عتبر دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى ل«الشروق» لإقامة حوار مجتمعى مع الأحزاب السياسية فى منتهى الأهمية، لأنها تأتى فى ظل لحظة فارقة تشهد فيها مصر والوطن العربى تهديدا خارجيا خطيرا وحقيقيا لتفكيك وتفتيت ما هو مفتت وتجزئة ما هو مجزأ، وذلك بمساعدة بعض الأطراف الداخلية، وهو ما زاد الأمر صعوبة، من خلال افتعال اضطرابات داخلية باللعب على وتيرة الاحتياجات الاجتماعية والمجتمعية للفئات الأقل فقرا تارة، أو اللعب على البعد الدينى والإثنى تارة ثانية، بعدما فشلت النخب والأحزاب السياسية فى الاستفادة من الربيع العربى فى بلورة رؤية وسياسات واضحة لمعالجة الخلال الهيكلى والتفاوت فى الدخول المادية لمواطنيها، أو على الأقل تصحيح التفاوت الشديد بين فئة باتت تملك وتحكم، وفئات معدومة وتزداد فقرا. وفى ظل إيمان مؤسسة الرئاسة بأهمية دور الأحزاب وتعميق المشاركة السياسية للمواطنين، لأنها تعلم تماما أنه لا غنى فى المجتمعات الديمقراطية عن الأحزاب، فهى تؤدى وظيفة مركزية على المسرح السياسى، وتعد وسيلة مهمة لتمكين الشعب من المشاركة بشكل منظم فى العمل العام. كما أنها تعتبر بمثابة أداة لترجمة مطالب وتطلعات وآمال الشعب إلى مجموعة من البرامج والسياسات الواضحة، فضلا عن كونها محفلا لترتيب أولويات الأمة والاتفاق على كيفية توظيف الموارد المحدودة المتوافرة لدى المجتمع بالشكل الذى يلبى طموحات الشعب. ويمكن تشبيه الأحزاب كقناة اتصال بين الشعب وطوائفه المختلفة من جانب، والسلطة الحاكمة ومؤسساتها من جانب آخر. كما تؤدى الأحزاب دورا اجتماعيا مهما، يتمثل فى تفريخ الكوادر السياسية وتدريبها على العمل العام، ففى الدول الديمقراطية تجتذب الأحزاب المواطنين الراغبين فى النزول إلى مضمار العمل السياسى، وتقوم بتنمية مهاراتهم وتطويرها، وتقوم بعملية فرز للكوادر التى تستطيع تبوء المواقع القيادية فى الحزب وفى المجتمع عامة. ••• وفى هذه الإطار، نقترح على القائمين على إعداد هذه المؤتمر الهام البعد كل البعد عن مناقشة القضايا المتعلقة بالحياة الحزبية فى مصر والتركيز فقط على رؤية الأحزاب لمستقبل مصر خلال ال25 سنة المقبلة. وهنا أقترح: أولا: أن يقوم المؤتمر على مناقشة خمسة محاور رئيسية، وذلك من أجل الوصول إلى ورقة سياسيات أو رؤية استراتيجية خاصة بتصورات الأحزاب لما يجب أن تكون عليه مصر فى 2050، خاصة أن أحد المأخذ الرئيسة على ثورتى 25 يناير و30 يونيو بأنها ثورات بلا «رؤية». ثانيا: تشكيل خمس مجموعات عمل صغيرة، تختص كل مجموعة بدراسة أحد المحاور على أن تضم كل مجموعة عددا من ممثلى الأحزاب (15 فردا على الأكثر)، فضلا عن خمسة من الخبراء والأكاديميين فى موضوع هذه المحاور، بحيث يتم تكليف إحداهم بإدارة الجلسات، والآخر بكتابة المنتج النهائى لأعمال المجموعة. ثالثا: تضع كل مجموعة ليس فقط رؤيتها للموضوع المطروح ولكن أيضا الخطط التنفيذية لتطبيق هذه الرؤية على الأرض، وتكلفة التطبيق إن أمكن، والموارد التى يمكن الاستفادة منها أو إعادة النظر فيها لتوفير النفقات اللازمة. رابعا: مناقشة الرؤى الخمس فى جلسات عامة تضم كل المشاركين من المجموعات حتى تحظى الرؤية الكلية للمؤتمر بالإجماع. وبذلك تكتمل الرؤية الكلية أو الوثيقة النهائية التى سوف تقدم بها الأحزاب إلى الرئيس وإلى جميع مؤسسات الدولة. ••• وفى هذا الإطار من الممكن أن تنقسم محاور النقاش إلى ما يلى: أولا: محور السياسة الداخلية، يناقش قضايا التحول الديمقراطى فى مصر، وكيفية إدماج الشباب فى الحكم من خلال تفعيل مشاركتهم فى العمليات الانتخابية المختلفة، طبيعة التحالفات داخل الحركات الاحتجاجية وأين هى الآن؟ وما مستقبلها وكيف يمكن تنظيمها؟، كيف يمكن تقوية وتطوير الحياة الحزبية؟ وأين اختفت التيارات المدنية، وكيف يمكن بناء تيار مدنى حقيقى؟ وهل يمكن إدماج والتعامل مع تيارات الإسلام السياسى مرة ثانية، وما أدوات وشروط التعامل، الحركة النقابية ودورها السياسى، دور البرلمان المقبل فى قضايا الانتقال الديمقراطى. ثانيا: محور السياسة الخارجية، يحاول هذا المحور الإجابة عن رؤية الأحزاب لتقليل مخاطر التهديدات الخارجية بعد الثورات العربية، كيف يمكن بناء سياسة خارجية متوازنة، وكيف يمكن استرجاع دور مصر الأفريقى والعربى، وما الطريق الأمثل للتعامل مع الدول المعادية لثورة 30 يونيو، العلاقات مع القوى الكبرى، مستقبل العلاقات المصرية الحمساوية، رؤية مصرية لإصلاح المنظمات الدولية، ملامح السياسة الخارجية لمصر فى الفترة المقبلة. ثالثا: المحور الاقتصادى، يدور هذا المحور حول أهم التحديات الاقتصادية وكيفية مواجهتها لتحقيق انطلاقة فى مجال الاستثمار، تمويل المشروعات الكبرى، وكيف يمكن للدولة والسوق والمبادرة الفردية أن تقوم بتحريك عجلة النمو إلى المستوى وبالسرعة الكافية للوصول إلى مستوى التشغيل الاقتصادى الضرورى والانطلاق بعملية التنمية للأمام. وما المقومات المطلوبة لكى يحقق البحث العلمى الترابط المطلوب، وما احتياجات التنمية الاقتصادية والتجديد التكنولوجى والإدارى للمؤسسات والهياكل الاقتصادية، وكيف يمكن مواجهة أزمات الطاقة والكهرباء، وكيف يمكن علاج عجز الموازنة ودور القطاع السياحى فى تنمية الاقتصاد، أسواق المال والبورصات وتصحيح الأفكار الخاطئة عن مفهوم الاستثمار فى سوق الأوراق المالية. رابعا: قضايا الإرهاب، يدور هذا المحور حول كيف يمكن مواجهة العنف والإرهاب والحفاظ على الحقوق والحريات، وما خريطة الجماعات الجهادية فى سيناء، العنف داخل الجامعات الأهداف والغايات، تأثير حروب الجيل الرابع على قضايا الإرهاب، دور الإعلام والمجتمع المدنى فى محاربة الإرهاب، شبكات التواصل الاجتماعى والإرهاب. خامسا: القضايا الثقافية والاجتماعية والتعليمية والصحية، المواجهة الفكرية والثقافية لظواهر العنف والإرهاب، الإعلام ما بعد الثورات المصرية، تحليل خطاب لثقافة الشباب بعد الثورة، كيف يمكن خلق توافق وطنى، كيف يمكن تحقيق العادلة الاجتماعية، المسئولية المجتمعية لرجال الأعمال. ••• الخلاصة، نعود لنؤكد مرة ثانية أن أحد عوامل نجاح هذا المؤتمر هو ضرورة الاتفاق بين الأحزاب على أجندة الحوار، وإيمانها بضرورة العمل سويا، ونبذ الخلافات الحزبية المترتبة على فشل إقامة التحالفات الانتخابية، لوضع رؤية استراتيجية لمصر الثورة، وذلك بهدف وضع الضوابط التى تحول دون انفراد مؤسسة واحدة بعملية صنع السياسات، والعودة فى الأمور المصيرية إلى الشعب ومؤسساته المختلفة.