وسط ما شهدته منطقة الشرق الأوسط فى سنواتها الأخيرة، من سقوط أنظمة، وتصاعد حدة الحروب، وتفاقم وتيرة النزاع الطائفى، استطاع الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز (90 عاما)، أن يدير دفة الحكم فى بلاده، بسياسة برجماتية هادئة، دعمت الاستقرار فى المنطقة. ورغم أن أحداث وتوترات المنطقة لم تنتقل إلى أرض المملكة، لكنها جميعها اعتبرت خطرا عليها، حيث واجهت المملكة ثلاثة تهديدات رئيسية خلال هذه السنوات، وهى الاضطرابات الإقليمية، أو ما يعرف ب «الربيع العربى»، والبرنامج النووى الإيرانى، وصعود الحركات الإرهابية، وفقا لما نقلته مجلة فورين أفيرز الأمريكية. فإبان تصاعد شرارة الانتفاضات العربية عام 2011، تبنَّى الملك السعودى الراحل، استراتيجية خارجية تتسم بطابعين، وفقا للمجلة الأمريكية، الأول جاء ل«السيطرة على الضرر»، وهو ما حدث فى مواقفه فى اليمن والبحرين وربما سوريا. أما الثانى، فارتبط «بمحاولة ملء الفراغ الاستراتيجى»، الذى خلفه غياب دول محورية مثل مصر وسوريا والعراق. وكان الملك عبدالله، الذى ارتقى سدة الحكم فى 1 أغسطس 2005 بعد وفاة شقيقه الملك فهد، أكبر الحكام العرب سنا. وعلى مدى أعوام حكمه اشتهر بإطلاقه العديد من المبادرات ورعايته الكثير من المصالحات، وهو أمر ظل يقوم به رغم تقدمه فى السن وتدهور صحته، وحتى قبل أسابيع من دخوله المستشفى، برعايته لمصالحة بين مصر وقطر فى ديسمبر الماضى. وبحسب وكالة الأنباء السعودية، تأثرت شخصية الملك الراحل، المولود عام 1924، فى مدينة الرياض، بوالده عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود مؤسس المملكة، الذى يعد معلمه الأول، وذلك بعد تلقى تعليمه على يد كبار المعلمين والعلماء على الطريقة التقليدية وهى الكُتاب ودروس العلماء وحلقات المساجد. وتدرج الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهو الابن الثانى عشر من أبناء والده من الذكور، فى العديد من المناصب قبل توليه سدة الحكم، ففى عام 1964 أصدر الملك فيصل بن عبدالعزيز أمرا ملكيا بتعيينه رئيسا للحرس الوطنى. وفى عام 1975 عيّنه الملك خالد بن عبدالعزيز نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء إلى جانب منصبه السابق كرئيس للحرس الوطنى. وفى عام 1982 بويع عبدالله وليا للعهد بعد تولى أخيه فهد بن عبدالعزيز عرش المملكة، ثم صدر أمر ملكى فى مساء نفس اليوم بتعيينه نائبا أول لرئيس مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطنى، بالإضافة إلى ولاية العهد. وفى عام 1995 يسلم إدارة شئون الدولة وأصبح الملك الفعلى بعد إصابة الملك فهد بجلطات ومتاعب صحية، وبعد وفاة الملك فهد فى أغسطس 2005 تولى الحكم، وبالإضافة لكونه ملكا للدولة فإنه يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء تبعا لأحكام نظام الحكم فى المملكة القاضية بأن يكون الملك رئيسا للوزراء. ويُنسب للملك الراحل الفضل فى علاقات المملكة الجيدة مع الدول العربية والأجنبية، والتى بدورها وضعت الملك الجديد سلمان بن عبدالعزيز أمام تحديات القضايا الأقليمية، التى يتعاون فيها الغرب بشكل أساسى مع السعودية ولا سيما فى اليمن وسوريا والعراق ومكافحة الإرهاب وغيرها من الملفات. وفجر أمس، رحل الملك، تاركا بلاده وسط عواصف الشرق الأوسط، وخطر تنظيم «داعش»، وصعود الحوثيين فى اليمن، واستمرار الصراع السورى، فضلا عن تراجع أسعار النفط.