرة في الأفق القائمون على البيت يؤكدون على وجود طلبات للسكن تنهال بشكل مستمر. "لدينا قائمة انتظار طويلة وهناك الكثير من الطلبات الجديدة. ونحاول تحقيق التوازن بحيث نقبل سكانا من مختلف الأعمار ومن الجنسين" كما يضيف سفن. سكان كل طابق يتشاركون مطبخا واحدا، ولكن لكل غرفة حمامها الخاص. ويتطلع سفن لتأسيس بيوت جديدة بظروف أفضل: "نريد أن يشعر الجميع بالراحة بحيث يكون لكل عائلة مطبخها الخاص. وهذا يراعي خصوصية الناس، فالعديد من النساء المسلمات مثلا يلبسن الحجاب عند الذهاب للمطبخ". أما عن خططه المستقبلية فيقول: "نبحث عن شركاء لدعمنا في افتتاح بيت آخر.إن ذلك أقل تكلفة على الدولة مقارنة بمآوي اللجوء العادية".