«العدالة الانتقالية»: الحكومة لا تمنع أحدا من ممارسة السياسة.. والأحزاب مطالبة بعرض برامجها على أرض الواقع وحيد عبدالمجيد: القيادة الساسية مسئولة عن «موت السياسة».. وعلى الأحزاب استغلال الفترة الحالية فى إعادة البناء «أحزاب كرتونية»..«دعم الدولة».. «فقر التمويل».. مصطلحات قديمة، يعود تاريخها إلى ما قبل ثورة 25 يناير، فى فترة سيطرة خلالها الحزب الوطنى على الحياة السياسية، لتمضى السنين، ويعاد تداولها مجددا بين طرفى الأزمة، الحكومة والأحزاب، فى خضم السجال المستمر حول «معركة قوانين الانتخابات البرلمانية»، التى عمدت فيها الحكومة على تهميش مقترحات الأحزاب، ما يهدد مستقبل العلاقة بينهما. لا يمكن اختزال أزمة السياسة، فى فشل صياغة قوانين ترضى أطرف اللعبة، فهناك العديد من الأزمات التى تفرض نفسها عند الحديث عن إفشال الحياة الحزبية، تحدث عنها قادة وممثلى الأحزاب السياسية، فى حين جاء رد ممثل الحكومة بأنهم لا يمنعون أحدا من ممارسة السياسة. رفعت السعيد، رئيس المجلس الاستشارى بحزب التجمع، يرفض إعادة تدوير مصطلح «الأحزاب الكرتونية»، الأكثر شيوعا عن الأحزاب المصرية قبل ثورة يناير، وإن كان يقر بأنها ليست بخير فى الوقت الحالى، إلا أنه حمل الحكومة وحدها مسؤولية الوضع الحالى، واصفا أنها أضعف ما يكون. السعيد صنف ل«الشروق»، الأحزاب إلى نوعين، الأول هو الحزب الفقير الذى لا يملك أموالاً تغطى نفقات ومشروعات الحزب، أما النوع الثانى فهو من أصحاب النفوذ ويتحكم فيه أصحاب رأس المال كما هو الحال فى الأحزاب الليبرالية. السعيد اتهم الحكومة بأنها لا تدعم الأحزاب التى لا تملك أموالا، إنما تهمشها من المسار السياسى لصالح أحزاب المستثمرين، مطالبا الحكومة بدعم الأحزاب أسوة بكل أنظمة العالم، لأن الأحزاب جزءُ من النظام السياسى. وتابع: «فى مصر فقط يظنون أن الأحزاب تقوم بدور الحكومة، ويطالبونها بتغيير الواقع وتحسين الخدمات، فى حين أن الحكومة لا تصغى إلا لمن تحب أن تصغى له». المصطلحات الشائعة بين الأحزاب اليسارية، مثل «فقر التمويل»، و«دعم الدولة»، تبدو غير مقنعة للأحزاب الليبرالية، التى يقودها رجال أعمال، مثل حزب المصريين الأحرار، الذى أسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس بعد ثورة 25 يناير، وهو ما يؤكده القيادى بالحزب محمود العلايلى بقوله غالبية الأحزاب تشكو من التمويل لأن أفكارها غير مقنعة، ولا يجدون ممولين لأفكارهم». وعن الاتهامات المتبادلة بين الحكومة والأحزاب، يعلق العلايلى: «موجة جديد يروجها الإعلام، والأحزاب غير مطالبة بالدفاع عن نفسها»، مؤكدا أن الحكم على الأحزاب بقوتها أو ضعفها يقاس بوجودها تحت قبة البرلمان، وهذا يخضع لاختيارات المواطنين»، مضيفا أنه يطالب البرلمان المقبل بتشريع قوانين جديدة لإلزام الدولة برعاية ودعم الأحزاب، لتعزيز قيمة العمل السياسى. العلايلى يرى أن المسئول عن ضعف الأحزاب فى مصر، هو النظام الشمولى المباشر، الذى أسسه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى فترة الستينيات، وما أعقبه من أنظمة شمولية غير مباشرة، مثل نظامى السادات وحسنى مبارك، وصولًا إلى الفترات الانتقالية، التى تعيشها مصر بعد ثورة 25 يناير. يحيى قدرى، نائب رئيس حزب الحركة الوطنية، هاجم ما سماه «بحملة ممنهجة للحط من قدر الأحزاب السياسية»، التى وصفها ب«بوابة العمل السياسى». وقال قدرى إن أمانات الأحزاب بالمحافظات «موجودة فى الشارع لكن الناس لا تقبل عليها، ويعتقدون أن بإمكانهم ممارسة السياسة من الشارع، ويتصوّر بعضهم أن السياسة هى المظاهرات فقط». نائب رئيس «الحركة الوطنية» رفض دعم الدولة للأحزاب ماديا، بقوله الحزب غير القادر على الإنفاق يحّل نفسه، وينضم لحزب آخر. وعن مصادر تمويل حزبه، أكد قدرى إنه مرتبط باشتراكات الأعضاء التى لا تزيد على عشرة جنيهات تحصل من نحو نصف مليون عضو، إلى جانب تبرعات ضئيلة من بعض الأعضاء. الحكومة لم تمنع أحدا من ممارسة السياسة، ومن يدعى وجود قوانين مقيدة يدلنا عليها، هكذا علق الدكتور صلاح فوزى، عضو لجنة الإصلاح التشريعى، المنبثقة عن وزارة العدالة الانتقالية، على انتقادات الأحزاب لحكومة محلب، وما وُصف بمحاولات «إغلاق المجال العام»، مستنكرا ما يردده قادة الأحزاب: «يسألون هم عن تصريحاتهم». وتعجب فوزى فى تصريحاته ل«الشروق»، من اتهام الحكومة بعدم دعم الأحزاب، على غرار الأنظمة السياسية فى معظم دول العالم، قائلاً: «الدول لا تدعم الأحزاب، لأنها من تقدم البرامج والسياسات البديلة وليس الحكومة»، مطالبا الأحزاب بعرض برامجهم على أرض الواقع حتى يقتنع المواطن بها. وفيما يتعلق بالقوانين المنظمة للانتخابات، التى كانت السبب الرئيسى فى تعميق الأزمة بين الحكومة والأحزاب، أكد فوزى أن نصوص الدستور تقول إن النظام المصرى قائم على التعديد السياسية والحزبية، وفى مصر الحزبيون أقل بكثير ممن يمارسون السياسة، موضحا: البعد القانونى يغيب عن ثقافة الحزبيين، وعليهم ألا يتحدثوا عن المسائل غير القانونية». الدكتور وحيد عبدالمجيد، الخبير السياسى، حمل القيادة السياسية، المسئولية الرئيسية فى «موت السياسة»، لأنها أغلقت المجال العام أمام جميع الأحزاب السياسية، ليتحول نشاط الأحزاب من المنافسة على المجال العام إلى الصراعات الداخلية، كما كان الحال فى فترات انتكاسة الأحزاب السياسية قبل ثورة 25 يناير. وأضاف عبدالمجيد ل«الشروق»: الأحزاب نشطت فى الفترة التى تلت ثورة 25 يناير، نظرا لحالة السيولة التى كانت السمة الغالبة فى المرحلة الانتقالية، ولكن مع تلاشى ذلك، تزايدت القيود على الأحزاب، فى ظل عم وجود نخبة ناضجة لأنها لم تختبر نفسها فى العمل. وطالب عبدالمجيد، الأحزاب السياسية، باستغلال فترة توقف السياسة فى إعادة بناء الأحزاب وتوجيه الطاقات للبناء الداخلى، وعدم الالتفات إلى المشاركة على مقاعد محدودة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، كى تستطيع الأحزاب أن تنهض مجددا.