يعتبر خبراء، أن الاتفاق الإطاري الذي توصلت إليه الدول الكبرى وطهران حول البرنامج النووي الإيراني، في لوزان أمس الخميس، هو "ثمرة السياسة البراجماتية" التي اعتمدها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، على حساب سياسة التشدد والمخاطرة بإشعال نزاع مع الغرب. وموافقة المرشد الأعلى، صاحب الكلمة الفصل في كل الملفات الاستراتيجية في الجمهورية الإسلامية، على بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه في المدينة السويسرية بين مجموعة 5+1 (الولاياتالمتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا إضافة إلى ألمانيا) وإيران، كانت إحدى أبرز علامات الاستفهام التي طرحت خلال الأشهر ال18 من المفاوضات المكثفة بين الطرفين. وخامنئي، المعروف بحذره الشديد إزاء واشنطن وحلفائها، سبق له وأن أكد أنه لا يعتقد بأن المفاوضات ستفضي إلى نتيجة إيجابية تنهي الأزمة الدبلوماسية المستمرة منذ 12 عاما بشأن البرنامج النووي لبلاده. لكن "المعايير الأساسية" للاتفاق الذي تم التوصل إليه في لوزان، تؤكد أن المرشد الأعلى يرغب في التوصل إلى اتفاق نهائي يفترض أن يبرم بحلول نهاية يونيو. وبحسب الخبير الإيراني أمير مهيبيان المقيم في طهران والمقرب من دوائر السلطة، فإن هذا الاتفاق النهائي يجب أن يحقق هدفين سبق للمرشد الأعلى أن حددهما هما رفع العقوبات الدولية المفروضة على بلاده منذ العام 2006، والحفاظ على البرنامج النووي الإيراني حتى وإن تم تقييده ووضعه تحت مراقبة صارمة. وقال: "هذه كانت خطة المرشد الأعلى. كان من المهم أن نبرهن للعالم أن بإمكاننا إحراز إنجازات علمية على الرغم من الضغوط، لكن كان مهما أيضا التوصل إلى رفع العقوبات". وأضاف مهيبيان، أن خامنئي (75 عاما) "يريد حل هذه المسألة من أجل مستقبل البلد والمنطقة". ولم تنجح التهديدات الأمريكية والإسرائيلية بشن هجوم عسكري على إيران في ردع الأخيرة عن مواصلة برنامجها النووي. وبلغت الأزمة أوجها بين العامين 2010 و2012 مع اغتيال أربعة علماء إيرانيين وتوجيه طهران أصابع الاتهام في ذلك إلى إسرائيل والغرب. ولكن بالنسبة إلى المرشد الأعلى والرأي العام المؤيد له، فإن سقوط هؤلاء "الشهداء" والعزلة الدبلوماسية التي عانت منها إيران واستفحال الأزمة الاقتصادية فيها بسبب تشديد العقوبات الدولية عليها، عوامل جعلت عملية التخلي عن البرنامج النووي أمرا مستحيلا سياسيا. أما سيافوش راندجبار-دايمي المتخصص في الشؤون الإيرانية في جامعة مانشستر، يرى أن رفع العقوبات مسألة غاية في الأهمية بالنسبة إلى النظام الإيراني، الذي لطالما وصف هذه الإجراءات بغير القانونية وغير الأخلاقية. وقال إن "عقوبات الأممالمتحدة ربطت على الدوام بالأنشطة غير الشرعية لدولة عضو"، مشددا على الجهود التي بذلتها إيران للإقرار بمسؤولية صدام حسين عن اندلاع الحرب الإيرانية - العراقية (1980-1988). وشكل انتخاب الرئيس المعتدل حسن روحاني في يونيو 2013، أحد العوامل الرئيسية لاستئناف المفاوضات رسميا، لا سيما وأنه طوى صفحة الخطاب المتشدد الذي دأب عليه سلفه محمود أحمدي نجاد، الذي تولى الرئاسة لولايتين متتاليتين (2005-2013) كانت سمتهما الرئيسية المواجهة مع الغرب. وفي 21 مارس، أرسل المرشد الأعلى إشارة دعم أخرى لروحاني بدعوته الإيرانيين جميعا إلى دعم الحكومة، حتى اولئك الذين يعارضونها. ومن شأن التوصل إلى اتفاق نهائي، أن يعزز رصيد روحاني قبل الانتخابات المقررة في 2016، والتي سيحاول خلالها حلفاؤه الإصلاحيون استعادة السيطرة على البرلمان من أيدي المحافظين. وبحسب داوود هيرميداس-بافاند السياسي الإيراني المخضرم والأستاذ في جامعة طهران، فإن خامنئي "سيكون صاحب الفضل" في حل إحدى أسوأ الأزمات الدبلوماسية التي عاشتها إيران، وفي إيجاد الظروف لتعزيز موقعها في المنطقة.