"كانت الساعة الرابعة بعد ظهر السبت الموافق 15 نوفمبر 1902 عهد الخديوي عباس حلمي الثاني (موعد افتتاح المتحف الجديد بل العالم القديم ومجمع آلهة المصريين القدماء ومقر ملوكهم العظماء).. ساعة واحدة يقضيها المرء في ذلك البناء الفخيم القائم إلى جانب النيل المبارك تغنيه عن مطالعة أيام وتواريخ أولئك الذين خلدوا ذكر وادي النيل بما تركوه من الآثار وما خلفوه من العاديات التي تجذب السياح في كل عام إلى الديار المصرية". افتتاحية جريدة الأهرام في 17 نوفمبر 1902 تحت عنوان «أحبوا آثاركم». لم يكن هذا المتحف هو البداية، ولكنه نهاية لجهود تضافرت لأكثر من 60 عاما لحفظ وعرض الآثار المصرية. وزاد الاهتمام بحفظ الآثار المصرية مع اكتشاف شامبليون سر اللغة المصرية القديمة عام 1825م، وكان قبلها يتم عرض الآثار المنهوبة كمجموعات خاصة بأفراد ذوي مكانة. واشتهر أيام محمد علي باشا التنافس بين أشهر سارقين للآثار المصرية، وهما القنصل الفرنسي دروفيتي، والذي كان قريب من محمد علي باشا، وبسبب هذا استولى على الكثير من الآثار المصرية النفيسة. أما السارق الثاني، فهو القنصل الإنجليزي سولت، والذي استعان بلاعب السيرك والرحالة ناهب الآثار الإيطالي بلزوني، وساعده على نقل العديد من القطع الكبيرة والتي كان من المستحيل نقلها إلا بجهود شخص مثل بلزوني. وزاد التنافس بين دروفيتي وسولت في الحصول على مناطق النفوذ، للبحث عن الآثار لبيعها وللحصول على المال. كما زاد في تلك الفترة نشاط تجار الآثار، وكتب رفاعة الطهطاوي في كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» عن اكتشافات شامبليون والأهرامات وأهمية الحضارة المصرية، مما زاد من الوعي بالآثار المصرية والبحث عن طريقة لعرضها والحفاظ عليها. واستمرت الجهود لمحاربة تجارة ونهب الآثار، ففي 15 أغسطس من عام 1835 صدر أول مرسوم من محمد علي باشا والي مصر، وجاء فيه حظر تام لتصدير جميع الآثار، ووضع الآثار التي تمتلكها الحكومة في مكان خاص بالقاهرة، واتخاذ كل الإجراءات والتدابير لضمان المحافظة على الآثار أينما وجدت. ولكن كل هذا لم يمنع نهب وتجارة الآثار بسبب ألاعيب القناصل. فى عام 1836، تم إنشاء الجمعية المصرية بجهود بريطانية بهدف المحافظة على الآثار من التدمير، ولكن كل هذه الجهود لم تمنع التخريب والنهب المنظم، إذ وصل حد تخريب إنه بُني مصنع للسماد عام 1835م من أحجار معبد دندرة. انتكخانة الأزبكية كما يذكر دكتور وائل إبراهيم الدسوقي في كتابه الصادر حديثا «تاريخ علم المصريات» أنه بعد صدور مرسوم عام 1835، جاءت الحاجة إلى مكان لحفظ الآثار وأوكلت المهمه إلى رفاعة الطهطاوي، واختير المكان بجوار مدرسة الترجمة وهي في الأصل جزء من قصر الألفي بك القديم، وتحول مع الوقت إلى قصر محمد الدفتردار صهر محمد علي، ثم انتقل إلى كامل باشا الصهر الثاني لمحمد علي والذى عرف الشارع باسمه. ولقد أسند تصميم المتحف الجديد إلى المهندس «حككيان»، وإدارته إلى يوسف ضياء أفندي مفتش آثار الصعيد. انتكخانة الأزبكية لم تكن بالمتحف، فهي أقرب إلى مكان لحفظ الآثار بعيدا عن أعين اللصوص. إن حكام مصر في هذه الفترة لم يشعروا بقيمة الآثار المحفوظة بمتحف الأزبكية، وأخذوا يهدونها لكبار السائحين الأوروبيين. وانتهى الأمر بنقل ما تبقى في المتحف إلى حجرة مهجورة بالقلعة. واكتملت المأساة في عام 1855، حينما زار الأرشيدوق «مكسمليان» (أحد أفراد العائلة المالكة في النمسا) هذه القاعة وهو بالقاهرة فأعجب بها وأهداها له والي مصر بأكملها إليه ونُقلت إلى فيينا. متحف بولاق يرجع الفضل إلى «مارييت» عالم المصريات الشهير -وبمساعدة صديقه ديليسبس- في إنشاء هذا المتحف، والذى جاء إلى مصر عام 1850، وظل ينقب عن الآثار منفردا بصفة غير رسمية، ومن أشهر اكتشافاته «السرابيوم». فى البداية حصل «مارييت» على عدة مكاتب قديمة خاصة بإحدى شركات النقل كبداية للمتحف الذي حلم به، وكان يقع هذا المكان على النيل واستخدم في البداية كمخزن للآثار المصرية القديمة. في عام 1858، عين سعيد باشا والي مصر «مارييت» كأول مأمور لأشغال العاديات أي ما يقابل حالياً رئيس مصلحة الآثار. وقد وجد أنه لا بد من وجود إدارة ومتحف للآثار. واستقر «مارييت» في عام 1860 على اتخاذ الطرف الجنوبي من الجزيرة المواجهة لثكنات قصر النيل، كمقر للمتحف الجديد. في عام 1863، أقر الخديوي إسماعيل مشروع إنشاء مجمع للآثار المصرية واليونانية والرومانية ولكن لم ينفذ، وإنما اكتفى بإعطاء «مارييت» الشونة الأميرية «عر بخانة» أمام دار الأنتكخانة في بولاق ليوسع متحفه. وقد أمر الخديوي بإصلاح مخازن بولاق وتوسيعها، وافتتحت «أنتكخانة بولاق» في حفل رسمي يوم 18 أكتوبر 1863. كان المتحف كما أورد الدسوقي في كتابه يعد أول مبنى يقام في مصر الحديثة على الطابع المصري القديم، وكان يتكون من مبنيين ويضم كل منهما 12 غرفة، وخصص أحدهما لإقامة مؤسس المتحف والإداريين، وتمت إضافة قاعتين فيما بعد للمتحف، وكان يوجد رسم الدخول عدا الجمعة مجانا، وقد أصدر «مارييت» في عام 1872 دليل للقطع الأثرية التي ضمها متحف بولاق. وحدث ارتفاع شديد في فيضان النيل عام 1878، مما تسبب بإغراق متحف بولاق وضياع بعض محتوياته من الكتب والمخطوطات والآثار، وأنقذت بعض المعروضات بواسطة الأهالي. وفي عام 1880 تم تنظيف إحدى القاعات وأعيد افتتاح جزء من المتحف. وفي 1881 أعيد افتتاح المتحف وفي نفس العام توفي «مارييت»، وخلفه «جاسنون ماسبيرو» كمدير للآثار وللمتحف. في عام 1890، وعندما تزايدت مجموعات متحف بولاق وأصبح لا يتسع للعرض والتخزين، كما زادت المخاوف من فيضان النيل، فكان لا بد من التفكير في نقل المتحف إلى مكان آخر. متحف الجيزة تم نقل الآثار من متحف بولاق إلى قصر الجيزة، وكان من أكبر قصور إسماعيل باشا، وخصصه الخديوي لسكن الحريم. وتذكر بعض المصادر التاريخية أنه في عام 1870، في ظل الأزمة المالية، تم نقل القصر إلى الدولة وتحول هو وبعض القصور الخاصة بزوجاته فيما بعد إلى جزء من توسعات حديقتي الحيوان والأورمان، ولم يعد لهذا القصر وجود). وقد وضعت المجموعات الأثرية بملحق خاص بالقصر، وفي 12 يناير من عام 1890 افتتح الخديوي توفيق أنتكخانة الجيزة للجمهور. وعندما جاء العالم «دي مورجان» كرئيس لمصلحة الآثار والمتحف – بعد «ماسبيرو»- أعاد تنسيق هذه المجموعات بالمتحف الجديد الذي عرف باسم متحف الجيزة، وبذلت مجهودات كبيرة لحماية الآثار من الحريق والنهب والتلف أيضا، وصرفت أموال كثيرة لتهيئة المكان لحفظ الآثار. ولكنه كان واضحا أن المكان لا يصلح لعرض الآثار، ولهذا كانت الحاجة لإقامة متحف جديد للآثار مُلحة. في عام 1895، تم وضع دليل للقطع الموجودة بمتحف الجيزة، وفي الفترة من 1897 إلى 1899 جاء «لوريه» كخليفة ل«دي مورجان3 ولكنه لم يستمر، إذا عاد «ماسبيرو» في نفس العام واستمر حتى 1914 وأشرف بنفسه على نقل الآثار من القصر إلى متحف قصر النيل الجديد عام 1902. المتحف المصري في 15 نوفمبر عام 1902، افتتح المتحف الجديد بالمنطقة المواجهة لثكنات قصر النيل، حيث نقلت إليه الآثار المصرية من متحفي بولاق والجيزة اللذين اكتظا بتلك الآثار قبل هذا التاريخ ولم يكنا يسعان هذا الكم الهائل من الآثار المكتشفة. ويعتبر أول متحف في العالم، وأنشأ ليكون متحفا حيث كانت عادة أوروبا هي اتخاذ قصور الأمراء والنبلاء كمتاحف. صمم المتحف المصري الجديد في عام 1896، بواسطة المهندس الفرنسي «مارسيل دورنون»، وطرازه المعماري الذي فاز من بين 73 تصميما، شيد على طراز العمارة الكلاسيكية اليونانية الرومانية، وليس على هيئة المعابد المصرية، فهو لا يحوي أي تأثيرات للفن المصري القديم إلا في تصميم حجراته أو قاعاته الداخلية؛ فمدخل القاعات يحاكي ضريح المعابد المصرية، والحجرات تحاكي معبد إدفو. يحكي الكاتب الصحفى محسن محمد في كتابه «سرقة ملك مصر»، أنه أثناء حكم الملك فؤاد قُدم إليه عرض من ثري أمريكي مدعم من عالم الآثار الشهير «جيمس هنري برستد» بمبلغ مليوني جنيه بهدف إنشاء متحف جديد للآثار، حيث عدد «برستد» مساوئ المتحف المصري المقام بالقرب من ثكنات قصر النيل العسكرية، وكيف أنه غير مؤهل لحفظ الآثار ولن يستطيع تخريج جيل من الأثريين المصريين. وكان العرض يشترط إخضاع إدارة الآثار المصرية من حفظ واكتشاف لإدارة دولية لعدة سنوات، وترفع يد الحكومة عن كل ما يخص الآثار، وكان المكان المقترح هو ثكنات قصر النيل مما واجه اعتراضا بريطانيا شديدا وهذا لأهمية الثكنات من وجودها بالقرب من قصر الدوبارة وقصر عابدين، كذلك لم يجد المشروع أي حماس مصرى بسبب الخوف من مسألة الإدارة الدولية، وإخضاع التراث المصري القديم مقابل مليوني جنيه، بعيدا عن رقابة الحكومة المصرية. وتستمر بعد ذلك الجهود لإقامة أماكن لحفظ وعرض الآثار المصرية، بما يتناسب مع عظمة وقدم هذه الآثار.
مبنى متحف بولاق على النمط المصرى القديم 1867م المتحف المصرى أثنا إنشاء الطابق الثانى مجموعة من معروضات متحف بولاق عام 1871م متحف الجيزه 1894م