"القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ"، جملة بسيطة تلخص الشراكة المصرية اللبنانية في قيادة النهضة العربية الثقافية الحديثة، شراكة تستند إلى علاقة اجتماعية وسياسية خاصة بدأت منذ عهد محمد علي باشا وتعاونه مع الأمير اللبناني بشير الشهابي ووصلت ذروتها في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. ويأتي ملتقى الأعمال المصري اللبناني الذي يعقد غدًا الجمعة في بيروت بمشاركة وزير الصناعة منير فخري عبد النور، ووزير الاستثمار أشرف سالمان، وبحضور عدد من الوزراء اللبنانيين ليدشن مرحلة جديدة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، علاقة تقوم على المؤسسية والشراكة والاستفادة بين الميزات الاقتصادية للبلدين التي يغلب عليها التكامل أكثر من التنافس.. علاقة تجدد نفسها بعد أن بدأت مصر تستعيد دورها كما ينتظر منها اللبنانيون، الذين لا يتطلعون فقط لدور مصر القيادي سياسيًّا وثقافيًّا، ولكن يتلهفون إلى نهضة اقتصادية مصرية يشاركون فيها عبر استثمار مدخراتهم التي حققوها في المهجر ولا يستوعبها بلدهم الصغير سواء بسبب ضيق السوق أو كثرة الأزمات المحيطة به، فلا يرون في مصر إلا بلدهم الثاني ومصدر الأمان لهم ولاستثماراتهم. والبعد الاقتصادي بين البلدين كان دائمًا أشبه بجبل الجليد، لا ينتبه له الكثيرون في خضم تركيزهم على العلاقات السياسية والثقافية رغم أن العلاقات الاقتصادية بين مصر ولبنان قد تكون أقدم من العلاقات السياسية والثقافية، فمنذ حضارة الفراعنة والتبادل التجاري بين البلدين هو مقدمة للعلاقات الثقافية والسياسية، فقد لجأ الفراعنة منذ القدم لاستيراد الأخشاب من الساحل الفينيقي، مثلما صدروا كثيرًا من المنتجات التي نشرها التجار الفينيقيون سكان لبنان القدامى في أنحاء العالم. وفي مطلع العصر الحديث كانت مصر من أهم الدول من حيث قيمة التبادل التجاري مع لبنان رغم أنه كان خاضعًا للحكم العثماني ثم الاحتلال الفرنسي، في حين أن اللبنانيين كانوا يمتلكون نحو 10% من الثروة المصرية في بداية القرن العشرين، وفقًا للدكتور مسعود ضاهر في كتابه "تاريخ لبنان الاجتماعي". وفي الوقت الحالي فإن رجال الأعمال اللبنانيين يمثلون رقمًا هامًّا في الاستثمار في مصر؛ حيث يشكل لبنان الدولة رقم 13 في حجم الاستثمارات في مصر بقيمة تتخطى المليار دولار حتى نوفمبر 2014، وهو ما يعتبر مركزًا متقدمًا جدًّا إذا أخذ في الاعتبار أن لبنان بلد صغير من حيث المساحة وعدد السكان وليست دولة بترولية... بل يسبق لبنان العديد من دول الخليج وغيرها من دول العالم الغنية والمتقدمة، مع العلم بأنه إذا تم ضم مشروعات الشركات اللبنانية المغتربة فسوف يتقدم لبنان إلى المراكز ال 7 الأولى في الاستثمار في مصر. وأبرز مجالات الاستثمارات اللبنانية هي المصارف، الصناعات الورقية والتغليف، والصناعات الكهربائية، والزراعة، والكيماويات، والبنوك، ومستلزمات البناء، والتشييد، والسياحة، والإنتاج الحيواني. كما أن مصر تعد إحدى الدول الهامة المصدرة للبنان رغم تراجع قيمة صادراتها إلى بلاد الأَرز خلال السنوات السابقة جراء الأوضاع السياسية والأمنية. والعلاقة بين الاقتصادين المصري واللبناني يغلب طابع التكامل أكثر من التنافس، فالاقتصاد اللبناني اقتصاد خدمي بالأساس، يتميز بالتفوق في مجالات السياحة والمصارف والخدمات المالية والإعلام، ويتمتع بدرجة كبيرة من الانفتاح، حيث إن لبنان قد تكون أعلى دولة في العالم من حيث نسبة المهاجرين لعدد السكان وينتشر مئات الآلاف من رجال الأعمال اللبنانيين في أنحاء العالم بما فيها مناطق ذات طبيعية جغرافية وسياسية صعبة مثل أفريقيا وبالتالي فإن الشراكة بين البلدين يمكن أن تساهم في ترويج الصادرات المصرية من السلع والخدمات على السواء. على الجانب الآخر.. فإن السوق اللبناني مفتوح إلى حد كبير، وذوق المستهلك اللبناني إذ كان يميل تقليديا للمنتجات المستوردة خاصة الغربية والفرنسية، فإنه في الوقت ذاته لديه ميل استثنائي للثقافة والمنتج المصري وهو يعرفه جيدًا في الأغلب، ويعشق بعضًا منه (خاصة المنتجات الغذائية مثل المانجو، وكذلك المنتجات القطنية). وبلغت قيمة الواردات اللبنانية من دول العالم الخارجي نحو 20,494 مليار دولار عام 2014 مقابل 21.228 مليار دولار عام 2013 بانخفاض نسبته 3%، وجاءت الصين في المركز الأول حيث صدرت للبنان ما قيمته 2.484 مليار دولار بنسبة 12% من إجمالي الواردات اللبنانية. وتحتل مصر المركز الحادي عشر للدول المصدرة للبنان عام 2014 بقيمة بقيمة 529 مليون دولار ونسبة 3% من إجمالي الواردات اللبنانية بعد أن كانت تحتل المركز الثامن عام 2012. واستمرت الصادرات المصرية في تحقيق زيادة كبيرة منذ عام 2010 حيث بلغت 644 مليون دولار في عام 2013 مقابل 430 مليون دولار خلال عام 2010 ولكن بدأت بالانخفاض لتصل إلى 529 عام 2014، مع العلم بأن الصادرات المصرية للبنان كانت قد حققت طفرة خلال عامي 2011 و2012 حيث بلغت 942 مليون دولار و841 مليون دولار على التوالي. ويرجع انخفاض صادرات مصر خلال عام 2013 و2014 إلى المنافسة الشرسة من تركياوالصين إلى جانب الانخفاض الحاد لصادرات مصر من بند الذهب الخام. وأهم الصادرات المصرية للسوق اللبناني: منتجات الألبان، مواد غذائية متنوعة، منتجات زراعية وخاصة البطاطس والبصل، حديد زهر وصلب، الأثاث، الأدوات المنزلية، أسماك، حبوب، الأجهزة المنزلية. وبلغت قيمة الصادرات اللبنانية 3.936 مليار دولار عام 2013 مقابل 3.313 مليار دولار خلال عام 2014 بنسبة انخفاض 16%.. وتعد السعودية أول دولة مستوردة من لبنان بقيمة 377 مليون دولار بنسبة 11%. وبلغ العجز التجاري اللبناني عام 2013 نحو 17.292مليار دولار، مقابل 17.181مليار دولار عام 2014 بتراجع قدره 0.6%. وبلغت صادرات لبنان إلى مصر 84 مليون دولار وبنسبة 3% خلال عام 2014 حيث احتلت مصر المركز التاسع من بين الدول المستوردة للبنان. وأهم الصادرات اللبنانية إلى السوق المصري هي فواكه، ثمار قشرية، منتجات الشعير والقمح، خردة الحديد، كتب ومطبوعات، حبوب، أدوية، زيوت عطرية، ومتممات غذائية ، ثلاجات كهربائية، وتبغ خام. وتحدد اتفاقية التجارة الحرة العربية العلاقات التجارية مع معظم البلدان العربية الأعضاء في الجامعة العربية. ووفقا لتقرير لمكتب التمثيل التجاري في السفارة المصرية في بيروت فإن لبنان، وبفضل سياساته المعتمدة بعدم التدخّل في الاستثمارات الخاصة، يقدّم أحد أكثر مناخات الاستثمارات حرّية في الشرق الأوسط. فالانفتاح الاقتصادي للبلاد وغياب القيود القانونية يشجع على دخول الشركات أو خروجها، ممّا يعزز التنافس في السوق الحرّة ويقوّي تنمية القطاع الخاص. كما أن سياسات التحرير الاقتصادي سمحت للاستثمارات المباشرة الأجنبية بتشكيل حصّة هامة من إجمالي الناتج المحلي. وفي لبنان تُعتبر الأعباء الضريبية من بين الأدنى في العالم. وبالإضافة إلى ذلك، ترتبط قدرة البلاد على إدارة وتخفيف المخاطر الخارجية، وتجنب التداعيات السلبية للانكماش الاقتصادي العالمي الأخير والاضطرابات الإقليمية، بنجاح القطاع المصرفي الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد اللبناني. وهو يقدم للمستثمرين الامان اللازم من خلال السرية المصرفية. وأشار التقرير إلى أن الضرائب في لبنان تبلغ نسبتها 15% مقابل 41% في اليابان مثلا و30% في فرنسا، ويحتل القطاع المصرفي اللبناني المركز التاسع والعشرين عالميا من حيث القوة. ويشير مكتب التمثيل التجاري المصري في لبنان إلى تنوع مجالات التعاون الاقتصادي بين مصر ولبنان ومنها التعاون بين البلدين في دول الاغتراب اللبناني حيث يتم تصدير منتجات مصرية إلى دول الاغتراب عن طريق شركات لبنانية، كما تقوم الشركات اللبنانية في الاغتراب بالاستثمار في مصر. كما تعتبر السياحة من أهم القطاعات الواعدة للتعاون بين البلدين خاصة فيما يتعلق بتصميم برامج سياحية مشتركة، كذلك التعاون في مجال مشروعات البنية الأساسية في لبنان ويتواجد فرع لشركة المقاولون العرب في لبنان والتي تعتبر الشركة الأكبر في الشرق الأوسط وأفريقيا. ولفت المكتب إلى أن هناك آفاقًا للتعاون في مجالات البترول والغاز عن طريق الشركات المصرية الكبرى. فمصر بقاعدتها الإنتاجية العريضة والمتنوعة وسوقها الضخم ويدها العاملة الماهرة والزهيدة الأجور يمكن أن تتكامل مع الانتشار والانفتاح اللبناني في العالم لتدشن الدولتين نهضة العرب الاقتصادية بعد أن خلقوا منذ قرنين نهضتهم الثقافية ووعيهم القومي.