على ضفاف البحيرة استرخى سرب العصافير وفيما كان الأفق يدعو للتأمل بأن العالم ليس إلا بحرا واسعا لا تتنازع ولا تتصارع فيه الأمواج بل تتناغم الواحدة بعد الأخرى.. قد تعلو قليلا قد يغضب البحر شتاء وقد ينتصر على بعض تلك الأجساد المتعبة الباحثة عن لقمة العيش فى الضفة الأخرى ولكنه لا يعرف الكراهية.. هناك وعند نفس تلك المدينة وقريبا من البحر والبحيرة توقفت تلك المجموعة للحديث عن خطاب الكراهية.. كم كانت الأجواء متناقضة أن تتحدث عن الكره أمام كل هذا الجمال.. أن تتعرف على ذاك الخطاب من نفس تلك المدينة التى أشعلت الشرارة الأولى.. فيما يقول بعضهم هو الحريق الأول الذى أوقد النار فى السهل كله لتمتد من تونس لمصر فتكر السبحة عاصمة خلف الأخرى وبلدة خلف بلدة. ••• جلست تلك المجموعة القادمة من مدننا المتعبة تبحث فى خطاب الكراهية أو ربما تحاول أن تعرف ماذا حدث للعرب بعد أن هل ما سمى ب«ربيعهم»؟ كيف فتحت السماء أبوابها على سيل من المفردات والخطابات التى لم يكن يعرفها عربى قبلا أو ربما كان يستحى أن يجهر بها.. بدأت تدريجيا وبدلا من أن يأتى هذا المسمى ربيع بكثير من المحبة والتسامح والاعتراف بالآخر حتى لو كان لا يشبهنى، تحول إلى خريف من السباب والشتائم وكانت المفردة الأكثر تكرارا والتى تغلَّف بعبارات منمقة هى «أنى أكرهك» بل «نحن نكرهكم»!!! ولم تعد مقتصرة على المنتديات المغلقة أو فى مواقع التواصل الاجتماعى بل جاهر بها الكثير من مدعى الدين والمعرفة و«ممارسي» الإعلام ومقدمى البرامج التليفزيونية وأعلنوا الحرب فيها على الآخر.. فمن يكون الآخر؟؟ هو كل ما ليس أنا أو كل ما لا يشبهنى.. فانتشر مرض وانتقل من مدينة إلى أخرى فبدلا أن تكون هى مدن للنور والمعرفة والتسامح حيث خرجت الأديان السماوية الأكثر تسامحا، اصبحت هى مدن للحقد والكراهية الذى يصل إلى حد قطع الرقاب أمام أنظار الكون وأعين كاميرات التلفزة المفتوحة والمتعطشة لإثارة قادمة من نفس تلك المدن!!! ••• بدأ المجتمعون فى الاستماع إلى شهادات لأوضاع بلدانهم التى لم تعد تعرف سوى رائحة البارود وأصوات الانفجارات، بلدانهم المتخبطة والمغمسة فى الدم وعرق الفقراء.. راحوا يقرأون شهادات من هنا وهناك لا تخلو بلاد من خطاب الكراهية.. كلنا مذنبون، كلنا ملامون هكذا ردد البعض فيما راح آخرون ينبشون كتب التاريخ والدين بحثا عن الأسباب.. وردد الشباب أنها الأنظمة التى جلست فوق كراسى الحكم لسنين طوال وراحت تعبث بكل مدخرات هذه الأمة لتبقى جالسة على نفس ذاك الكرسى.. صفق الحضور نعم نعم هى الأنظمة.. فيما عاد آخرون لنفس الخطاب المكرر هو الاستعمار القديم الذى لا يريد لنا الخير، هو الاستعمار الذى استخدم سياسة «فرِّق تسد» أو هو الحاكم القادم من نفس القبيلة أو أنها المدرسة أو ربما المجتمعات المغلقة غير المنفتحة على ثقافات وحضارات الكون.. مجتمعات رافضة لأن تتعلم من تجارب الآخرين وتستسهل الإجابات المصفوفة فوق الأرفف منذ السنين كلما وقفت أمام معضلة استعانت بها، رفعت عنها التراب المتراكم منذ سنين اليأس والتبعية.. وقف هو ذاك الشيخ المبجل الذى إلتم حوله الحشد إعجابا بأن يكون رجل دين قادما ومعه كثير من النور والاستنارة وكأن هناك تناقضا بين رجال ديننا والمحبة!!!.. هو منفتح على كل الثقافات ناطق بكل اللغات.. باحثا عن الإجابات وغير خجل من أن يقول «العيب يكمن فينا نحن» كلنا شعوب وحكومات وأنظمة وهيئات مجتمع مدنى وجمعيات أهلية وتنظيمات سياسية.. كلنا نتقن خطاب الكراهية حتى ونحن نندد به.. كلنا مذنبون.. تحت عمته كثير من الحب والمحبة ينشرها بين أجواء ذاك اللقاء.. هو بعض منا وكل ما علينا أن نكون.. رجل دين ينتمى ليس إلى طائفته ولا دينه بل لكل البشرية لا يخجل من أن يقف عند أكثر النقاط حساسية وليس بين مفرداته كلمة تحمل رائحة الكراهية بين أحرفها.. هو رجل دين حداثى ينتمى للمستقبل فيما بقى الآخرون محبوسين فى بعض كتب التاريخ المنحازة.. ربما مثله من يعيد بعض الأمل لتلك المجموعة التى لن تتوقف عند هذه الندوة أو ذاك الاجتماع بل هى أو بعضها ترغب فى أن تحمل شعلة النور ليسكن فى شوارعنا كلها وعلى ضفاف شواطئنا المتعبة وبين أزقتنا المظلمة.. تعلمنا جميعا كيف نحب بدلا أن نكره وتقف لتفضح جيوشهم الإلكترونية المتخصصة فى نشر الكراهية على أنها جزء منا نحن حتى صدقنا أننا أمة لا تعرف سوى الكراهية ولا تتقن سوى الدمار..