• مشاهد مثيرة لسجين عربى تضع المتلقى فى ظروف القهر والاضطهاد • اختيار الأبطال من عدة جنسيات يؤصل لفكرة أن بسطاء العرب يعيشون داخل سجن تأتى تجربة فيلم «زنزانة» للمخرج الاماراتى الشاب ماجد الانصارى فى أول اعماله الروائية الطويلة، مبشرة، وربما يمكن ان تشكل نقلة نوعية فى مستقبل السينما الخليجية مع قادم الايام. فالعمل الذى ينتمى لسينما التشويق والدراما النفسية العميقة بالدرجة الاولى، يحمل فى الوقت نفسه بعدا سياسيا أعمق، بطرحه ماهية العلاقة بين المواطن البسيط والسلطة المتمثلة فى جهاذ الشرطة، ورغم ان احداثه كلها فى «لوكيشن» واحد داخل اطار زنزانة بقسم ما بدولة عربية ما لم يحددها العمل، حيث كتب فى بداية الشريط «يحدث فى مكان ما فى العالم العربى»، الا إن السيناريو استطاع بحبكته المتقنة ان ينقل الينا حالة مأساة شخصياته، ليجعلنا نتنفس معهم، ونتجرع ازماتهم وانفعالاتهم، ونبحث ايضا عن أجابات لأسئلتهم التى طرحت بشكل غير مباشر حول الظلم والقهر والعدل وقد اشارت الصورة فى مجملها إلى ان المجرمين ليسوا دائما خلف القضبان. أحداث الفيلم تركز على شخصية طلال «صالح بكرى» الذى نراه محبوسا فى زنزانة، وجد نفسه بها دون ان يدرى لماذا، حيث تخنقه الوحدة وعذاب البعد عن ابنه وطليقته التى لا يزال متعلقا بها.. وينتظر طلال معرفة مصيره فى الزنزانة ومن أمامه يجلس ضابط القسم الذى بدا طيبا لكنه لا يستطيع مساعدته، وتنقلب الأحوال وتزداد وتيرة الاحداث سخونة عندما يحضر الضابط دبان (على سليمان) فى زيارة لمركز الشرطة، ليجد طلال نفسه فجأة شاهدا على حمام دم فى لمح البصر! ويدرك على الفور أن السجن ليس أكبر مشاكله عندما يجد نفسه متورطا فى مخطط مجهول لإنقاذ عائلته من رجل مضطرب عقليا، حيث يدخل فى صراع مع سجانه الجديد «دبان» لا يخلو من المفاجآت، حيث يساومه دبان على الدخول معه فى لعبته الشريرة مقابل عدم المساس بعائلته، بعدما شاهد طلال، دبان فى زيه الشرطى وهو يقوم بذبح الضابط المسئول فى القسم، ويضعه فى المرحاض، ويفلق الباب عليه حتى لا يشعر أحد بجريمته ودون ان ندرى لماذا، ليظل المشاهد فى حالة ترقب للاحداث. كانت هناك حركات متنوعة ذكية لكاميرا المصور كولن ليفيك، وهى تدور داخل ارجاء الزنزانة بين انفعالات السجان ومخاوف السجين راصدة تفاصيل فنية عدة مثل حركة مروحة السقف التى لا تكف، وعقارب الساعة التى تشير إلى زمن مستمر، وصنبور مياه ينزل نقطة نقطة، تلك التفاصيل استطاعت ان تمحى الايحاء بمكان التصوير الضيق، وكأن المخرج اراد أن تكون الكاميرا جزءا من شخصيات الفيلم من خلال منحها حرية الحركة فى المكان لنكون إزاء ممارسات شرطى فاسد ومختل يتلذذ بتعذيب الآخرين وبالقتل، ومواطن بسيط محطم قادته الأقدار الغريبة ليكون محتجزا فى سجنه وينفذ ما يطلبه السجان منه مجبرا وقد ساهم المونتاج المتقن لشهنار دليمى فى عنصر ابرازها وابهارنا على مدى 90 دقيقة. شارك فى بطولة الفيلم عهد كامل، كما شارك على الجابرى، وياسمين جمعة. وفى عدة مشاهد مثيرة دراميا يضعنا المخرج ماجد الأنصارى وكاتبا السيناريو روكوس ولاين سكاى فى ظروف القهر والاضطهاد التى يتعرض لها مواطن عربى فى احد سجون السلطة الحاكمة حتى ولو أظهر السجان كمضطرب نفسيا، واذا كان الفيلم لم يحدد المكان فهو نوع من المناورة وتجنب المباشرة ليطابق الجمهور بين ما يجرى فى هذا السجن الواقع فى مكان غير معلوم مع قصص اخرى يقرأ عنها ويسمع بها يوميا حول هذا الموضوع. استعرض الفيلم كيف يحول الضابط الفاسد حياة المواطن الأسير «طلال» ويجعله مندفعا إلى طاعته بداية من نقل بصماته على السكين الذى قتل فيه ضابط القسم والصمت امام كل خطاياه حتى مع الشرطية الطيبة، وإلا فإنه سينتقم من حبيبته التى تطلب منه الطلاق وتجىء إلى القسم من أجل عتابه، وفى كل مرة نرى ان محاولات طلال للخلاص والهروب أو لانقاذ الآخرين من دبان داخل مركز الشرطة باتت يائسة، لكن الفيلم فى النهاية بدا وكأنه ينتصر للشعب حتى لو دفع بموت البطل «طلال» فى سبيل إنقاذ ابنه وطليقته التى يحبها، وكذلك موت الشرطى الفاسد على يد أخيه الهارب من حكم الإعدام بعد أن يحترق بالنار. الفيلم يوحى برؤية اخراجية فنية لافتة، ليترك مخرجه بصمة وهو مازال فى بداية طريق طويل، تلك البصمة التى انكشفت فى قدرته التى كانت تحديا أمام الفيلم وتصويره داخل غرفة واحدة، والبصمة تطول أيضا أداء تمثيليا مبهرا للممثل الفلسطينى على سلمان، الذى استطاع ان يقدم شخصية «دبان» باقتدار شديد فى معظم المشاهد بتركيبتها التى ظهرت بلمحة هزلية خاصة وهى تبرز ملامح الغضب والشر ببراعة، بداية بقتل ضابط القسم بطريقة فيها الكثير من التلذذ والسادية من دون أن نعى السبب الحقيقى لذلك، وهو ما جعله يضعنا أمام حالة تشويقية لا تتكشف خيوطها إلا فى نهاية العمل وهى رغبته بتهريب أخيه المحكوم بالإعدام والذى يقتل هو الآخر. وكذلك قدم الممثل الفلسطينى صالح بكرى شخصية طلال بواقعية كانت كالسهل الممتنع وهى جسد الطرف الآخر من المعادل ألا وهى المواطن البسيط المسحوق والمحبط. والسعودية عهد كامل التى قدمت عددا من المشاهد الرائعة بتلقائيتها وهى تؤدى دور عايدة، شرطية فى القسم، منها مشهد الرقص مع ديبان على انغام موسيقى الراديو وربما يجىء اختيار أبطال الفيلم من جنسيات متعددة، اختيارا ذكيا ليؤصل المخرج فكرته بأن بسطاء العالم العربى يعيشون فى زنزانة، بجانب عدم اختيار مكان وزمان محددين متجاوزا الحدود الجغرافية، وهو بالقطع يحاول عدم اثارة أى نوع من الحساسيات لأنظمة عربية باعتبار ان هناك زنازين كثيرة مشابهة بها مواطن مظلوم أو مقهور يسهل تحطيمه وأخفاؤه وقتله وإن كانت بدرجات متفاوتة كما فعل «دبان» الشرطى الفاسد أو المختل وحاول قتل الجميع فى سبيل نجاته.