• المجتمع أصبح يدور فى حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد • قطاعات من الإعلام مسئولة عن الترويج للانتهاكات التى تستهدف الأصوات المعارضة • موقف الأطباء من تجاوزات أمناء الشرطة ليس فقط رفضا للبلطجة وإنما خشية من تفاقم هذه الظاهرة لسنوات طويلة ارتبط اسم الطبيبة النفسية سوزان فياض، بمد يد العون لضحايا العنف والتعذيب بأشكاله المختلفة ومصادره المتنوعة، ومنذ تأسيس مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، أصبحت فياض مصدرا لتحليل ظاهرتى العنف والتعذيب وليس فقط معالجة ما تحول بحسب تقديرها إلى ظاهرة متفاقمة، يعانى منها المجتمع فى أشكال عديدة، أبرزها تجاوزات الشرطة ضد المواطنين، والعنف المجتمعى ضد الفئات الأضعف وبخاصة المرأة. وتقول فياض، إنه أصبح من الصعوبة بمكان، مضى يوم دون أن نشهد حوادث عنف أو إيذاء بدنى أو نفسى حتى لو لم تصل هذه الحوادث إلى وسائل الإعلام. وفيما يتعلق بتجاوزات الشرطة، ترى فياض، بحكم متابعتها الدائبة لهذا الملف، أن ظواهر العنف أصبحت «خارج إطار الحصر وخارج اطار السيطرة لدرجة أننا لا نعرف معها على سبيل المثال فى الحالات التى تمارس فيها الشرطة العنف بحق المواطنين إذا ما كان هذا الأمر يمثل قرار الضابط أو أمين الشرطة المتورط فى العنف، أو أن الأمر يتم بصورة مؤسسية كل مرة وفى كل واقعة، لكن الأكيد أن استخدام العنف أصبح تلقائيا وعشوائيا ومقلقا فى العديد من السياقات». وبحسب فياض، فإن الحوادث الأخيرة التى وقع فيها أطباء ومواطنون آخرون لاعتداءات من قبل أمناء الشرطة لا يمكن وصفها بأنها كانت مقررة سلفا أو تنفيذا لأوامر أعلى بل كانت فى سياقها تعبيرا عن عشوائية اللجوء للعنف خارج إطار القانون لغياب الخوف من المساءلة أو العقاب. ورغم إصرار فياض على ضرورة اتخاذ جميع الاجراءات القانونية اللازمة لوقف هذه الظاهرة، فهى أيضا تصر فى الوقت نفسه على ضرورة تعاطى الدولة والمجتمع مع مشهد مثل اعتداء أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية فى سياقه الأوسع الذى تصر على أنه لا يمكن وصفه إلا بانفلات استخدام الشرطة للعنف، وهو الأمر الذى تقول إنه أصبح ظاهرة متنامية «وللاسف مقبولة فى بعض قطاعات من المجتمع» منذ أن أطلقت الدولة صيحتها المتعلقة بالحرب على الإرهاب. «إن حديث الحرب على الإرهاب منذ البداية لم يكن حديثا واضحا ولا محدد المعالم ولم يكن هناك توصيف من قبل الدولة وقوات إنفاذ القانون لما هو الإرهاب وما هى الآليات القانونية والأسلحة المسموح باللجوء إليها فى مواجهة هذا الارهاب ولا طبيعة الخطوات التصاعدية التى يحق قانونا لقوات انفاذ القانون اتخاذها بحق المتهمين ولا دور النيابة وجهات التحقيق فى تحديد حقيقة تورط المتهمين فعليا فى عمليات الإرهاب»، بحسب ما تقول فياض. وتنتقد فياض فى هذا الاطار دور الاعلام فى الترويج للاستخدام غير المقنن وغير المنضبط لآليات الردع المسلحة بحق مواطنين تصفهم أجهزة الدولة وبالتبعية قطاعات من الإعلام، بأنهم إرهابيون «فتطالعنا الصحف أو القنوات التلفزيونية بعملية ما يسمى بتصفية إرهابيين دون أن يكون لدينا أسماء لهؤلاء الأفراد ولا أسباب اتهامهم بالتورط فى الارهاب ولا قرائن ثبوت هذه التهمة عليهم ولا أسباب اللجوء لتصفيتهم بصورة دموية عوضا عن التعامل الأمنى المنضبط بتوقيفهم وعرضهم على العدالة». سوزان فياض فى الوقت نفسه، تلفت فياض إلى ان العنف أصبح يتحرك فى دائرة مفرغة لم يعد من السهولة أن يتم تقويضه، لأن العنف أصبح يقابله عنف مضاد والغضب أصبح مسيطرا، كما أن من يمارسون العنف هم فى أحيان كثيرة ضحايا لأنواع من العنف والقهر النفسى إن لم يكن البدنى كما فى حال أمناء الشرطة الدين يمارسون عنفا نفسيا وبدنيا على أفراد فى المجتمع فى حين أنهم أنفسهم فى احيان غير قليلة يقعون تحت سطوة قهر هيكل المؤسسة الشرطية بصورة يصعب تجاهلها. فى الوقت نفسه، كما تضيف فياض، فإن هناك من القائمين على السجون خاصة تلك التى يتم فيها إيداع المسجونين السياسيين وبوجه أخص من المنتمين لتيارات الإسلام السياسى، من يمارسون العنف ليس فقط ضد المسجونين ولكن أيضا ضد أسر هؤلاء المسجونين بما فى ذلك عنفا يتم بصورة لا يمكن إلا وصفها بالممنهجة فى ضوء شهادات متطابقة لأهالى المسجونين أثناء سعيهم المعقد وأحيانا المستحيل للحصول على حقهم فى زيارة أقاربهم. ووفقا لهذه الشهادات «نجد أسر تتحدث عن منعها من إدخال الأطعمة والملابس المدفئة لاقاربهم المسجونين فى ظروف بالغة الصعوبة بينما نجد أسر أخرى تتحدث عن تعمد القائمين على متابعة الزيارات بإتلاف الطعام أو تعريض الاهالى للايذاء اللفظى والنفسى المتعمد وأحيانا البدنى». وتصر فياض على أن ما يقع فى السجون أو ما يقع فى أقسام الشرطة من تعذيب يفضى أحيانا للموت ويتم توصيفه بأنه موت نتيجة انخفاض مفاجئ فى ضغط الدم أو نتيجة مرض أو آخر، ليست وليدة اليوم وعرفتها السجون المصرية عبر العقود المتتالية وربما بلغت ذروتها مع السنوات الخمس الأخيرة السابقة لثورة يناير التى كانت اندلاعة شرارتها الأولى مرتبط بالتأكيد، وبوضوح ببلطجة وزارة الداخلية وعنفها المفرط والمتزايد بدون أى رادع. وبحسب فياض فانه لا يمكن إجراء مقارنه علمية دقيقة حول العنف والتعذيب أثناء هذه الفترة والعنف والعنف والتعذيب حاليا لغياب معلومات موثقة فى ضوء عدم تمكن الجمعيات والمنظمات المستقلة من زيارة الأقسام والسجون بصورة تسمح بتحرى دقة الامور ولكن المؤشرات كلها تشير إلى ارتفاع واضح فى أعداد الموقفين احتياطيا لفترات طويلة وأيضا بموجب ما أصبح واضحا من انه قرار رسمى بإنهاء التردد فى اللجوء لاستخدام العنف ضد الاحتجاجات السياسية سواء كانت سلمية أو غير سلمية كما حدث فى أحداث ماسبيرو، خريف 2011، وفض اعتصامى رابعة والنهضة. وتصر فياض على أن ظواهر مثل الاختفاء القسرى والذى يعقبه أحيانا ظهور أجساد المختفين بعد أن فارقوا الحياة، يعد بالتأكيد من ظواهر العنف وكذلك حملات الترهيب النفسى والاتهامات المرسلة التى يطلقها بعض الإعلاميين بحق المعارضين السياسيين بل والتعرض لحياتهم الشخصية سواء كانوا من الإسلاميين أو من غيرهم من الذين كانوا فى مقدمة المنتقدين لنظام حكم الرئيس الأسبق محمد مرسى. وتقول فياض، إن من يشاهد التلفزيون يستمع لعبارات تحريض واضحة لا يمكن تجاهلها تقريبا طوال الوقت، فيستقر فى ذهنه ان الانتقام أمر مقرر وعادى، فتكون النتيجة كما شاهد المجتمع مع نهاية العام الماضى، قيام مجموعة من الشباب بإلقاء زجاجات حارقة على حانة ليلية بغرض الانتقام من أصحابها مما يؤدى إلى اندلاع حريق مروع يتسبب فى مقتل العديد وتفحم أجسادهم. وتضيف فياض، أن مشاهد العنف المجتمعى أصبحت عديدة ومتزايدة وتستهدف دوما الأضعف فالأضعف، وبالتالى فان الواقعين تحت سطوة العنف هم فى أحيان كثيرة من أصحاب الحظوظ الاقتصادية والمجتمعية المحدودة «وبالتاكيد فهناك عنف طبقى يتم ممارسته فى المجتمع» حيث يكون النساء والاطفال أكثر عرضة للعنف مع تراجع حظوظهم الاقتصادية والاجتماعية. ورغم إقرارها ان التحديات الاقتصادية بالغة الصعوبة التى يعانى منها المجتمع تتضافر مع سيادة ثقافة العنف والتحريض والشعور بالحصانة ضد المحاسبة بوجه عام طالما ان المستهدف ليس من الدولة، إلا أنها تصر على أنه لابد من التعامل مع الانتشار المفزع للعنف على مختلف المستويات. ولا تحتسب فياض التحرك الذى شهدته الاقصر على سبيل المثال قرابة نهاية العام الماضى، لمحاسبة أفراد شرطة متورطين فى قتل سائق اقصرى أثناء احتجازه من مشاهد الضغط المجتمعى الساعية لدحر تصاعد العنف، لان الامر، بحسب قراءتها، بدا على الاحرى تهديدا بحملة ثأر واسعة أجبرت القيادات الشرطية العارفة بمعنى الثأر لدى مجتمعات صعيد مصر، على اتخاذ بعض الإجراءت المتعلقة بهده الحالة بعينها. وترفض فياض المقارنة بين موقف الاطباء قبل ايام فى مواجهة بلطجة امناء الشرطة بما حدث فى الاقصر، لأن ما قام به الاطباء هو عمل نقابى منظم لم يكن يهدف للانتقام ولكن يهدف لارساء قواعد تضمن سلامة العاملين فى المستشفيات ومن يرتادها من مرضى. وبحسب فياض فان اتخاذ موقف واضح من تجاوزات امناء الشرطة والتى لم تستهدف فقط الاطباء، يمكن ان تكون نقطة البداية، الا انها لا تكفى بحال ولا تغنى عن تعامل قانونى جاد ومستدام تتعهد به الدولة وتعمل عليه بالتعاون مع المجتمع المدنى، فيما يتعلق بمجمل تجاوزات الشرطة فى حق المجتمع. فياض ترى كذلك انه لابد من مراجعة الخطاب الاعلامى الذى يزين فى كثير من الاحوال العنف، سواء على اساس سياسى أو نوعى أو طبقى، وأيضا العمل مع مسببات الشعور بالقهر الاقتصادى والمجتمعى التى تفتح الباب أمام تزايد ظاهرة العنف التى «أصبحت واقعا مفزعا لا ينفع معه كلمات الرفض ويتطلب منهجية اساسها تحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة دولة القانون فعلا كما كانت مطالبات ثورة يناير فى الاساس».