«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالصور.. «الشروق» تخترق أسوار دير «الأنبا مكاريوس» بحثًا عن الآثار مع الرهبان

- الكنيسة انسحبت من الصراع على أرض «وادى الريان» بالفيوم وتركت المواجهة للحكومة
- رئيس هيئة الآثار الإسلامية والقبطية: الدير ملىء بالآثار ويضم 19 نقطة أثرية
- الجيوشى: مؤسسات الدولة لا تتعامل مع موقف الرهبان والمفاوضات مع بطريرك الكنيسة
- الأنبا إبرام: فى حال إثبات أثرية الدير ستخرج الكنيسة من الأزمة وتتولى «الآثار» الملف
- البيئة: دمروا الحياة الطبيعية فى الدير واستولوا على المحمية.. والرهبان: حافظنا عليه
«هنا فى الدير آيات تعزينى وأمثال.. هنا لا ترهب الرهبان قضبان وأغلال»... لم يكن يعلم البابا شنودة الثالث، بابا الأقباط الأرثوذكس الراحل وهو يكتب تلك الكلمات فى قصيدته «غريبا عشت فى الدنيا»، واصفا حياة الدير بأن الهدوء سيرحل معه، لتصبح الأديرة مجالا للنزاع مع الدولة حول الأراضى.
قضى رهبان دير الأنبا «مكاريوس» بوادى الريان فى الفيوم شهورا وأياما فى قلق وترقب، فى انتظار قرار هدم جزء من الدير، وسط أزمة تتصاعد يوما بعد يوم بين الدولة ممثلة فى وزارة النقل والكنيسة من جهة وبين الرهبان من جهة أخرى.
فى معركة «الدير والدولة» يرفض البابا تواضروس الثانى أن يتهم أحد الكنيسة بتعطيل مسيرة التنمية، ووافق على مرور الطريق عبر الدير، ولأول مرة تصدر الكنيسة الأرثوذكسية بيانا وصفه الكثير بالأعنف منذ جلوس البابا الحالى على الكرسى المرقسى، ضد رهبان دير الأنبا مكاريوس.
وأعلنت الكنيسة التبرؤ من الرهبان ووصفتهم بمنتحلى صفة الرهبان، ومنحت الدولة الحق فى أن تتخذ ما تراه لتنفيذ الطريق، وقررت شلح 6 رهبان ومسئول الدير، وأعلنت أسماءهم.
أزمة «دير مكاريوس» بدأت عندما أصدرت وزارة النقل، قرارا فى سبتمبر الماضى، بإنشاء مشروع طريق برى سريع للسيارات يربط جنوب الفيوم بالواحات غرب مصر، ضمن مخطط لإنشاء 15 طريقا تربط محافظات مصر ببعضها، لكن رهبان الدير اعتبروا أن الطريق المزمع إنشاؤه يشق الدير، لأنه يتطلب هدم السور، والمرور بين 3 مزارع تابعة له، ومواقع أثرية قبطية.
وفى تلك الأزمة ترغب الكنيسة الأرثوذكسية ممثلة فى البابا تواضروس، فى تنفيذ مشروع الطريق، حتى لا تتهم بتعطيل مشروعات التنمية، لذلك واجهت الرهبان، الذين يحاولون إثبات أثرية الدير وأن محيطه ملىء بالمغارات والمعابد الأثرية، وبذلك منع مرور الطريق حرصا على الآثار.
الآثار هى الحل
يسير فى الصحراء غير مكترث بحرارة الشمس أو العواصف الرملية، باحثا عن آثار.. هو لا يتاجر فيها ولا يهربها ولا من هواة التنقيب والبحث عن القطع الآثرية، بل يحسب الساعات والأيام لينجح فى مهمته ويعود إلى مغارته يمارس طقوس الرهبنة والوحدة، مثلما كان يفعل قبل الخروج من المغارة ليسكن بالقرب من الدير حتى ينفذ مهمته.
«أثناثيوس».. الراهب الثلاثينى المتخصص فى علوم التاريخ والآثار، يشعر بثقل المسئولية فرهبان دير الأنبا مكاريوس بوادى الريان، يعتمدون عليه فى البحث عن الآثار ومهمة التواصل مع الجهات المعنية، لإثبات أن الدير ومحيطه أثرى، وبالتالى يمنع مرور الطريق الدولى عبر الدير وهدم أسواره.
وعلى الرغم من رحيل العمال وتراجع الدولة عن هدم سور الدير«مؤقتا»، فإنه لايزال الرهبان يعشيون حالة من القلق بعد اعتبار البابا تواضروس اعتصامهم تحديا له شخصيا، ومنحهم فرصة أسبوعا للخروج من الأزمة، فضلا عن الاتهامات التى وجهت لرهبان الدير بالحصول على مساحات شاسعة من الصحراء، دون وجه حق والنزاع مع وزارة البيئة لوجود الدير فى محمية وادى الريان، فأصبح الطريق الوحيد للخروج من الأزمة هو إقناع الدولة والكنيسة بعدم هدم الدير لوجود آثار حوله، ومن هنا بدأ الرهبان طريقهم للحفاظ على ديرهم.
كسر«أثناثيوس الريانى السكندرى»، الذى تبرأت منه الكنيسة فى بيانها الأخير مع 5 غيره، ووصفته بمنتحل شخصية راهب، حالة الصمت التى سيطرت على الرهبان، خصوصا بعد قرار لجنة شئون الرهبان بالمجمع المقدس فى نوفمبر الماضى بإعفاء الراهب إليشع المقارى، رئيس دير الأنبا مكاريوس السكندرى والأب الروحى للدير من مسئولياته، و«تبرؤ» الكنيسة المصرية من الأنبا داود المتحدث باسم الدير، لمخالفته نظام الرهبنة بالكنيسة، وكذلك يعقوب الريانى وعدم اعتراف الكنيسة بهم كرهبان، بفكرة البحث عن الآثار.
الراهب المتخصص فى علوم الآثار رافق «الشروق» فى جولتها بالدير، على الرغم من مخاوفه من أن يكون مصيره مثل الرهبان المغضوب عليهم من الكنيسة، ويأمل فى إقناع الدولة بأن ديره أثرى، ولا يصح تنفيذ مشروع فى محيطه.
بدأت الجولة من أعلى الجبل حيث توجد مغارة لراهب يدعى الأب سرور، يعود تاريخها إلى القرن الثانى عشر الميلادى، وعلى جدران المغارة نحت الأب سرور قصة حياته فى رسومات وهو يصلى، ورسم نفسه وهو فى لحظة الموت، وكتب باللغة القبطية «الأب سرور وأخينا بيكتور يارب باركهم».
وأمام المغارة الأثرية يفتخر أثناثيوس بأن رهبان الدير مازالوا على نهج الرهبان الأوائل، مثل الأب سرور صاحب المغارة، مؤكدا أن حلم أى راهب أن يعيش فى برية دير الأنبا مكاريوس.
ويشرح أثناثيوس نظام الرهبنة فى الدير قائلا: عرفت مصر الرهبنة على يد القديس الأنبا أنطونيوس فى القرن الثالث الميلادى، واتخذت شكلا يميل للتوحد فلجأ الرهبان إلى الصحراء بعيدا عن البشر، متوحدين مع صلواتهم، إلى أن جاء القديس الأنبا باخميوس (أب الشركة)، وأدخل نظاما جديدا على الرهبنة وهو حياة الشركة، فأصبح الرهبان يجتمعون فى مكان واحد وهو الدير، ويشتركون فى الصلوات والعبادة، ومن يرغب فى التوحد لابد أن يمر عليه سنوات فى الرهبنة داخل الدير، وبإمكانه بعد موافقة رئيس الدير التوحد فى الصحراء وهجرة ديره، هكذا صار نظام الرهبنة فى مصر.
لكن دير الأنبا مكاريوس بوادى الريان خرج عن القاعدة، وجمع بين التوحد والشركة معا، فهجر رهبانه القلالى «أماكن سكن الرهبان»، وحفروا مغارات فى الجبل ليسكنوا فيها، وكلما زاد البعد بين المغارة والأخرى زادت الروحانية فى منظورهم، لكنهم لم يتخلوا عن حياة الشركة فيجتمعون فى القداسات والصلوات.
حماس «أثناثيوس الريانى» يجعله ينسى مشقة الطريق، وعزيمته تقنعك بمرافقته إلى مغارة أثرية أخرى على الرغم من بعد المسافة، وبعد ساعة من تسلق الجبل والسير على آثار الأقدام حتى لا تضل الطريق، تجد مغارة قديمة تعود للقرن الرابع الميلادى منحوتا على جدرانها صلبان باللون الأحمر، يقول أثناثيوس: «إن المغارات الأثرية لا يهددها مشروع الطرق فقط لكن تهددها الرمال التى تردمها فى ساعات معدودة».
واصطحبنا الراهب «أثناثيوس» إلى مكان آخر، وهو يستغل أى فرصة ليحكى عن تعاليم مرشده الروحى «الأب اليشع»، ليهون مشقة الطريق، فيقول: «الأب اليشع رمز للدير علمنا أن الطاعة يجب أن تقترن بالتفكير وليست عمياء، ودائما ينبهنا بالابتعاد عن السياسة ورفض أى منصب كهنوتى والاستمرار فى حياة الرهبنة والبعد عن البشر».
وفى الطريق إلى الأثر الثالث وهو معبد فرعونى، تحاصرك الرمال والصخور التى تملأ محيط الدير، الذى تقدر مساحته بحسب ما ذكر رهبانه، ب13 ألف فدان، وبعد ساعات وصلنا للمعبد الفرعونى، الذى ردمته الرمال، ولم يظهر منه إلا سلم وممر يدل على وجود مكان تحت سطح الأرض.
ويؤكد أثناثيوس أثناء شرحه لتاريخ المعبد أن إصرارهم على اعتراف الآثار بالدير جاء لعدة أسباب، منها وقف الطريق أو إيجاد مسار بديل له لا يلحق الضرر بالدير، والحفاظ على الآثار القبطية، مضيفا: الرهبان يخوضون معركة اعتراف الآثار بوجود مواقع أثرية فى الدير، على الرغم من علمهم بأن اعتراف الآثار سيسحب منهم حرية التصرف فى أراضى الدير، لأنها ستذهب تلقائيا لملكية وزارة الآثار وستمنح الوزارة للرهبان فقط حق الانتفاع بأراضى الدير والاكتفاء بما زرعوه وبنوه وفقا لقانون الآثار، دون تدخل أو بناء أو حفر فى محيط الدير، لأنها منطقة أثرية فى حال اعتراف الدولة بذلك.
نجح أثناثيوس الراهب فى إقناع هيئة الآثار بوجود مناطق أثرية قبطية وفرعونية، وبالفعل عاينت لجنة أثرية شكلتها وزارة الآثار، وأقرت فى تقرير منذ أسبوعين حصلت «الشروق» على نسخة منه – بأن الدير ملىء بالآثار، ويحتوى على 19 نقطة أثرية حتى الآن.
ويؤكد الدكتور محمد عبداللطيف رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية ل«الشروق» أن اللجنة عاينت الدير ووضعت تقريرا استشاريا سيعرض على اللجنة الدائمة التى ستنعقد خلال أسبوع، ومن حق اللجنة الدائمة أن تقبل أو ترفض التقرير أو تأخذ ببعض منه، لكن المؤكد أن هناك قرارا بشأن دير الأنبا مكاريوس قريبا.
أزمة الطريق الدولى على مكتب البطريرك
«ملف دير الأنبا مكاريوس بوادى الريان على مكتب البابا تواضروس الثانى».. هكذا قال الدكتور سعد الجيوشى رئيس هيئة الطرق والكبارى ل«الشروق»، مؤكدا أن «الدولة تتعامل وفقا لرؤية وموقف البابا تواضروس، وأن مؤسسات الدولة لا تتعامل إلا مع القيادات الدينية، فلا دخل للهيئة بموقف الرهبان أو اقتراحاتهم، فالمفاوضات مع بطريرك الكنيسة فقط.
بيان البطريرك ولجنة الإشراف على الدير وإعلان الكنيسة التبرؤ من الدير ورهبانه لأنهم خرجوا عن طاعة الكنيسة، التى هى من سمات الرهبنة، وضع الدير فى مواجهة الدولة، ممثلة فى هيئة الطرق والكبارى، التى وضعت لافتة تشير إلى أعمال الحفر، فى تلك المنطقة، بحسب تأكيد الراهب «أثناثيوس».
لكن رهبان الدير مازال لديهم أمل فى حل الأزمة، دون أن يتهمهم أحد بتعطيل مشاريع الدولة، فقدم الراهب أثناثيوس اقتراحين لإنشاء الطريق الدولى دون هدم سور الدير ومرور الطريق عبره وتدمير الآثار فيه، الاقتراح الأول هو مرور الطريق من قرية «قوتة» وهو أقل مسافة من المشروع الأساسى، والثانى: مرور الطريق عبر«مدق الجيش» وهو قاعدة جوية قديمة وممهدة.
معركة الدير مع«البيئة»
لا ينكر الرهبان أنهم لا يحملون أوراق ملكية أراضى الدير، لكنهم يفتخرون بأنهم نجحوا فى تعميره طوال 20 عاما، فأصبح لديهم 3 مزارع على مساحة 300 فدان لكن الطريق الدولى سيكون له تأثيره السلبى من وجهة نظرهم.
ولم تكن معركة الدير وهيئة الطرق والكبارى حول الطريق الدولى الأولى، لكن رهبان الدير خاضوا معركة مماثلة مع وزارة البيئة حيث طالب مدير الإدارة المركزية للمحميات الطبيعية، الدكتور محمد طلعت فى تصريحات صحفية له المسئولين باتخاذ الإجراءات القانونية ضد تعدى الرهبان على المحمية.
وأكد طلعت أن «المساحة التى استولى عليها الرهبان، بعد إنشاء سور الدير تبلغ 85 ألف فدان، وأنهم دمروا الحياة الطبيعية فيها، واقتلعوا الأشجار والنباتات، وغيروا معالمها تماما، بإنشاء الكثير من المبانى والكنائس إلى جانب إنشاء مخبز لإنتاج الخبز فيها ومزارع أخرى كثيرة».
وأضاف أن محمية «العيون» أهم منطقة داخل محمية وادى الريان، لاحتوائها على 4 عيون مياه طبيعية كبريتية تخرج من باطن الأرض، وتحتوى على نباتات وأعشاب مثل الغرقد، وتعيش فيها حيوانات نادرة مثل الغزال المصرى، والغزال الأبيض المهدد بالانقراض، وتحتوى أيضا على أنواع كثيرة من الطيور، ويعود تاريخها إلى عصور ما قبل الإنسان، حيث تعتبر امتدادا جغرافيا لمحمية وادى الحيتان المصنفة من منظمة اليونيسكو، منطقة تراث عالمى.
وأشار إلى صدور قرارات إزالة من الدولة للأعمال المخالفة، منها القراران رقم 765 ورقم 23 الصادرين من الرئيس التنفيذى لجهاز شئون البيئة، بالإضافة إلى تحرير محاضر ضد الرهبان فى مركز شرطة يوسف الصديق بتاريخ 21 نوفمبر 2011، كما تم تحرير محضر عام بجميع التعديات لقيام الرهبان بالتعدى على تجريف وتقليع نباتات الطبيعية ب«العيون».
ورد الراهب أثناسيوس على تصريحات مدير إدارة المحميات الطبيعية، بقوله إن الأزمة انتهت بشكل كبير من خلال بروتوكول واتفاقية بين وزارة البيئة والدير، تسمح لرهبانه بالإقامة فيه بشرط الالتزام بالضوابط البيئة والمحافظة على محمية وادى الريان التى يقع الدير فى فيها.
وأشار إلى أن الرهبان هم من حافظوا على آثار البرية، بعد إقامة سور الدير، حيث كانت الآثار تسرق من خلال أعمال الحفر والتنقيب، قبل إقامة السور، وفى أثناء مسئولية إدارة المحميات عن الأرض، مؤكدا أنه فى حال الاعتراف بوجود آثار فى محيط الدير فتتولى وزارة الآثار، ملف التفاوض مع وزارة البيئة حول النزاع على المحمية.
سنوات الجفاء بين الدير والبطريرك
البحث عن الوحدة الصارمة، ورهبنة القرون الأولى، والبعد عن رفاهية العالم، الذى هجره الرهبان والهروب من ضوضاء الحياة داخل مغارة منحوتة فى الجبل، هى الأهداف التى جذبت 240 راهبا، بينهم 118 طالب رهبنة، لم ترسمهم الكنيسة حتى الآن، على الرغم من مرور 5 سنوات على أغلبهم، بسبب حالة الجفاء بين الدير والكنيسة، كما عطلت المعارك التى خاضها الدير خطوات اعتراف الكنيسة به .
ويروى «أثناثيوس» ذكرياته مع الدير فى بدايات رهبنته، قائلا: «عندما طلبت الرهبنة طلب منى الأب اليشع أن أحفر مغارتى بنفسى، ولأنى قاهرى توقع الرهبان أنى سأحفر المغارة فى وقت لا يقل عن 3 سنين، لكنى نجحت بمشيئة الله أن أحفر المغارة، وأعدها للسكن خلال عام واحد».
لا يكتفى الرهبان فقط بحفر مغاراتهم، لكنهم يشاركوا العمال فى حفر الجبل، لبناء كنائس وقاعات اجتماعات.
رهبان دير الأنبا مكاريوس بوادى الريان، يسيرون على درب الأب متى المسكين، ويتبعون أفكاره وتعاليم الرهبنة وهجره السياسة ورفض المناصب الكنسية، ولأن المسكين رحل تاركا خلفه أفكاره وأعداءه وقد ورثهما تلاميذه، فأصبح دير الأنبا مكاريوس الريانى، برئاسة الأب الروحى له الأب اليشع، الذى أعاد الرهبنة فيه بعد توقفها عقب رحيل الأب متى المسكين منه، وذهابه إلى دير الأنبا مقار.
اختلاف نظام الرهبنة ورفض الرهبان اتباع أسلوب الطاعة دون تفكير، والمعارك التى خاضها الدير مع مؤسسات الدولة، وأيضا رسامة الرهبان على يد الأب اليشع، المتحدث باسم الدير على عكس الأسلوب المتبع، وهو الرسامة على يد أسقف، من أهم أسباب جفاء العلاقة بين الدير والمقر البابوى، وعدم الاعتراف الكنسى بالدير.
وظهر الصدام والمواجهة المباشرة مع البابا تواضروس بعد رفض الرهبان قراره بهدم سور الدير وشقه لمرور الطريق الدولى الذى تعتزم الدولة إنشاؤه، مما دفع الكنيسة بعد أسابيع من الواسطة أن تعلن تبرؤها من الدير وعدم اعترافها به على الرغم من قرار البابا تواضروس الصادر يوم 6 ديسمبر 2012، والذى أعلن فيه أن الدير أثرى وتم تغييره وتجديده، ويرأسه الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، والمسئول عن الدير فى المعاملات الرسمية الراهب اليشع المقارى المتحدث باسم الدير.
وبذلك وجد الرأى العام القبطى نفسه أمام بيانين، اعتبرهما الكثير متناقضين، الأول عام 2012 أعلنت فيه الكنيسة أن الدير أثرى ومنحت الأب اليشع مسئولية إدارته، والثانى الصادر قبل أيام باستبعاد اليشع وعدم الاعتراف بالدير.
لكن القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية، قال ل«الشروق» إنه بعد أسبوعين من تنصيب البابا تواضروس بابا الإسكندرية بطريركا على كرسى مار مرقس، جاء الأب اليشع المقارى إلى البابا ليستصدر خطابا يتيح له التعامل مع الجهات المختصة فى الدولة بشأن تجمع الرهبان، ومنحه البابا الخطاب.
وأضاف أنه «للاعتراف بالدير لابد من موافقة المجمع المقدس، وهذا لم يحدث مع وادى الريان».
قيادة رهبان دير الأنبا مكاريوس ليست بالأمر الهين، فعلى الرغم من تكليف الكنيسة للأنبا إبرام أسقف الفيوم والأنبا ارميا الأسقف العام والأنبا روفائيل سكرتير المجتمع المقدس بإدارة شئون الدير فإن الخلافات بين الرهبان والأنبا إبرام مستمرة، فالأخير يصر على الموافقة على مرور الطريق وهدم السور ويرفض اعتراض الرهبان، ويعتبر أفعالهم عدم طاعة وخرقا لأصول الرهبنة، التى تلزم الراهب الطاعة الكاملة لقيادته.
وفى آخر اجتماع بين وفد من رهبان دير الأنبا مكاريوس وأسقف الفيوم، يوم السبت الماضى، فوجئ الرهبان به يتصل بالبابا ويخبره بأن الرهبان وافقوا على هدم السور ومرور الطريق الدولى عبر الدير على عكس رغبتهم.
وعلى الرغم من إصرار ورفض الرهبان ذلك، وسعيهم فى اعتراف الآثار بالدير، والاتفاق مع نشطاء أثريين للدفاع عن الدير، وتحديد موعد لعقد مؤتمر بحضور أثرى، يؤكد الأنبا إبرام أسقف الفيوم ل«الشروق» أن الرهبان وافقوا على مرور الطريق عبر الدير، وتراجعوا عن موقفهم بشكل نهائى.
وأضاف أنه فى حال إثبات أن الدير أثرى فستخرج الكنيسة من الأزمة، وتتولى وزارة الآثار مسئولية الملف وتتعامل مع وزارة النقل.
وعلى الرغم من إعلان الأنبا إبرام موافقة الرهبان على مرور الطريق، فوجئ الجميع بمشاركته فى بيان التبرؤ من الدير ورهبانه.
الخلاف لم يتوقف عند الأنبا إبرام أسقف الفيوم فقط، لكنه امتد إلى البابا تواضروس الثانى، حيث لم يلتق رهبان الأنبا مكاريوس، فجميع لقاءاتهم مع سكرتيره القس أنجليوس أسحق، وفى آخر لقاء معه حدثت مشادة معه بسبب إصرار الرهبان على منع مرور الطريق عبر الدير، وانسحب عدد من الرهبان من الاجتماع، ليخرج الرهبان متوقعين قرار التبرؤ منهم فى أى وقت، وهو ما حدث ليصبح الدير فى مواجهة الدولة مباشرة بعد إعلان الكنيسة عدم مسئوليتها عن الدير.
واستقبل رهبان الدير، بيان الكنيسة الذى تبرأ منهم بصدمة، معلنين عقد مؤتمر صحفى بمشاركة أثريين لتوضيح أبعاد الأزمة والأهمية الأثرية للدير للرأى العام، لكن لم يحددوا موعدا المؤتمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.