إن كان الرئيس الأمريكى باراك أوباما بمهارة الحواة، فإن مؤتمره الذى دعا إليه قادة دول الخليج العرب، قد لا يطيب الخواطر ويهدئ الغضب من اتفاق البرنامج النووى الإيرانى، وحسب، بل يتجاوزه ليفتح صفحة جديدة إيجابية فى تاريخ المنطقة. إنما المهمة من الضخامة والصعوبة والتعقيد بما يدفعنا للتشكيك. وفى جميع الأحوال تبقى القمة خطوة جيدة من أوباما، بعد سلسلة من الخطوات السلبية التى يعتقد الخليجيون أنه ارتكبها ضدهم، فى إطار مفاوضاته مع النظام الإيرانى، دون مراعاة للمخاطر الهائلة التى قد يتسبب فيها الاتفاق على دول المنطقة. وفى رأى أحد الكتّاب المدافعين عن سياسة الانفتاح الأوبامية، يقول إن سياسة الرئيس إنهاء الملفات القديمة ليست خاصة بإيران، بدليل أنه انفتح على كوبا بعد قطيعة نصف قرن، ودون أن يملى شروطا على هافانا. والحقيقة أنها مقارنة خاطئة بين إيرانوكوبا؛فإيران بكتيريا سلبية نشطة، أما كوبا فهى بكتيريا ميتة لم تعد تمثل خطرا على أحد. آيديولوجيا النظام الدينى فى طهران تقوم على التغيير والهيمنة، وهى طرف فى العنف فى العراق، وسوريا، ولبنان، والبحرين، وغزة، واليمن، والسودان، ووسط أفريقيا، وبلغت نشاطاتها جنوب شرقى آسيا، وكان لها يد فى تفجيرات فى الأرجنتين! أما كوبا، فقد توقفت نشاطاتها العسكرية والسياسية العدائية منذ بداية الألفية، أى منذ عقد ونصف العقد. وصعوبة لقاء كامب ديفيد تكمن فى جانبى النوايا والقضايا؛ فالخليجيون يخشون أن الاتفاق الوشيك يقلم أظافر إيران نوويا، لكنه سيترك لها باب القفص مفتوحا لتعيث فى المنطقة، وتهدد وجودهم! وإذا كان عراب الاتفاق الأمريكى يريد طمأنة الجميع، فإنه سيسمع عن قائمة طويلة من القضايا المرتبطة بإيران. لها تدخلات عسكرية مباشرة فى سورياوالعراق، وغير مباشرة فى اليمن ولبنان والبحرين وغزة وغيرها. وهناك احتمالات صدام معها كثيرة فى البر والبحر نتيجة الفراغ المحتمل بعد توقيع الاتفاق النووى، إن قلصت الولاياتالمتحدة وجودها العسكرى، أو قررت البقاء على الحياد. وبالتالى يمثل الاتفاق المزمع توقيعه أكبر خطر على دول المنطقة، وليس مصدرا للأمن والاستقرار، كما يقول البيت الأبيض. الأمر الإيجابى أن الرئيس الأمريكى قرّر مواجهة هذه المخاوف والاعتراضات فى منتجع كامب ديفيد، حتى يسمع قادة الخليج العرب من فم الحصان مباشرة إجاباته حول طبيعة الاتفاق الغامض مع إيران، وانعكاساته عليهم، الذى يخشى منه، ومن فكرة قمة كامب ديفيد تحديدا، أن تكون مجرد حملة علاقات عامة يريد منها أوباما تسويق مشروعه دون تقديم التزامات حقيقية تجيب عن التحديات الخطيرة التى سيخلفها الاتفاق الغربى الإيرانى. فما الالتزامات التى يمكن للحكومة الأمريكية تقديمها بمشاركة الدول الغربية الأخرى، لضمان أمن منطقة الخليج واستقرارها؟ الحقيقة لن تكفى مبيعات السلاح، ولا الدرع الصاروخية المقترحة، بل الأهم منها انتزاع التزام صريح يرسم خطا فى الرمل والبحر ضد أى هجوم إيرانى، أو حليف لها، على دول الخليج. فمثل هذا الاتفاق نجح فى العقود الخمسة الماضية فى جعل منطقة الخليج مستقرة، إلا من حرب واحدة، عندما غزا صدام الكويت. وبسبب الوجود والالتزام الأمريكى لم تتجرأ إيران على عبور مياه الخليج إلى الضفة الأخرى بشكل جاد. الالتزام ليس مفيدا لاستقرار الخليج، وضمان إمدادات النفط للأسواق العالمية، فقط، بل مهم لإيران نفسها التى تعيش تنازعا داخليا بين مؤسساتها وقياداتها. فى إيران جناحان؛ متشدد يؤمن بالتوسع والهيمنة خارجيا، وآخر يريد الالتفات إلى الإصلاح الداخلى والانتهاء من المغامرات الخارجية. الموقف الأمريكى القوى ضد استغلال إيران للاتفاق النووى بالالتزام بأمن منطقة الخليج سيعزز من موقف القيادات الإيرانية المعتدلة، وسيدفع إيران نحو التصالح والمنطقة إلى الاستقرار. الشرق الأوسط – لندن عبدالرحمن الراشد