أصبحت اليمن على وقع أزمة دستورية معقدة، في ظل أوضاع سياسية أكثر تعقيدا بعد استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي، واستقالة الحكومة. بذلك يصبح مجلس النواب هو الجهة الدستورية المنتخبة فى البلاد، وهو أصلا جزء من المشكلة، فهذا المجلس شكل عام 2003، وكان من المفترض أن تنتهي مدته بعد ست سنوات، ولكن تم الاتفاق على التمديد له لإجراء تعديلات في الدستور وقامت الثورة وتم التمديد له في ظل المبادرة الخليجية التي جددت شرعيته. ويبدو أن الرئيس هادي أراد في استقالته أن يدخل مجلس النواب في الأزمة، فهو بذلك يعترف بشرعيته وبشرعية المبادرة الخليجية التي توارت بعد اتفاق السلم والشراكة وقدم له الاستقالة ليبت فيها. ولكن المجلس، الذي فوجئ بالاستقالة مثل جميع القوى السياسية، فضل التريث حتى تتضح الأمور أو تتفق القوى السياسية على حل، وأرجأ اتخاذ قرار بشأنه إلى الأحد المقبل، بعد إعلان بعض الأعضاء عن جلسة الجمعة أو السبت. وسارعت جماعة أنصار الله (الحوثيين)، اللاعب القوى على الساحة السياسية، إلى تصحيح موقفها من هذه الأزمة التي لم تكن تتوقعها خاصة في ضوء خضوع الرئيس لكل طلباتها بعد صدور تصريحات من قياديين بها بأن المجلس لا شرعية له وأن استقالة الرئيس لا أهمية لها وأنه سيتم تشكيل مجلس عسكري أو رئاسي لإدارة شؤون البلاد في الفترة المقبلة. وأكدت الجماعة، أنها ستعلن موقفها من استقالة الحكومة والرئيس في ضوء قرار مجلس النواب بقبولها من عدمه لتعيد الشرعية للمجلس. ويبدو هذا الموقف متطابقا إلى حد بعيد مع موقف حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والذى أعلن قبل إعلان الحوثيين لموقفهم أن استقالة الرئيس كانت مفاجأة لكل المكونات السياسية وأن حزب المؤتمر والأحزاب المتحالفة معه لم تتخذ أي موقف حتى الآن "والكرة في ملعب مجلس النواب الذي سيجتمع الأحد ليناقش الاستقالة طبقا للدستور". أما حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، فقد أكد أن ما حصل بالعاصمة صنعاء، هو استكمال لفصول العملية الانقلابية لجماعة الحوثي وحليفهم الرئيس السابق علي صالح. وقال سعيد شمسان المتحدث باسم الحزب، في بيان له، إن "بداية العملية الانقلابية استكملت منذ تسليم عمران وصنعاء ومعسكرات الجيش للحوثيين"، ورفض الدعوة إلى تشكيل مجلس رئاسي، محذرا من أن البلاد تدخل في منحى الفوضى العارمة. ويثير توقيت استقالة الرئيس هادي، تساؤلات كثيرة، فالأوضاع الحالية ليست أشد وطأة عليه من أوضاع سابقة مر بها خاصة عند اجتياح الحوثيين لعاصمة حكمه في 21 سبتمبر الماضي وخضوعه بشكل كامل لكل مطالبهم والسماح لهم بالتمدد في المحافظات وموافقتهم على تغيير عدد من المحافظين، وإصدار تعيينات لأنصارهم في الجيش والأمن والحكومة. ولكن يبدو أن هادي، قد استشعر تأييد المجتمع الدولي له ممثلا في الأممالمتحدة والقوى الكبرى مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد التطورات التي وقعت الاثنين الماضي وما تبعها من سيطرة الحوثيين على دار الرئاسة واقتحامها وحصار منزله وعدم السماح له بالخروج وإجباره على توقيع اتفاق يتضمن كل ما طالب به الحوثيون، فأراد أن يضع معارضيه ومن يؤيدونهم أمام المجتمع الدولي والإقليمي الذي يخشى من سيطرة الحوثيين الذين تدعمهم إيران على اليمن. وهكذا أصبح اليمنيون على خيار الانتظار لما ستسفر عنه الاتفاقيات بين القوى السياسية لتجاوز هذه الأزمة وسط خيارات ضيقة للغاية أحلاها مر، كما أن التطورات على الأرض لها نصيب كبير في حل الأزمة خاصة التطورات في الجنوب، الذي انتفض ضد ما تعرض له الرئيس ورئيس الوزراء يوم الاثنين الماضي، والأخير احتجز من قبل الحوثيين في مقر إقامته لمدة 3 أيام حتى تم الإفراج عنه بعد أن احتجزوا مدير مكتب الرئيس أحمد عوض بن مبارك ولازال في قبضتهم منذ أسبوع. وتواترت الأنباء عن دعوات في الجنوب للتصدي للحوثيين، فقد طالبت اللجنة الأمنية لإقليم عدنمحافظاتعدن وأبين ولحج والضالع بالتزام مواقعها العسكرية. وطالبت في بيان لها، بعدم تلقي أي توجيهات من جهات حكومية في صنعاء والالتزام بالتوجيهات الصادرة من السلطات المحلية بهذه المحافظات ومن قيادة المنطقة العسكرية الرابعة.