رأى خبراء أن شراء الهند 36 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز "رافال" في صفقة قيمتها مليارات الدولارات، ستعزز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين اللذين يسعيان إلى إنعاش اقتصادهما. وصرح رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي، في أول زيارة له إلى باريس، الجمعة، أنه طلب شراء 36 طائرة (رافال) "جاهزة للتحليق"، في إطار مساعيه لتحديث أسطول بلاده القديم من الطائرات الحربية. ووضعت الصفقة حدًا للتكهنات بشأن مصير الصفقة التي وقعت أول مرة في العام 2012، إلا أنها تعثرت بسبب مسألة السعر وإصرار نيودلهي على تجميع جزء من الطائرات البالغة التطور في الهند. كما تأتي وسط مساعي "مودي" جذب اهتمام المستثمرين خلال أول زيارة له إلى أوروبا، حيث يسعى إلى تصحيح سمعة الهند على أنها مكان يصعب الاستثمار فيه. وصرح مرينال سومانت الجنرال المتقاعد في الجيش وخبير المشتريات، لوكالة فرانس برس، "أن مثل هذه الصفقات الكبيرة ليست تجارية بحتة، فهي جزء من استراتيجية أكبر للحكومة". وقال إن ذلك "قرار يعتمد على المصالح الجيوسياسية والاستراتيجية للبلدين". وتقوم الهند، التي تعتبر أكبر مشترٍ في العالم لمعدات الدفاع، حاليًا بتحديث معداتها العسكرية التي تعود إلى الحقبة السوفياتية لمواجهة جارتيها الصين وباكستان. وتحاول العديد من الدول الغربية التقرب من الهند للحصول على عقود لبيعها معدات عسكرية بمبالغ طائلة أثناء قيامها بجولة لشراء الأسلحة. ولكن الفوز بهذه الصفقة مهم بشكل خاص لفرنسا، التي تعاني من نمو اقتصادي ضعيف للغاية، وارتفاع كبير في نسبة البطالة، وديون متراكمة هائلة. ويتوقع أن تعود الصفقة الجديدة على شركة "داسو" المصنعة لطائرات "رافال" بأكثر من خمسة مليارات يورو (5,3 مليار دولار) في أكبر طلبية عالمية تتلقاها لشراء هذه الطائرات. وربما الأهم من هذا، هو الصفقة التي يتوقع أن تقوم بموجبها شركة "إريفا" الفرنسية النووية العملاقة ببناء ستة مفاعلات نووية في ولاية ماهاراشترا الهندية، في اتفاق ينتظر المصادقة عليه بعد خمس سنوات من اتفاق ثنائي بشأن المفاعلات النووية المدنية. وأعرب الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند، عن "سروره البالغ" بصفقة بيع الطائرات، وقال إنها ستنقل الشراكة بين البلدين إلى "مرحلة جديدة". وقال سومانت، إن "الطائرات تحمل الآن ضمانة سيادية محددة؛ وهو الأمر المطمئن للغاية للهند". وأضاف أن "الصفقة ستسهم بشكل كبير في تقوية العلاقات بين البلدين، وستمتد إيجابياتها إلى القطاعات الأخرى". واشتمل العقد الأصلي، الذي لا يزال قيد التفاوض وتقدر قيمته الآن بنحو 20 مليار دولار، على شراء 18 طائرة مقاتلة جاهزة للتحليق، و108 طائرات ستقوم شركة "هندستان ايرونوتيكس" الهندية بتجهيزها. وقال إمبر دوبي خبير الدفاع في مجموعة "كي بي إم جي" العالمية للاستشارات، إن "النوايا الحسنة الناجمة عن صفقة طائرات (رافال) يمكن أن تستخدم لتسوية مسائل عالقة في صفقات أكبر بشكل مربح للجانبين". وقال إنها يمكن أن توفر أداة تفاوض في المفاوضات المستقبلية وسط مساعي مودي، الذي جاء إلى السلطة في مايو الماضي بعد تعهداته بتطبيق إصلاحات اقتصادية، لتسريع جهوده لتحويل الهند إلى مركز للتصنيع والاستثمار. ونقلت صحيفة "منت" عن دوبي، قوله إن "الحكومة الهندية يمكنها أن تتوقع كذلك بادرة تقدمها الحكومة الفرنسية بشأن مبادرة (يصنع في الهند) تتخطى صفقة رافال". ورغم أن مودي تعهد بالمضي قدمًا في شراء المعدات العسكرية من السوق العالمي، والذي توقف في ظل الحكومات السابقة، إلا أنه وعد بأن يعود تطوير الجيش الهندي بالفائدة على صناعات الدفاع المحلية. ويريد رئيس الوزراء أن تشكل المعدات العسكرية المصنوعة محليًا 70% من ميزانية الشراء خلال خمس سنوات، بارتفاع عن نسبة 40% الحالية بموجب مبادرة "يصنع في الهند". ورغم أن تفاصيل صفقة الطائرات الجديدة لا تزال غير واضحة، إلا أن الإعلام المحلي قال إنها تشتمل على مذكرة تفاهم حول إنتاج دفاعي مشترك في الهند. وذكرت صحيفة "تايمز أوف إنديا"، أن "الصفقة المعدلة يمكن أن تضخ 2,3 مليار دولار على الأقل في قطاع تصنيع معدات الدفاع في الهند"، مضيفة أنها يمكن أن توفر للشركات الهندية "عقودًا مربحة لصيانة الطائرات". وأشاد محلل الدفاع راهول بيدي، بالخطوة "الذكية" بشراء الطائرات مباشرة من فرنسا، وتجاوز الوسطاء التجاريين. وصرح بيدي، المحلل في صحيفة "آي إتش إس جينز للدفاع" لوكالة فرانس برس، أن "مودي تمكن من التركيز على ضرورة أن تكون الطائرات جاهزة للتحليق، وفي الوقت ذاته ضمان عدم التفريط ببرنامج (يصنع في الهند)".