حين تفقد رفيقا، حبيبا كان أو صديق، نفقد معه كل شيء ملموس، وما يتبقى لا يمكن وصفه، أو رسمه، أو حتى الحكي عنه. «ما تبقى» الفيلم الفائز بمنحة شركة أروما في مهرجان لقاء الصورة الذي ينظمه المركز الثقافي الفرنسي، والذي يعرض حاليا في مهرجان «الوحدة الوطنية» بالبحرين، يصور فيه مخرجه، سعد سمير، من خلال بطله، عماد اسماعيل، ما يتركه الراحلين أو ما يتبقى منهم. التقت بوابة «الشروق» مع المخرج سعد سمير، بعد إعلان المركز الثقافي الفرنسي فوز «ما تبقى» بجائزة المهرجان وهي دعم العمل القادم من شركة أروما، وحدثنا عن الفيلم والسينما المستقلة والمتاعب التي يواجهها صناعها، وأحلامهم. بصوت هادئ وانفعالات أكثر هدوءا تخفي وراءها شخص يمنح التفاصيل الكثير من التركيز، يعرف سعد سمير نفسه:«تخرجت من كلية الآداب قسم علم النفس، جامعة القاهرة، وعملت في المسرح منذ 15 عاما، ما بين مدير تقني ومصمم إضاءة مسرح، ومنذ عامين فقط بدأت دراسة السينما في أكاديمية فنون وتكنولوجيا السينما/ رأفت الميهي، وانتهيت منها منذ شهر تقريبا، وحاليا أعمل على مشروع التخرج، وعلى التوازي درست تصوير سينمائي في ورشة خاصة مع مدير التصوير أحمد حسين». وعن بداية التفكير في صناعة فيلم يقول: «أثناء الدراسة كنت أفكر في تنفيذ فكرة بشكل كامل، من الخطوة الأولى، تخيل الفكرة وكتابتها، إلى التنفيذ وإدارة فريق عمل، لكن لأن صناع السينما المستقلين عادة ما يواجهون مشكلة عدم وجود إنتاج كافي، فكنت اعلم منذ البداية أن الفكرة لابد وأن تكون مكثفة، مركزة، ويقوم بأداءها ممثل واحد لا غير». وبالفعل، يتابع سعد سمير، قمت بتنفيذ الفيلم بأقل تكلفة ممكنة، حيث عمل جميع أفراد فريق العمل دون مقابل، لكن المصاريف الحتمية كانت البعيدة عن الفن ذاته، التكاليف الضرورية لإنتاج الفيلم، كالاستوديو والإضاءة والكاميرا والصوت والمصاريف التقنية. «الحدوتة عن رجل حاول يتأقلم مع حياته بعد فقدان زوجته وابنته، من خلال الفيلم لن يستطيع المشاهد تحديد سبب غيابهم، ومتروك لاستنتاج المشاهد إذ كان غيابهم بسبب فقدانهم في حادث سيارة أو مجرد قرار بالبُعد» يقول سعد سمير عن قصة الفيلم، ويستكمل: «في علم النفس، يمر الانسان بثلاث مراحل بعد التعرض لصدمة، المرحلة الأولى تسمى الإنكار، وفيها يسيطر عدم التصديق والهدوء على صاحب المصيبة، يعيش حياته كأن شيئا لم يكن، والثانية هي مرحلة الاعتراف، وعادة يتبعها ثورة وغضب، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة قبول الأمر الواقع، وفيها يعود الإنسان لهدوئة التعايش مع الواقع الجديد، الفيلم يدور في المرحلة الزمنية الأولى أو الثالثة، حيث البطل هادئ يعيد ترتيب حياته والتأقلم مع الوضع دونهم». الفيلم صامت.. لا يوجد به جملة حوارية واحدة، عن هذا يخبرنا سعد سمير، أنه كصانع فيلم كان كل ما يريده أن يقدم نفسه كمخرج، «أتكلم بلغة "سيما"، أحكي الحكاية "من غير ولا كلمة"، بالصورة.. وربما يكون ذلك السبب وراء فوز فيلمي بجائزة "لقاء الصورة".. أن الاعتماد الأول على الصورة وفنيات الإخراج»، بحسب اعتقاده. يتابع: «بالطبع تطلب إنتاج فيلم صامت مجهود إخراجي أكبر، التعامل مع النصوص يسهل الأمر على الممثل والمخرج، إنما التعبير عن أحاسيس غير منطوقة أصعب كثيرا، لأن تحضير الممثل لخلق الأحاسيس، في نفس اللحظة التي يصور فيها المخرج ثلاث أو أربع أحاسيس مختلفة، أمر مرهق جدا». وبسؤال المخرج عن الوقت الذي استغرقه لصناعة الفيلم، قال: «البداية كانت الكتابة، تكوين الصور في مخيلتي، وبناءها وكتابتها استغرق حوالي أسبوع، بعدها عرضها على الممثل، عماد إسماعيل، والعمل عليها، لقرابة الشهر، بعدها التصوير وما بعده لمدة 3 أسابيع». بعد مشاركته في مهرجان لقاء الصورة، والفوز بالجائزة الأولى، تم اختيار الفيلم للمشاركة في مهرجان الوحدة الوطنية للأفلام القصيرة، بدولة البحرين، ما لفت الانتباه إلى أن الأفلام القصيرة، عادة ما يطلق عليها «أفلام مهرجانات». عن هذا يدافع سعد سمير ويقول: «عرضت الفيلم من قبل، في ليلة سينما بمسرح روابط، والناس كانت مبسوطة، لأن الجرعة الفنية كانت متنوعة، بين أفلام سياسية وتجريبية، لكن جمهور المهرجانات يكون مختلف نوعا ما، لأن معظم الحضور يكونوا من النقاد والمتخصصين، لكن هذا لا يمنع أن الهدف من صناعة الأفلام يكون في الأساس الوصول للجمهور العادي، إذا توفرت الفرص، وهنا تكمن المشكلة، لأن الأفلام القصيرة تلزم ترتيبات كثيرة لعرضها للجمهور، حيث من غير المنطقي أن يعرض الفيلم وحيدا، وهو مدته لا تتجاوز العشر دقائق، لذلك تعرض عدة أفلام في ليلة واحدة، وهو أمرا ليس باليسير». وبذكر المهرجانات، الجائزة التي حصل عليها المخرج سعد سمير من المركز الثقافي الفرنسي، كانت دعم تكلفة انتاج الفيلم القادم، برعاية شكرة «أروما» للإنتاج السينمائي، لمديرها محمد منصور، وبالنسبة لسعد سمير، فإن أكبر المشاكل التي تواجه صانعي الأفلام المستقلة هي الإنتاج، «المنتج لا يجازف بتكلفة فيلم لن يدر له ربح مادي، لأن السينما في النهاية صناعة، المشكلة الثانية، هي كيفية عرض الفيلم بعد صناعته». لذلك يعرب سعد سمير عن تفاؤله بالتعاون مع شركة أروما، لأن ذلك يعد شوطا كبيرا في مشوار صناعة فيلم ناجح. «خطتي أن أستمر في إنتاج الأفلام القصيرة لمدة عامين، على التوازي أعمل على مشروع الفيلم الطويل، الأفكار جاهزة إلى حد كبير، لا ينقصها سوى الدخول في حيز التنفيذ». هكذا يختم سعد سمير حديثه عن السينما وصناعتها، الأمر لا يبدو سهلا، والتنفيذ ليس نهاية المطاف.