• التحسن الاقتصادى مرهون بالسياسى.. والاستفادة من تراجع النفط والغذاء.. وعودة رجال الأعمال المصريين للاستثمار الملاذ الأول «الاتجاه التصاعدى فى آخر أيامه، قد لا نصل إلى الركود، لكن عدم التعافى منه مستمر» يلخص أهل الاقتصاد فى العالم بتلك العبارة نظراتهم المستقبلية للعام الجديد، وسط تحديات كبرى ليس على المستوى الاقتصادى فقط، بل على الصعيد السياسى، الذى يموج بنزاعات كانت قد اختفت فى السنوات الاخيرة، ولكنها طلت برأسها فى الأعوام الخمسة الماضية، وما عرف فى منطقتنا بالربيع العربى. العالم يتكلم عن تراجع معدلات النمو فى الصين بعد سنوات طويلة من النمو امتدت لثلاثين عاما، فمن 10% متوقع أن يتراجع إلى أقل من 7% السنوات القادمة، ويتحدث العالم عن تراجع اسعار النفط لما دون 10 دولارات، وما يترتب عليه من أزمات مالية فى دول الخليج وروسيا وإيران، وهى الأزمة التى توصلنا إلى انتهاء مصطلح «الوفرة» لتلك الدول، ويتكلم عن استمرار أزمة الديون فى أوروبا وانحصار النمو فى عدد من دولها، يجعل من يتكلم عن النمو يذكر معه «الركود العظيم» مع تراجع كبير فى حركة التجارة العالمية. نحن فى مصر لسنا بمنأى عما يحدث فى العالم، وإن كنا بدأنا فى مؤشرات تعافى شبه فعلية بعد سنوات عجاف. العالم يتخوف من انهيار اقتصادى يذكر بالأزمة المالية فى عام 2008، ووسط حالة من الهلع تسود الأسواق المالية العالمية. مع تدهور فى أسعار المعادن وبيع أسهم النفط والتعدين تجعل التباطؤ الاقتصادى كلمة مهذبة جدا. فى مصر نتكلم عن التحسن الاقتصادى، وهو مرهون بوجود استقرار سياسى، وهو محقق شكلا من خلال انتهاء الاستحاقات التالية ل30 يونيو، لكنه ما زال يحتاج هدوءا حقيقيا ينهى حالة الدم اليومية، ويعيد الاستثمار والسياحة إلى السوق، ولو تحقق ذلك فإن مؤسسات التصنيف، التى يتحرك وفقا لرؤيتها القرار الاستثمارى قد تصل بوضعية الاقتصاد المصرى إلى «النظرة المستقبلية المستقرة» مع تراجع العجز المالى الذى يتحسن لكنه سيبقى بمستويات مرتفعة. ستاندر آند بورز تتوقع نمو الاقتصاد المصرى بنسبة 3.8% من 4.2% خلال العام الماضى، على أن يرتفع إلى 4% بحلول العام المقبل، ثم إلى 4.3% فى عام 2018. لكن هل تنعكس معدلات النمو الحالية على الناس خاصة فى الصعيد والمحافظات الأخرى؟ رغم أن انحصار معدل النمو دون 5% ومع معدل النمو السكانى البالغ 2.5% سنويا الذى يلتهم هذا النمو، لكن.. الإجابة تأتى من التاريخ القريب، فعندما كان معدلات النمو تصل إلى نحو 8% فى عهد نظام مبارك قبل الازمة المالية العالمية، لم تصل ثمرات ذلك النمو إلى الناس، لكن حدث تحرك كبير فى ثروات من استفادوا من ذلك النمو، فمن يرجع إلى ثروات بعض الشركات العائلية الكبرى فى مصر، يجد أنها حققت أرباحا كبيرة وطفرة فى التوسعات والأراضى، مع إدراك أن القطاعات الاقتصادية قد شهدت إصلاحا كبيرا، مثل القطاع المالى «البنوك والبورصة» مع إصلاح بعض الشركات العامة وبيع بعضها. وعلى الرغم من عدم دقة توقعات مؤسسات التصنيف، التى أعطت تقيمات كبرى للاقتصاديات الدول الأوروبية، مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا قبل الأزمة العالمية 2008، وأكدت الأيام عدم صحتها، فإن توقعات تلك المؤسسات، ومنها ستاندر ترى إن تقديرها لمعدلات البطالة فى عام 2015 بلغ 13%، وتتوقع تراجعه إلى 12.8% فى 2016، ثم إلى 12% بحلول 2017، على أن يصل إلى 11% بنهاية عام 2018. وهناك بالفعل تحركات قوية تدعم ذلك منها اتاحة فرص من خلال المشروعات الصغيرة، ومشروعات القومية، مثل قناة السويس وشرق التفريعة والمليون ونصف فدان. وقالت الوكالة إنها قد ترفع التصنيف الائتمانى لمصر فى حال تجاوز الانتعاش الاقتصادى توقعاتها الحالية، أو فى حال العجز الأدنى من المتوقع فى الحساب الحالى إلى وضع خارجى أكثر قوة، كما أشارت إلى أنها قد تخفض التصنيف فى حال تدهورت المؤشرات المالية والخارجية بشكل كبير أو فى حال تدهور خيارات التمويل المالية لدى مصر. • نفط وغذاء ويلاحظ أن تغيرات كبرى طرأت على المشهد الاقتصادى المصرى فى الشهور الثلاثة الماضية سوف تؤثر على شكل الاقتصاد فى 2016، منها التأكيد على ضرورة إحياء الصناعة الوطنية من خلال إعادة تشغيل المصانع المغلقة، وتقييد حركة الاستيراد، والعمل على عودة الاقتصاد الإنتاجى بدل الاستهلاكى، مع تدخل من الدولة فى بعض القطاعات لسد أى عجز فى السوق وتدبير سلع بسعر مناسب، لكن فى المقابل ما زالت القروض الاستهلاكية فى السوق كبيرة، بلغت قيمتها نحو 50 مليار جنيه فى السنوات الثلاث الأخيرة، وهناك استيراد بقيمة 60 مليار دولار مع عجز مالى يصل إلى 290 مليار جنيه، مما يجعل عدم إصلاح تلك الثغرات لا قيمة له، ويتطلب تناغما بين السياسية المالية والنقدية مفقودا سنوات طويلة، ووصل إلى درجة الصراع فى غير ذات مرة. كما أن الدولة لم تستفد حتى الآن من تراجع أسعار النفط، الذى واصل انخفاضه بنحو غير مسبوق، وقدر فى الموازنة العام الحالى بنحو 70 دولارا للبرميل فى حين وصل إلى ما دون 20 دولارا، ومتوقع استمرار هبوطه، وتراجعت أسعار الغذاء بنسبة 60%، ومع ذلك الأسعار لم تنخفض فى السوق المحلية مقارنة بالأسعار العالمية، وبسعر صرف اليورو، عملة الاستيراد السلعى. وقد وصل معدل التضخم السنوى ارتفاعه للشهر السادس على التوالى ليبلغ 11.9% فى ديسمبر الماضى، مقابل 11.8%. وإن كانت خطوات الانتعاش الاقتصادى تسير بوتيرة تدريجية، لكن يتزامن معها استمرار الاختلالات الخارجية. وهو ما يجعل الدعم الخارجى القوى، الذى تلقته مصر خلال السنوات القلية الماضية، يمكن أن يتأثر بالضغوطات المالية فى دول مجلس التعاون الخليجى. كما أن وجود فرص استثمارية فى السوق قد تكون أقل جاذبية من مثلها فى دول قريبة، مثل تركيا والمغرب والإمارات وحتى إيران بعد رفع العقوبات، وهو ما يجعل إصلاح مسار الاستثمار فى مصر يتجاوز حتى مسالة القانون والشباك الموحد. • عقبات الاستثمار «الأراضى والتراخيص والطاقة وسعر الصرف» أسئلة حاضرة فى ذهن أى مستثمر فى العالم، والأربعة حولهم مشاكل داخل السوق، وإن كانت انحصرت فى الأشهر الأخيرة، ويعتقد عدد كبير من رجال الاقتصاد ان عودة الاستثمار فى 2016 يحتاج اكثر من مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى بتوقيعه على العقود بنفسه، فهناك حالة تخوف من تكرار تجارب سابقة، وصلت إلى حبس المسئولين، وسحب أراضٍ وشركات من المستثمرين، كما أن عقبات القوانين ما زالت غالبة، مع منافسة مع أسواق أسهل فى الاجراءات، مع الاعتراف بأن ربحية الاستثمار فى السوق المصرية ما زالت أعلى بكثير من العديد من الأسواق، التى تمنح الأراضى والتراخيص أحيانا بالمجان، وأقل فسادا من الموجود عندنا. وخلقت الظروف العالمية الحالية موجة من الاهتزازات فى الأسواق المالية، وعززت اندفاع المستثمرين للبحث عن أماكن آمنة لاستثماراتهم، فتكرار الانهيارات وارد جدا، ذلك فى الأسواق الكبرى فما بالنا نحن فى السوق المحلية. وهو ما يجعل الاستثمار المحلى من قبل رجال الأعمال المصريين هو الملاذ الأول للاقتصاد المصرى فى ظل توافر حلول لمشاكل الطاقة والأراضى والتراخيص، وتبقى مشكلة سعر الصرف قائمة، وإن كانت هناك تقارير شبه رسمية، تؤكد أن عددا من رجال الأعمال لهم اليد الطولى فى السوق السوداء العام الماضى. قول الرئيس الصينى شى جين قبل أيام إنه سيتم توقيع اتفاقيات 10 مشروعات فى إطار التعاون بين الجانبين فى مجالات الطاقة الإنتاجية، والكهرباء والمواصلات والبنية التحتية. متوقعا أن تصل الاستثمارات الإجمالية لهذه المشاريع 15 مليار دولار أمريكى، خبر مفرح فى مطلع العام، المهم الخروج من التشاور إلى حيز التنفيذ. خاصة أننا نفتقد فى مصر ذخيرة كانت موجودة قبل ثورة 25 يناير، تتمثل فى احتياطى نقدى أجنبى وصل إلى 35 مليار دولار، مع زيادة ديوننا الخارجية، وتراجع النمو جعل الجميع يتضرر، من هنا يستلزم حل جميع النزاعات الاقتصادية المحلية والعالمية، التى تخصنا مع تهيئة المناخ المناسب للاستثمار، الذى لا بد سيتراجع على المستوى العالمى.