النائبة هبة شاروبيم: هناك فجوة كبيرة بين واقع كليات التربية الحالية ومتطلبات إعداد المعلم    الدولار يلامس 51 جنيهاً في مصر مع تصاعد التوترات    "حياة كريمة" تقترب من إنجاز مرحلتها الأولى بتكلفة 350 مليار جنيه.. أكثر من 500 قرية تم تطويرها و18 مليون مستفيد    مصر تستهل قيادتها للاتحاد الدولي للغاز كنائب رئيس تمهيدا لرئاستها المقبلة فى 2028    وحدة السكان بالمنيا تنفذ 40 دورة تدريبية لتأهيل 4000 شاب وفتاة بقرى "حياة كريمة"    السيسي يوجه بتعزيز الانضباط المالي ومخصصات الحماية الاجتماعية    مياه سوهاج: تجديد شهادة الإدارة الفنية المستدامة ل3 محطات مياه شرب وصرف صحي    وزير الخارجية والهجرة يلتقي بمستشار الشئون الخارجية في بنجلاديش    منتخب مصر لكرة اليد للشباب يتأهل إلى الدور الرئيسي في بطولة العالم ببولندا    "زي النهاردة".. ليفربول يعلن التعاقد مع الملك المصري محمد صلاح    وزير التعليم: اتخاذ كافة الاجراءات بسرعة تجاه أي مخالفات يتم رصدها    حالة الطقس اليوم في السعودية.. أمطار رعدية وتقلبات بمكة والمدينة    تجديد حبس المتهمين باحتجاز أجنبي بسبب خلافات مالية بمدينة نصر    بالفيديو.. وزير الثقافة يدشن تمثال مجدي يعقوب: رمز للقيم ورسالة إلهام متجددة لأبناء الأجيال    منها «7 تماثيل لأبو الهول».. «سياحة الإسكندرية» تستعرض اكتشافات أثرية ب6 مواقع (صور)    تأجيل دعوى هيفاء وهبي ضد نقيب الموسيقيين إلى 10 يوليو للاطلاع    اتحاد الكرة يعلن.. اخطار كاف بالأندية الأربعة المشاركة في دوري الأبطال والكونفدرالية    ستونز: مررت ببعض اللحظات الصعبة بالموسم الماضي.. وأريد البقاء في مانشستر سيتي    رئيس بورتو البرتغالي يتوعد بالفوز على الأهلي    زلزال بقوة 5.2 درجة قرب جزر توكارا جنوب غربي اليابان    كورتوا: لا نلتفت للانتقادات وعلينا الفوز على باتشوكا لانتزاع الصدارة    أوبزرفر: خيارات إيران للرد على الضربات الأمريكية محدودة ومحفوفة بالمخاطر    وصول المتهمين الثلاثة بإنهاء حياة أدهم طالب كفر الشيخ للمحكمة استعدادًا لبدء جلسة محاكمتهم    إصابة عامل إثر انهيار عقار قديم في السيالة بالإسكندرية (صور)    3 طلاب يتسلقون طائرة هيكلية في الشرقية.. و«الداخلية» تكشف الملابسات (تفاصيل)    أمان القابضة تغلق الإصدار الثالث من سندات التوريق بقيمة 665.5 مليون جنيه    خبير صحراوي: لا تأثير سلبي لمنخفض القطارة على المياه الجوفية    تقارير: مدافع ليفربول يخضع للفحص الطبي في باير ليفركوزن    الليلة.. نانسي عجرم تغنى في موازين بعد غياب 7 سنوات    الحرس الثورى الإيرانى: الطائرات المشاركة بالهجوم على إيران تحت المراقبة    في ذكرى ميلاده.. عمرو الليثي يعرض أخر لقاء تلفزيوني أجراه أشرف عبدالغفور    وزير التعليم العالي يتفقد مركز أسوان للقلب ويشاهد إجراء عملية جراحية للقلب المفتوح من خارج غرفة العمليات    مصرع تاجر مخدرات وضبط آخرين لحيازتهم مواد ب50 مليون جنيه في أسوان    مصدر إيراني: نقلنا معظم اليورانيوم من منشأة «فوردو» إلى موقع آخر    الحرس الثوري الإيراني: القدرات الأساسية للقوات المسلحة لم يتم تفعيلها بعد    د.عبدالراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "15" .. التساؤلات العشر حول ناكر الجميل    عبد الحفيظ: الأهلي كان ممكن يرجع ب13 مليون دولار.. لا يليق أن نودع مونديال الأندية في المركز 27    بدون تكييف.. حيل ذكية لاستخدام المروحة لتبريد منزلك بكفاءة في الصيف    محافظ أسيوط يبحث آليات دعم المنظومة الصحية وتحسين مستوى الخدمات الطبية    إرهاصات أولى لحرب عالمية ثالثة.. محللة سياسية تكشف: الحرب مع إيران لم تكن مفاجئة    تداول حل امتحان اللغة العربية للثانوية العامة 2025 في جروبات الغش.. والتعليم تحقق    هيئة الرقابة النووية: مصر بعيدة عن أي تأثير لضرب المنشآت النووية الإيرانية    صور.. المركز الكاثوليكي المصري للسينما يكرم صناع مسلسل "لام شمسية"    «الرعاية الصحية»: إطلاق برنامج «عيشها بصحة» لتعزيز الوقاية ونمط الحياة الصحي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "130"    "الصحفيين" تطالب باجتماع عاجل مع "الأعلى للإعلام"    رئيس حزب المصريين الأحرار ل«روزاليوسف»: عصام خليل: نستعد للانتخابات بكوادر جديدة    هل يجوز إعطاء زكاة المال للأبناء؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 22-6-2025 في محافظة قنا    ثانوية عامة 2025.. أولياء الأمور يرافقون الطلاب لدعمهم أمام لجان الدقي    بعد آخر انخفاض.. سعر الذهب اليوم الأحد 22-6-2025 في مصر وعيار 21 الآن    أبرزهم زيزو.. محسن صالح منتقدًا ثلاثي الأهلي: «ليس لهم عنوان في القلعة الحمراء»    ترامب عن مهلة الأسبوعين لإيران: الوقت وحده هو الذي سيخبرنا    الجامع الأزهر يعقد ملتقى التفسير بعنوان"الهجرة بين الإعجاز البلاغي والعلمي"، اليوم    إيران: " فوردو" النووية لا تحتوي على مواد مشعة    صديقة طبيبة طنطا الراحلة: خدمت مرضى كورونا وتوفيت أثناء عملها    هل يجوز الوضوء والاغتسال بماء البحر؟    التعجل في المواجهة يؤدي إلى نتائج عكسية.. حظ برج الدلو اليوم 22 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالصور.. «الشروق» تخترق أسوار دير «الأنبا مكاريوس» بحثًا عن الآثار مع الرهبان

- الكنيسة انسحبت من الصراع على أرض «وادى الريان» بالفيوم وتركت المواجهة للحكومة
- رئيس هيئة الآثار الإسلامية والقبطية: الدير ملىء بالآثار ويضم 19 نقطة أثرية
- الجيوشى: مؤسسات الدولة لا تتعامل مع موقف الرهبان والمفاوضات مع بطريرك الكنيسة
- الأنبا إبرام: فى حال إثبات أثرية الدير ستخرج الكنيسة من الأزمة وتتولى «الآثار» الملف
- البيئة: دمروا الحياة الطبيعية فى الدير واستولوا على المحمية.. والرهبان: حافظنا عليه
«هنا فى الدير آيات تعزينى وأمثال.. هنا لا ترهب الرهبان قضبان وأغلال»... لم يكن يعلم البابا شنودة الثالث، بابا الأقباط الأرثوذكس الراحل وهو يكتب تلك الكلمات فى قصيدته «غريبا عشت فى الدنيا»، واصفا حياة الدير بأن الهدوء سيرحل معه، لتصبح الأديرة مجالا للنزاع مع الدولة حول الأراضى.
قضى رهبان دير الأنبا «مكاريوس» بوادى الريان فى الفيوم شهورا وأياما فى قلق وترقب، فى انتظار قرار هدم جزء من الدير، وسط أزمة تتصاعد يوما بعد يوم بين الدولة ممثلة فى وزارة النقل والكنيسة من جهة وبين الرهبان من جهة أخرى.
فى معركة «الدير والدولة» يرفض البابا تواضروس الثانى أن يتهم أحد الكنيسة بتعطيل مسيرة التنمية، ووافق على مرور الطريق عبر الدير، ولأول مرة تصدر الكنيسة الأرثوذكسية بيانا وصفه الكثير بالأعنف منذ جلوس البابا الحالى على الكرسى المرقسى، ضد رهبان دير الأنبا مكاريوس.
وأعلنت الكنيسة التبرؤ من الرهبان ووصفتهم بمنتحلى صفة الرهبان، ومنحت الدولة الحق فى أن تتخذ ما تراه لتنفيذ الطريق، وقررت شلح 6 رهبان ومسئول الدير، وأعلنت أسماءهم.
أزمة «دير مكاريوس» بدأت عندما أصدرت وزارة النقل، قرارا فى سبتمبر الماضى، بإنشاء مشروع طريق برى سريع للسيارات يربط جنوب الفيوم بالواحات غرب مصر، ضمن مخطط لإنشاء 15 طريقا تربط محافظات مصر ببعضها، لكن رهبان الدير اعتبروا أن الطريق المزمع إنشاؤه يشق الدير، لأنه يتطلب هدم السور، والمرور بين 3 مزارع تابعة له، ومواقع أثرية قبطية.
وفى تلك الأزمة ترغب الكنيسة الأرثوذكسية ممثلة فى البابا تواضروس، فى تنفيذ مشروع الطريق، حتى لا تتهم بتعطيل مشروعات التنمية، لذلك واجهت الرهبان، الذين يحاولون إثبات أثرية الدير وأن محيطه ملىء بالمغارات والمعابد الأثرية، وبذلك منع مرور الطريق حرصا على الآثار.
الآثار هى الحل
يسير فى الصحراء غير مكترث بحرارة الشمس أو العواصف الرملية، باحثا عن آثار.. هو لا يتاجر فيها ولا يهربها ولا من هواة التنقيب والبحث عن القطع الآثرية، بل يحسب الساعات والأيام لينجح فى مهمته ويعود إلى مغارته يمارس طقوس الرهبنة والوحدة، مثلما كان يفعل قبل الخروج من المغارة ليسكن بالقرب من الدير حتى ينفذ مهمته.
«أثناثيوس».. الراهب الثلاثينى المتخصص فى علوم التاريخ والآثار، يشعر بثقل المسئولية فرهبان دير الأنبا مكاريوس بوادى الريان، يعتمدون عليه فى البحث عن الآثار ومهمة التواصل مع الجهات المعنية، لإثبات أن الدير ومحيطه أثرى، وبالتالى يمنع مرور الطريق الدولى عبر الدير وهدم أسواره.
وعلى الرغم من رحيل العمال وتراجع الدولة عن هدم سور الدير«مؤقتا»، فإنه لايزال الرهبان يعشيون حالة من القلق بعد اعتبار البابا تواضروس اعتصامهم تحديا له شخصيا، ومنحهم فرصة أسبوعا للخروج من الأزمة، فضلا عن الاتهامات التى وجهت لرهبان الدير بالحصول على مساحات شاسعة من الصحراء، دون وجه حق والنزاع مع وزارة البيئة لوجود الدير فى محمية وادى الريان، فأصبح الطريق الوحيد للخروج من الأزمة هو إقناع الدولة والكنيسة بعدم هدم الدير لوجود آثار حوله، ومن هنا بدأ الرهبان طريقهم للحفاظ على ديرهم.
كسر«أثناثيوس الريانى السكندرى»، الذى تبرأت منه الكنيسة فى بيانها الأخير مع 5 غيره، ووصفته بمنتحل شخصية راهب، حالة الصمت التى سيطرت على الرهبان، خصوصا بعد قرار لجنة شئون الرهبان بالمجمع المقدس فى نوفمبر الماضى بإعفاء الراهب إليشع المقارى، رئيس دير الأنبا مكاريوس السكندرى والأب الروحى للدير من مسئولياته، و«تبرؤ» الكنيسة المصرية من الأنبا داود المتحدث باسم الدير، لمخالفته نظام الرهبنة بالكنيسة، وكذلك يعقوب الريانى وعدم اعتراف الكنيسة بهم كرهبان، بفكرة البحث عن الآثار.
الراهب المتخصص فى علوم الآثار رافق «الشروق» فى جولتها بالدير، على الرغم من مخاوفه من أن يكون مصيره مثل الرهبان المغضوب عليهم من الكنيسة، ويأمل فى إقناع الدولة بأن ديره أثرى، ولا يصح تنفيذ مشروع فى محيطه.
بدأت الجولة من أعلى الجبل حيث توجد مغارة لراهب يدعى الأب سرور، يعود تاريخها إلى القرن الثانى عشر الميلادى، وعلى جدران المغارة نحت الأب سرور قصة حياته فى رسومات وهو يصلى، ورسم نفسه وهو فى لحظة الموت، وكتب باللغة القبطية «الأب سرور وأخينا بيكتور يارب باركهم».
وأمام المغارة الأثرية يفتخر أثناثيوس بأن رهبان الدير مازالوا على نهج الرهبان الأوائل، مثل الأب سرور صاحب المغارة، مؤكدا أن حلم أى راهب أن يعيش فى برية دير الأنبا مكاريوس.
ويشرح أثناثيوس نظام الرهبنة فى الدير قائلا: عرفت مصر الرهبنة على يد القديس الأنبا أنطونيوس فى القرن الثالث الميلادى، واتخذت شكلا يميل للتوحد فلجأ الرهبان إلى الصحراء بعيدا عن البشر، متوحدين مع صلواتهم، إلى أن جاء القديس الأنبا باخميوس (أب الشركة)، وأدخل نظاما جديدا على الرهبنة وهو حياة الشركة، فأصبح الرهبان يجتمعون فى مكان واحد وهو الدير، ويشتركون فى الصلوات والعبادة، ومن يرغب فى التوحد لابد أن يمر عليه سنوات فى الرهبنة داخل الدير، وبإمكانه بعد موافقة رئيس الدير التوحد فى الصحراء وهجرة ديره، هكذا صار نظام الرهبنة فى مصر.
لكن دير الأنبا مكاريوس بوادى الريان خرج عن القاعدة، وجمع بين التوحد والشركة معا، فهجر رهبانه القلالى «أماكن سكن الرهبان»، وحفروا مغارات فى الجبل ليسكنوا فيها، وكلما زاد البعد بين المغارة والأخرى زادت الروحانية فى منظورهم، لكنهم لم يتخلوا عن حياة الشركة فيجتمعون فى القداسات والصلوات.
حماس «أثناثيوس الريانى» يجعله ينسى مشقة الطريق، وعزيمته تقنعك بمرافقته إلى مغارة أثرية أخرى على الرغم من بعد المسافة، وبعد ساعة من تسلق الجبل والسير على آثار الأقدام حتى لا تضل الطريق، تجد مغارة قديمة تعود للقرن الرابع الميلادى منحوتا على جدرانها صلبان باللون الأحمر، يقول أثناثيوس: «إن المغارات الأثرية لا يهددها مشروع الطرق فقط لكن تهددها الرمال التى تردمها فى ساعات معدودة».
واصطحبنا الراهب «أثناثيوس» إلى مكان آخر، وهو يستغل أى فرصة ليحكى عن تعاليم مرشده الروحى «الأب اليشع»، ليهون مشقة الطريق، فيقول: «الأب اليشع رمز للدير علمنا أن الطاعة يجب أن تقترن بالتفكير وليست عمياء، ودائما ينبهنا بالابتعاد عن السياسة ورفض أى منصب كهنوتى والاستمرار فى حياة الرهبنة والبعد عن البشر».
وفى الطريق إلى الأثر الثالث وهو معبد فرعونى، تحاصرك الرمال والصخور التى تملأ محيط الدير، الذى تقدر مساحته بحسب ما ذكر رهبانه، ب13 ألف فدان، وبعد ساعات وصلنا للمعبد الفرعونى، الذى ردمته الرمال، ولم يظهر منه إلا سلم وممر يدل على وجود مكان تحت سطح الأرض.
ويؤكد أثناثيوس أثناء شرحه لتاريخ المعبد أن إصرارهم على اعتراف الآثار بالدير جاء لعدة أسباب، منها وقف الطريق أو إيجاد مسار بديل له لا يلحق الضرر بالدير، والحفاظ على الآثار القبطية، مضيفا: الرهبان يخوضون معركة اعتراف الآثار بوجود مواقع أثرية فى الدير، على الرغم من علمهم بأن اعتراف الآثار سيسحب منهم حرية التصرف فى أراضى الدير، لأنها ستذهب تلقائيا لملكية وزارة الآثار وستمنح الوزارة للرهبان فقط حق الانتفاع بأراضى الدير والاكتفاء بما زرعوه وبنوه وفقا لقانون الآثار، دون تدخل أو بناء أو حفر فى محيط الدير، لأنها منطقة أثرية فى حال اعتراف الدولة بذلك.
نجح أثناثيوس الراهب فى إقناع هيئة الآثار بوجود مناطق أثرية قبطية وفرعونية، وبالفعل عاينت لجنة أثرية شكلتها وزارة الآثار، وأقرت فى تقرير منذ أسبوعين حصلت «الشروق» على نسخة منه – بأن الدير ملىء بالآثار، ويحتوى على 19 نقطة أثرية حتى الآن.
ويؤكد الدكتور محمد عبداللطيف رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية ل«الشروق» أن اللجنة عاينت الدير ووضعت تقريرا استشاريا سيعرض على اللجنة الدائمة التى ستنعقد خلال أسبوع، ومن حق اللجنة الدائمة أن تقبل أو ترفض التقرير أو تأخذ ببعض منه، لكن المؤكد أن هناك قرارا بشأن دير الأنبا مكاريوس قريبا.
أزمة الطريق الدولى على مكتب البطريرك
«ملف دير الأنبا مكاريوس بوادى الريان على مكتب البابا تواضروس الثانى».. هكذا قال الدكتور سعد الجيوشى رئيس هيئة الطرق والكبارى ل«الشروق»، مؤكدا أن «الدولة تتعامل وفقا لرؤية وموقف البابا تواضروس، وأن مؤسسات الدولة لا تتعامل إلا مع القيادات الدينية، فلا دخل للهيئة بموقف الرهبان أو اقتراحاتهم، فالمفاوضات مع بطريرك الكنيسة فقط.
بيان البطريرك ولجنة الإشراف على الدير وإعلان الكنيسة التبرؤ من الدير ورهبانه لأنهم خرجوا عن طاعة الكنيسة، التى هى من سمات الرهبنة، وضع الدير فى مواجهة الدولة، ممثلة فى هيئة الطرق والكبارى، التى وضعت لافتة تشير إلى أعمال الحفر، فى تلك المنطقة، بحسب تأكيد الراهب «أثناثيوس».
لكن رهبان الدير مازال لديهم أمل فى حل الأزمة، دون أن يتهمهم أحد بتعطيل مشاريع الدولة، فقدم الراهب أثناثيوس اقتراحين لإنشاء الطريق الدولى دون هدم سور الدير ومرور الطريق عبره وتدمير الآثار فيه، الاقتراح الأول هو مرور الطريق من قرية «قوتة» وهو أقل مسافة من المشروع الأساسى، والثانى: مرور الطريق عبر«مدق الجيش» وهو قاعدة جوية قديمة وممهدة.
معركة الدير مع«البيئة»
لا ينكر الرهبان أنهم لا يحملون أوراق ملكية أراضى الدير، لكنهم يفتخرون بأنهم نجحوا فى تعميره طوال 20 عاما، فأصبح لديهم 3 مزارع على مساحة 300 فدان لكن الطريق الدولى سيكون له تأثيره السلبى من وجهة نظرهم.
ولم تكن معركة الدير وهيئة الطرق والكبارى حول الطريق الدولى الأولى، لكن رهبان الدير خاضوا معركة مماثلة مع وزارة البيئة حيث طالب مدير الإدارة المركزية للمحميات الطبيعية، الدكتور محمد طلعت فى تصريحات صحفية له المسئولين باتخاذ الإجراءات القانونية ضد تعدى الرهبان على المحمية.
وأكد طلعت أن «المساحة التى استولى عليها الرهبان، بعد إنشاء سور الدير تبلغ 85 ألف فدان، وأنهم دمروا الحياة الطبيعية فيها، واقتلعوا الأشجار والنباتات، وغيروا معالمها تماما، بإنشاء الكثير من المبانى والكنائس إلى جانب إنشاء مخبز لإنتاج الخبز فيها ومزارع أخرى كثيرة».
وأضاف أن محمية «العيون» أهم منطقة داخل محمية وادى الريان، لاحتوائها على 4 عيون مياه طبيعية كبريتية تخرج من باطن الأرض، وتحتوى على نباتات وأعشاب مثل الغرقد، وتعيش فيها حيوانات نادرة مثل الغزال المصرى، والغزال الأبيض المهدد بالانقراض، وتحتوى أيضا على أنواع كثيرة من الطيور، ويعود تاريخها إلى عصور ما قبل الإنسان، حيث تعتبر امتدادا جغرافيا لمحمية وادى الحيتان المصنفة من منظمة اليونيسكو، منطقة تراث عالمى.
وأشار إلى صدور قرارات إزالة من الدولة للأعمال المخالفة، منها القراران رقم 765 ورقم 23 الصادرين من الرئيس التنفيذى لجهاز شئون البيئة، بالإضافة إلى تحرير محاضر ضد الرهبان فى مركز شرطة يوسف الصديق بتاريخ 21 نوفمبر 2011، كما تم تحرير محضر عام بجميع التعديات لقيام الرهبان بالتعدى على تجريف وتقليع نباتات الطبيعية ب«العيون».
ورد الراهب أثناسيوس على تصريحات مدير إدارة المحميات الطبيعية، بقوله إن الأزمة انتهت بشكل كبير من خلال بروتوكول واتفاقية بين وزارة البيئة والدير، تسمح لرهبانه بالإقامة فيه بشرط الالتزام بالضوابط البيئة والمحافظة على محمية وادى الريان التى يقع الدير فى فيها.
وأشار إلى أن الرهبان هم من حافظوا على آثار البرية، بعد إقامة سور الدير، حيث كانت الآثار تسرق من خلال أعمال الحفر والتنقيب، قبل إقامة السور، وفى أثناء مسئولية إدارة المحميات عن الأرض، مؤكدا أنه فى حال الاعتراف بوجود آثار فى محيط الدير فتتولى وزارة الآثار، ملف التفاوض مع وزارة البيئة حول النزاع على المحمية.
سنوات الجفاء بين الدير والبطريرك
البحث عن الوحدة الصارمة، ورهبنة القرون الأولى، والبعد عن رفاهية العالم، الذى هجره الرهبان والهروب من ضوضاء الحياة داخل مغارة منحوتة فى الجبل، هى الأهداف التى جذبت 240 راهبا، بينهم 118 طالب رهبنة، لم ترسمهم الكنيسة حتى الآن، على الرغم من مرور 5 سنوات على أغلبهم، بسبب حالة الجفاء بين الدير والكنيسة، كما عطلت المعارك التى خاضها الدير خطوات اعتراف الكنيسة به .
ويروى «أثناثيوس» ذكرياته مع الدير فى بدايات رهبنته، قائلا: «عندما طلبت الرهبنة طلب منى الأب اليشع أن أحفر مغارتى بنفسى، ولأنى قاهرى توقع الرهبان أنى سأحفر المغارة فى وقت لا يقل عن 3 سنين، لكنى نجحت بمشيئة الله أن أحفر المغارة، وأعدها للسكن خلال عام واحد».
لا يكتفى الرهبان فقط بحفر مغاراتهم، لكنهم يشاركوا العمال فى حفر الجبل، لبناء كنائس وقاعات اجتماعات.
رهبان دير الأنبا مكاريوس بوادى الريان، يسيرون على درب الأب متى المسكين، ويتبعون أفكاره وتعاليم الرهبنة وهجره السياسة ورفض المناصب الكنسية، ولأن المسكين رحل تاركا خلفه أفكاره وأعداءه وقد ورثهما تلاميذه، فأصبح دير الأنبا مكاريوس الريانى، برئاسة الأب الروحى له الأب اليشع، الذى أعاد الرهبنة فيه بعد توقفها عقب رحيل الأب متى المسكين منه، وذهابه إلى دير الأنبا مقار.
اختلاف نظام الرهبنة ورفض الرهبان اتباع أسلوب الطاعة دون تفكير، والمعارك التى خاضها الدير مع مؤسسات الدولة، وأيضا رسامة الرهبان على يد الأب اليشع، المتحدث باسم الدير على عكس الأسلوب المتبع، وهو الرسامة على يد أسقف، من أهم أسباب جفاء العلاقة بين الدير والمقر البابوى، وعدم الاعتراف الكنسى بالدير.
وظهر الصدام والمواجهة المباشرة مع البابا تواضروس بعد رفض الرهبان قراره بهدم سور الدير وشقه لمرور الطريق الدولى الذى تعتزم الدولة إنشاؤه، مما دفع الكنيسة بعد أسابيع من الواسطة أن تعلن تبرؤها من الدير وعدم اعترافها به على الرغم من قرار البابا تواضروس الصادر يوم 6 ديسمبر 2012، والذى أعلن فيه أن الدير أثرى وتم تغييره وتجديده، ويرأسه الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، والمسئول عن الدير فى المعاملات الرسمية الراهب اليشع المقارى المتحدث باسم الدير.
وبذلك وجد الرأى العام القبطى نفسه أمام بيانين، اعتبرهما الكثير متناقضين، الأول عام 2012 أعلنت فيه الكنيسة أن الدير أثرى ومنحت الأب اليشع مسئولية إدارته، والثانى الصادر قبل أيام باستبعاد اليشع وعدم الاعتراف بالدير.
لكن القس بولس حليم، المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية، قال ل«الشروق» إنه بعد أسبوعين من تنصيب البابا تواضروس بابا الإسكندرية بطريركا على كرسى مار مرقس، جاء الأب اليشع المقارى إلى البابا ليستصدر خطابا يتيح له التعامل مع الجهات المختصة فى الدولة بشأن تجمع الرهبان، ومنحه البابا الخطاب.
وأضاف أنه «للاعتراف بالدير لابد من موافقة المجمع المقدس، وهذا لم يحدث مع وادى الريان».
قيادة رهبان دير الأنبا مكاريوس ليست بالأمر الهين، فعلى الرغم من تكليف الكنيسة للأنبا إبرام أسقف الفيوم والأنبا ارميا الأسقف العام والأنبا روفائيل سكرتير المجتمع المقدس بإدارة شئون الدير فإن الخلافات بين الرهبان والأنبا إبرام مستمرة، فالأخير يصر على الموافقة على مرور الطريق وهدم السور ويرفض اعتراض الرهبان، ويعتبر أفعالهم عدم طاعة وخرقا لأصول الرهبنة، التى تلزم الراهب الطاعة الكاملة لقيادته.
وفى آخر اجتماع بين وفد من رهبان دير الأنبا مكاريوس وأسقف الفيوم، يوم السبت الماضى، فوجئ الرهبان به يتصل بالبابا ويخبره بأن الرهبان وافقوا على هدم السور ومرور الطريق الدولى عبر الدير على عكس رغبتهم.
وعلى الرغم من إصرار ورفض الرهبان ذلك، وسعيهم فى اعتراف الآثار بالدير، والاتفاق مع نشطاء أثريين للدفاع عن الدير، وتحديد موعد لعقد مؤتمر بحضور أثرى، يؤكد الأنبا إبرام أسقف الفيوم ل«الشروق» أن الرهبان وافقوا على مرور الطريق عبر الدير، وتراجعوا عن موقفهم بشكل نهائى.
وأضاف أنه فى حال إثبات أن الدير أثرى فستخرج الكنيسة من الأزمة، وتتولى وزارة الآثار مسئولية الملف وتتعامل مع وزارة النقل.
وعلى الرغم من إعلان الأنبا إبرام موافقة الرهبان على مرور الطريق، فوجئ الجميع بمشاركته فى بيان التبرؤ من الدير ورهبانه.
الخلاف لم يتوقف عند الأنبا إبرام أسقف الفيوم فقط، لكنه امتد إلى البابا تواضروس الثانى، حيث لم يلتق رهبان الأنبا مكاريوس، فجميع لقاءاتهم مع سكرتيره القس أنجليوس أسحق، وفى آخر لقاء معه حدثت مشادة معه بسبب إصرار الرهبان على منع مرور الطريق عبر الدير، وانسحب عدد من الرهبان من الاجتماع، ليخرج الرهبان متوقعين قرار التبرؤ منهم فى أى وقت، وهو ما حدث ليصبح الدير فى مواجهة الدولة مباشرة بعد إعلان الكنيسة عدم مسئوليتها عن الدير.
واستقبل رهبان الدير، بيان الكنيسة الذى تبرأ منهم بصدمة، معلنين عقد مؤتمر صحفى بمشاركة أثريين لتوضيح أبعاد الأزمة والأهمية الأثرية للدير للرأى العام، لكن لم يحددوا موعدا المؤتمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.