- حديقة مزدهرة للزوار ومساحة معزولة للمتظاهرين مزيج من مشاعر متباينه يبعثها مشهد متناقض يجمع بين "جنة خضراء" تدخلها عبر بوابة رئيسية ل"حديقة الفسطاط"، و"منفى مهجور" تصل إليه عبر بوابات حديدية ضخمة ضمن سياج يرسم حدود المنطقة المخصصة لأعمال التجمعات السلمية والتظاهرات التي لاتحتاج أذونات شرطية أو تصاريح حكومية. بينما تسيطر عليك أحاسيس بالراحة والسكينة، تبعثها مساحات خضراء شاسعة تعاني من "الإهمال" بحديقة الفسطاط، فسوف يتسرب إليك فورا إحساس بالعزلة في مساحة العشرين فدانا الذين تم تخصيصهم للتظاهر بمحافظة القاهرة، وهى منطقة تضمن فصل تام بين زوار ورواد الحديقة وأهالي المنطقة، عن المتظاهرين والمحتجين. حديقة "الفسطاط" التي توفر جوا مناسبا لقضاء العطلات والمناسبات المختلفة، تقع في قلب منطقة مصر القديمة، فتاريخيا الفسطاط هى المدينة التي بناها عمرو بن العاص عقب فتح مصر عام 641م، ظهر اسمها مؤخرا ملحقا بعناوين غاضبة وتحذيرات صاخبة لموظفين يلوحون ب"غليان ثوري" ومليونيات احتجاجية، اعتراضا على إحدى القوانين الحكومية التي أعلن عنها مؤخرا. رصدت "الشروق" الوضع عن كثب، وتجولت في جنبات الحديقة من ناحية، والساحة المخصصة لأعمال التظاهر من ناحية أخرى، فالأولى مترامية الأطراف يغلب عليها اللون الأخضر الذي توفره أشجار ضخمة ونباتات نادرة، تمتد لقرابة ال10 كيلو مترات، يطغى عليها الهدوء مناسبة تماما لتجمعات الأقارب ولقاءات العشاق، وتم تزوديها ب20 لعبة أطفال وقطارات ملونة لخدمة رواد الحديقة. بينما تتطلب المنطقة المخصصة للتظاهر قرابة ال50 دقيقة سيرا على الأقدام، أو 15 دقيقة بالسيارة للوصول إلى تلك الساحة، وتبلغ حوالي 20 فدانا، قرر محافظ القاهرة الدكتور جلال مصطفى سعيد في ديسمبر 2013 تخصيصها للاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية دون التقييد بانتظار الأذونات الأمنية، وهى التي تستهدفها شرائح ونقابات للموظفين للتظاهر ضد قانون الخدمة المدنية بعد غد السبت. ومن جانبه، قال أحد ممثلي الإدارة بالحديقة - رفض ذكر اسمه – إن "الأجواء مستقرة تماما بالنسبه لزوار الحديقة والعاملين فيها، وأن هناك قرابة ال5 أفواج من رحلات المدارس منتظر أن يتوافدوا على الحديقة يوم السبت بالإضافة إلى الرواد العاديين"، مشيرا إلى أن مصدر القلق الوحيد يكمن في احتمالية نشوب أي صدامات بين المتظاهرين وأهالي "عين الصيرة" الذين يتعبرون في "التظاهر" تعطيل لأرزاقهم. وأكد أن الأهالي قدموا بالفعل للاعتراض، وتجمعوا أمام مدخل الحديقة الرئيسي رافعين لافتات مكتوب عليها "لا للتظاهر"، ورددوا شعارات رافضة لأي عرقلة لحركة المرور بالشارع الرئيسي أو أعمال وفعاليات تؤثر على المحلات بمنطقة مصر القديمة وتحديدا "عين الصيرة". وتحدثت "الشروق"، مع مجموعة من المسؤولين، الذين أشاروا إلى أن المساحة التي تم اقتطاعها من الحديقة وتخصيصها للتظاهر، لم تؤثر على الوضع السيء بالفعل الذي يعاني منه المكان الذي أصيب بأزمات ك"الإهمال والروتين الحكومي، وعزوف الزوار، وانقطاع الرحلات المدرسية"، مضيفين، "تعرض المكان لهزات خلال عهد مبارك أثناء موجات الإصابة بإنفلونزا الطيور والخنازير فغابت التجمعات، وعقب الثورة تعرض لحوادث وسرقات، بالإضافة لأزمة الموارد المحدودة المخصصة لمكان بحجم حديقة الفسطاط الممتدة لقرابة ال10 كيلو مترات". يشار إلى أن حديقة الفسطاط كانت تعد أحد أكبر مقالب لمخلفات القاهرة الكبرى، بدء العمل فيها منذ العام 1985 وتطلب الأمر 5 سنوات لتجهيزها ورفع المخلفات منها، لتستقبل الزوار بشكل طبيعي في بداية التسعينيات، يجاورها مبنى تابع لوزارة البيئة والمتحف القومي للحضارة ومبنى ينتمي إلى دار الوثائق. ومن المنتظر، أن تستقبل المساحات المخصصة للتظاهر الحدث الاحتجاجي المرتقب، للمطالبين بإلغاء قانون العاملين بالخدمة المدنية الذي صدر في مارس الماضي، حيث أعلنت نحو 19 نقابة واتحاد مستقل بالقاهرة والمحافظات المصرية، اعتزامها التجمع في "مليونية" بالحديقة، تعبيرا عن رفضهم القانون الذي ينظم حقوق العاملين في الوظائف الحكومية في الدولة. ومن أبرز المواد الجدلية في القانون جدول أجور الموظفين، وطريقة التقييم، والجزاءات، والعلاوات، والحوافز المادية السنوية، والخروج على المعاش المبكر - التقاعد المبكر -، والتعيينات، فضلا عن وجود استثناءات في تطبيق القانون على بعض الوزارات والهيئات. وأكدت وزارتا التخطيط والمالية، أن رواتب العاملين بالحكومة لن تتضرر بعد تطبيق قانون الخدمة المدنية، بل على العكس، فإن القانون يكفل زيادات دورية في مستويات أجور العاملين بالجهاز الإداري للدولة من خلال منح علاوات دورية.