فى البيت وبالصالة الضيقة يجلس على مكتب صغير منذ ان دخلوا اليه، كبرواحتى الشيب وهو مكانه ربما اصابه العمر، وضاعت بعض موجاته.. لاحظوا عليه ذلك منذ مدة أخذوه لطبيب لم يستطع أن يداويه، فبحثوا عند آخر دون جدوى حتى اتأكدوا أنه الزهايمر.. عادوا به دون أن يخبروه، واعتادوا نوبات غضبه ونسيانه.. إذ ربما يصمت فجأة أو يرفع صوته مباغتهما فينفعلان عليه إذ هما أيضا معتلا القلب فالزوج فى أخر العام الماضى منعه المرض من ارتياد متعته الوحيدة بعد المعاش «القهوة «فأعتنق الصمت حتى لم يعد لديه متسعا لاحد فأقبل على صديقه القديم، ليسمعه حكايات بطول العمر عن اول مرة زارهم منذ 40عاما مع أبيه، كان يومها أسود لامعا بمفتاحين فى الخلف وأربع دوائر صغيرة مفتوحة على الدنيا، ومن يومها وهو معه فى الصبح قبل الخروج للعمل يسمع أخبار البى بى سى وبالليل فى حصاد اليوم الإخبارى وخناقات أولاده زمان فهذه تريد ثومه والأخرى تريد مباراة الدورى العام وترتيب جدول المسابقة، حتى الزوجة كان الرفيق «الى ربات البيوت بصوت صفية المهندس وحواديت ابلة فضيلة وعيلة مرزوق، والليل حين يأتى تذكر حين قدموا لهذا الحى كان جديدا لايقيم به سوى عمارتين فحسب والفضاء حولهما ولا احد سواه يبهج السمر، كيف بدون إنذار يمرض؟ يبتسم الزوج وينظر إليه مسترجعا ومضات فرحة وحزينة مرت ويبتسم «أتراه نسانى! كيف؟ والسهر الذى بينناحتى عندما حاول الصغار اللحاق بالمدنية، وأتوا بآخر يؤنس مراهقتهم لم يتخل عنه.. بالامس اخبرته زوجته ان المرض استفحل فبعد أن فقد دائرتيه الصغرتين، فقد مؤشر الموجات فتاهت، لم يعد هناك سوى مفتاح وحيد لا يعطى سوى إذاعتين البى بى سى والاغانى واليوم غابتا.. قال لزوجته: الحمد لله.. وحين أتى المساء دعاها لشاى فى البلكونة المطلة على القهوة وفجأة خرج الصديق عن صمته مدندنا «وهل الفجر بعد الهجر.. بنوره الورد بيصبح».