* الباسوسى: تخريب وإفساد لتاريخ السينما * عدلى: شرفت مصر فى مهرجانات دولية بدأت الأفلام التى تتم صناعتها بطريقة الارتجال تطغى على صناعة السينما بشكل جعل منها ظاهرة تثير الجدل بين النقاد والمنتجين والمخرجين، فالبعض يتخوف منها ويرى أنها تدمير وتخريب وإفساد لصناعة السينما؛ لأن انتشار مثل هذه الأفلام قد يدفع إلى ترك السيناريو تماما والعمل من خلال الارتجال والاستسهال فقط. بينما يرى البعض الآخر أن هذه الظاهرة غير مقلقة ما دام المخرج قد التزم بالإطار المرسوم له، مشيرين إلى أن هذه الأفلام شاركت فى مهرجانات خارجية ودولية وشرفت مصر. المثير أن بعض أفلام الارتجال نجحت بشكل لافت، ولكن الغالبية منها واجهت مصير الفشل؛ وذلك لأن للارتجال مدارس متعددة سواء فى الموسيقى، أو المسرح، أو السينما، وهو موجود فى السينما العالمية منذ بدايتها، وقد ربطه النقاد فى مصر بظهور ما يسمى بالسينما البديلة أو المستقلة، ومع ذلك فهو موجود فى السينما المصرية منذ بدايتها أيضا، ومن أشهر تجارب الارتجال فى السينما المصرية فيلم "زوجتى والكلب" للمخرج سعيد مرزوق عام 1971. وأكد صناع السينما أن الارتجال أحد الأساليب المعروفة فى السيناريو، إلى جانب الكتابة عن طريق ورشة العمل، بالإضافة إلى وجود أكثر من تجربة فى السنوات الخمس الماضية حتى وإن اختلفوا حول مواقفهم منها. وقد فجر كل هذه التساؤلات طرح فيلم "الشتا اللى فات" لعمرو واكد بدور العرض السينمائى؛ حيث تدور أحداثه فى أثناء ثورة 25 يناير، وذلك فى إطار ثلاث قصص إنسانية، الأولى لضابط بمباحث أمن الدولة، والثانية لمذيعة تليفزيونية "فرح يوسف"، والثالثة لمهندس كمبيوتر "عمرو واكد"، ومدى علاقتهم بالثورة المصرية؛ حيث يقوم واكد بدور مهندس برمجة على علاقة بفئات شبابية، كان لها دور كبير فى الثورة المصرية، موضحا من خلال العمل الأسباب التى أدت إلى تفشى الفساد فى مصر. قام بتأليف الفيلم حابى محمد سعود، وأخرجه إبراهيم البطوط، وشاركت فى بطولته فرح يوسف، واتبع فيه المخرج نظام البناء الارتجالى وترك الفرصة للممثلين لارتجال أدوارهم. ومن أبرز الأعمال التى تم تصويرها بالحوار المرتجل، فيلم الثورة الأول «18 يوم» والذى تكون من 10 أفلام روائية قصيرة تم بناء كل منها على حوار ارتجالى منفصل، وكذلك فيلم "عشم" من تأليف وإخراج ماجى مرجان، والذى بدأ تصويره فى فبراير 2011 عقب الثورة المصرية أيضا، لكن الفيلم يترك أحداث الثورة ليركز على 6 قصص مختلفة ل12 شخصية، يجمعهم جميعا عشمهم فى أن يخرجهم شىء من ابتلائهم، فمنهم من تعشمت فى علاج كى تستطيع الإنجاب، وأخرى تتمنى أن يكون زوجها غير مريض بالسرطان، وشخص يتمنى وظيفة جيدة. تتحقق أحلام البعض، ولا تتحقق أحلام معظمهم. فضلا عن أفلام أخرى مثل "عين شمس" و"هليوبلس"، و"الحاوى" و"ميكرفون" و"بيبو وبشير" وغيرها من أعمال اتبعت المنهج نفسه. من جانبه، قال المخرج إبراهيم بطوط: إن فيلم "عين شمس" كان ارتجالا داخل الإطار الدرامى للشخصيات بطريقة تجعل الممثل يؤدى الشخصية بارتياح، والارتجال طبعا أحد المدارس فى الكتابة، ولكن يجب أن يكون مدروسا، مؤكدا أنه يعمل بنظام الاتفاق على الحوار المسبق للمشهد فى أفلامه عادة، ولكن ليس فى تنفيذ الفيلم ككل. وأضاف بطوط: "إن الظروف التى تم فيها تصوير فيلم "الشتا اللى فات" كانت استثنائية؛ حيث إننا بدأنا التصوير فور إعلان التنحى، وجاءتنى الفكرة واتفقت مع الممثلين فى اليوم نفسه، ثم بدأت فى كتابة السيناريو وفضلت أن أترك الحوار للاتفاق عليه قبل كل مشهد، وذلك لكى أترك الحرية للممثل أن ينقل شعوره الوطنى وإحساسه بالفترة التى عاصرها، خاصة أن كلنا تقريبًا كنا موجودين يوميًا فى الميدان وقت الثورة، وكنا نتفق فى جلسات العمل على شكل الحوار وأدائه وإذا رأيت كلمة أو جملة غير مناسبة للمشهد أو طويلة أو غيرها من الأشياء التى قد تخل بفكرة المشهد فأقوم بتغييرها بشكل فورى وقت التصوير". هذه التجارب يراها الكاتب والسيناريست محمد الباسوسى تخريبا وإفسادا للسينما المصرية قائلا: "نحن نتحدث عن سينما لها أرشيف، وكل فيلم إذا تم إنتاجه فإنه يدخل التاريخ باعتباره أحد الأفلام المصرية، ولأن مستوى هذه الأفلام يكون هابطا فإن ذلك يشوه مسيرة السينما كلها، وبدا من واقع السينما أن الصناعة نفسها تتقدم وتتطور فى العالم كله وتتأخر فى مصر؛ لأنها قائمة على عنصرى الإبهار والدراما، فإذا خلت من هذين العنصرين فكيف يتم تقديم سينما؟". وأضاف: "لقد تعلمنا على أيدى أساتذتنا الكبار أهمية احترام الكلمة والنص المكتوب، وضرورة احترام الجميع لإبداع المؤلف حتى إن المخرج عندما يتحدث مع المؤلف عن بعض التغييرات المطلوبة أو شىء من هذا القبيل فإن ذلك يكون قبل التصوير، فإذا دارت العجلة انتهى الموضوع ولم يعد لأحد حق تغيير شىء، ويكون رأى الفنانين استشاريا إذا رأى صناع العمل الأخذ به كان به وإلا فلا". وأرجع الباسوسى الحالة الراهنة إلى تداخل الأدوار واختلال الأوضاع التى أصبح فيها النجم والمنتج يتحكمان فى كل شىء والسيناريوهات أصبحت مهلهلة والمستوى أصبح رديئا، على حد وصفه. أما الناقد نادر عدلى، فقال: "إننا لا نستطيع أن نقول إن هذه الأفلام بلا سيناريوهات؛ لأن المخرج يسرى نصر الله عندما قدم فيلمه كانت هناك بعض الأمور المتروكة لوقتها فى التصوير بسبب استعانته ببعض الأشخاص من نزلة السمان وأخرى فى ميدان التحرير، وهذه الإضافات يستطيع المخرج أن يتحكم فيها، ومن ثم فإن هذه التفاصيل تكون هامشية لأن صناع العمل يكونون قد صمموا الخطوط العريضة أو العمود الفقرى للعمل نفسه. وقال: "أضف إلى ذلك أن هذه الأفلام قد خرجت وشاركت فى مهرجانات خارجية ودولية وشرفت مصر فيها وليس فى عمل المخرجين شىء يقلقنى لأنه يعمل ضمن الإطار المرسوم له".