لا تحتمل مصر تورط الأصوات والمجموعات المدافعة عن الحقوق والحريات فى المزيد من صخب المجال العام فارغ المضمون، ولا فى الحروب الكلامية التى ليس لها من هدف إلا الترويج للرأى الواحد والصوت الواحد المصاغين من قبل منظومة الحكم/ السلطة وتبرير الممارسات الرسمية وهى تعصف بسيادة القانون وتتورط فى انتهاكات متراكمة. لسنا فى موضع اتهام بشأن حبنا للوطن الذى نريد الحق والحرية لمواطنيه، والسلم الأهلى والتسامح والتقدم لمجتمعه، والعدل والقوة والمنعة لدولته. لسنا فى موضع تشكيك بشأن مدى ملاءمة مبادئ وقيم وقواعد وآليات وإجراءات الديمقراطية لمصر وناسها وحدود أهليتنا اليوم لممارسة الديمقراطية، فسؤال الأهلية ينبغى أن يتجه لمنظومة الحكم/ السلطة التى تصطنع بمساعدة النخب الاقتصادية والمالية والإعلامية المتحالفة معها التناقضات بين الحقوق والحريات وبين الأمن والتنمية والاستقرار بمعانيه الإيجابية/ غير المتوهمة والتى تؤسس بذلك لسلطوية جديدة. كما أن سؤال الأهلية هذا يظلم وعى الناس حين يتجه إليهم اليوم وهم يتابعون وسائل الإعلام وهى تمارس التشويه المنظم للفكرة الديمقراطية، وهى تقايضهم زيفا على الحرية بالأمن والوعد بتحسين ظروفهم المعيشية، وهى تزين لهم مع تغييب كامل للحقائق وللمعلومات بل وللعقل السلطوية الجديدة كضرورة لإنقاذ الدولة، وهى تحارب كل دعوة لإدراك الترابط العضوى بين بقاء الدولة الذى نبتغيه جميعا وبين العدل وسيادة القانون وتداول السلطة وكل رأى يحذر من التداعيات الكارثية للمظالم وللانتهاكات. لسنا فى موضع اتهام بشأن مزاوجتنا الواضحة بين حتمية مواجهة الإرهاب والعنف وبين ضرورة أن تلتزم مؤسسات وأجهزة الدولة فى مواجهتها لهما ولشبكاتهما الدموية بمقتضيات سيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات، بين أدوات المواجهة القانونية والعسكرية والأمنية الآنية وبين التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية الأطول فى مداها الزمنى والأشمل فى نطاقها المجتمعى والتى تستهدف القضاء على قابلية بيئتنا الداخلية لظواهر الإرهاب والعنف والتطرف، بين مطالبة مؤسسات وأجهزة الدولة الاضطلاع بمهامها فى المواجهة دون طغيان للأمنى على كل ما عداه ودون استعلاء على الالتزام بالشفافية والمساءلة والمحاسبة لضمان حضور التأييد الشعبى وبين المطالبة بدور للمواطن وللمجتمع المدنى فى مواجهة الإرهاب والعنف لا يمكن له أن يتبلور بإيجابية والمواطن يهجر من المجال العام ما لم يخضع لإرادة منظومة الحكم / السلطة ويمتثل لممارساتها والمجتمع المدنى يطارد زيفا باتهامات مسبقة وبقيود قانونية وإجرائية وعملية تجعل من العمل الأهلى والمدنى وفى إطار التزام الشفافية والنزاهة والعلنية مخاطرة فردية وجماعية غير مأمونة العواقب. لسنا أبدا فى موضع اتهام أمام مصر وناسها، ومسئوليتنا هى أن نعمل النقد الذاتى بعلنية وشجاعة لجهة خطايا السنوات الماضية العجز عن الاقتراب اليومى من الناس، العجز عن تجديد خطاب الحركة الديمقراطية المصرية على نحو يقدم صياغة واضحة للروابط الإيجابية يين الحقوق والحريات وبين التنمية والتقدم، العجز عن الاعتراف بتورط البعض من المنتسبين للفكرة الديمقراطية بليبرالييها ويسارييها ولفترة زمنية ليست بالوجيزة فى تأييد الخروج على مسارات التحول الديمقراطى والتعامل مع حقوق الإنسان بمعايير مزدوجة والصمت عن مظالم وانتهاكات كثيرة إما بحثا عن الاقتراب من منظومة الحكم/ السلطة ومن ثم عن ثنائية الحماية - العوائد سلطوية الجوهر أو لكون المظالم والانتهاكات اتجهت لمن يختلفون معهم من المنتمين لمساحات اليمين الدينى أو للحركات الطلابية والشبابية التى أخيف من تداعيات الدفاع عنها وتبنى مطالبها. لسنا فى موضع اتهام، بل فى لحظة مراجعة ونقد ذاتى والتزام متواصل بمصر وناسها.