بعد عطل الاتصالات والإنترنت.. إقلاع 36 رحلة طيران وجار العمل على 33 أخرى    نتنياهو يلتقى روبيو وويتكوف قبيل محادثاته مع ترامب    حسام أشرف لاعب الزمالك ينتقل إلى سموحة لمدة موسم واحد على سبيل الإعارة    استمرار عمليات التبريد والسيطرة على حريق سنترال رمسيس بعد ظهور النيران    بسبب استمرار تجدد النيران في سنترال رمسيس.. شعبة المخابز: احتمالية تعطل الشبكة وإجراءات بديلة لصرف الخبز    اتحاد بنوك مصر: البنوك ستعمل بشكل طبيعي اليوم الثلاثاء رغم التأثر بحريق سنترال رمسيس    وزير العمل: صرف نحو 23 مليون جنيه كتعويضات للعمالة غير المنتظمة في 2024    بدائل الخط الساخن.. القليوبية تعلن أرقام التواصل مع مرفق الإسعاف بعد تأثر الخدمة بحريق سنترال رمسيس    على خلفية حريق سنترال رمسيس.. غرفة عمليات ب «صحة قنا» لمتابعة تداعيات انقطاع شبكات الاتصالات    ترامب: سنفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من كوريا الجنوبية واليابان    إعلام عبري: مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة 20 آخرين بهجوم في بيت حانون    استشهاد 16 فلسطينيا في غارات الاحتلال على النصيرات وغزة    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. الكرملين ردا على ترامب: التعاون داخل البريكس ليس موجها ضد أطراف ثالثة.. إيران: طهران قادرة على إطلاق الصواريخ لعامين بلا توقف.. إسرائيل تجري مناورات بالجولان    سنرددها ألف مرة.. المفتي: «المسجد الأقصى حقٌّ إسلاميٌّ خالص لا يقبل القسمة ولا المساومة»    قوات الاحتلال تضرم النيران في منزل داخل مخيم نور شمس شرق طولكرم    المجلس الوطني الفلسطيني: هدم الاحتلال للمنازل في طولكرم جريمة تطهير عرقي    سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض الأبيض والأحمر بالأسواق اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025    أرقام لويس دياز مع ليفربول بعد صراع برشلونة وبايرن ميونخ لضمه    الجهاز الفني لمنتخب مصر تحت 16 سنة يُقيم أداء 36 محترفًا    موعد مباراة تشيلسي اليوم أمام فلومينينسي في نصف نهائي كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    «درجة تانية».. سيف زاهر يكشف رحيل نجم الزمالك للدوري السعودي    وليد صلاح: بقاء عبد الله السعيد في الزمالك ضروري.. ولا أؤيد اعتزال شيكابالا    محترف الزمالك يرغب في الرحيل عن النادي.. الغندور يكشف التفاصيل    انخفض 20 جنيهًا.. سعر عيار 21 الآن بعد آخر تراجع في سعر الذهب اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025؟    بعد تعطل سنترال رمسيس.. محافظة الغربية تعلن عن أرقام طوارئ بديلة    لقطات جديدة ترصد آخر تطورات محاولات إطفاء حريق سنترال رمسيس (صور)    احذروا الشبورة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025    في حريق سنترال رمسيس.. وجميع الحالات مستقرة    بعد حريق سنترال رمسيس.. «صحة الأقصر» تعلن رفع درجة الاستعداد بغرفة الأزمات والطوارئ    مصدر حكومي: إنستا باي يعمل بكفاءة.. وتأثر بعض خدمات البنوك بسبب حريق سنترال رمسيس    إصابة شقيقين فى حادث تصادم جرار زراعى وسيارة ملاكى بالغربية    انطلاق فعاليات معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب في دورته ال 20.. المعرض بمشاركة 79 دار نشر مصرية وعربية.. 215 فعالية ثقافية على هامش المهرجان ل 800 محضر.. خصومات تصل إلى 30%.. فيديو وصور    محمد على رزق: «اكتسبت وزنًا من أجل منعم في فات الميعاد»    تساؤلات داخلية وخوف من الوحدة.. توقعات برج الحمل اليوم 8 يوليو    بعض التحديات في الأمور المادية والمهنية.. حظ برج الجدي اليوم 8 يوليو    جمال عبد الحميد: دخلت السينما وسط تهافت المنتجين.. واعتزلت فجأة بعد خطبة جمعة    عماد الدين حسين: العلاقات المصرية الصومالية تاريخية وجرى ترفيعها لآفاق الشراكة الاستراتيجية    عمرو أديب عن أزمة مها الصغير: سرقة غبية.. ومش عاوز حد يبررلها اللي حصل    أهم طرق علاج دوالي الساقين في المنزل    الدكتورة لمياء عبد القادر مديرًا لمستشفى 6 أكتوبر المركزي (تفاصيل)    لعلاج الألم وتخفيف الالتهاب.. أهم الأطعمة المفيدة لمرضى التهاب المفاصل    عاجل- المصرية للاتصالات تخرج عن صمتها: حريق سنترال رمسيس فصل الخدمة عن الملايين.. وقطع الكهرباء كان ضروريًا    السعيد غنيم : مشاركتنا في القائمة الوطنية تأكيد على دعم الدولة ومؤسساتها الدستورية    رتوش أخيرة تفصل الزمالك عن ضم مهاجم فاركو وحارس الاتحاد    أطعمة قدميها لأسرتك لحمايتهم من الجفاف في الصيف    مدارس البترول 2025.. الشروط والأوراق المطلوبة للتقديم    انطلاق مهرجان جرش 23 يوليو بمشاركة كبيرة لنجوم الغناء    مسؤول ب«الأمومة والطفولة»: نزع الطفل من أسرته لحمايته والردع مستمر فى مواجهة العنف الأسر    أول سيدة تتقدم للترشح على مقعد الشيوخ بالفيوم في ثالث أيام فتح باب التقديم    رئيس جامعة كفر الشيخ يشهد حفل تخريج الدفعة 55 بكلية الزراعة    تعليم الوادي الجديد تعتمد جدول امتحانات الدور الثاني للصف السادس الابتدائي    "جبالي": الحكومة تسحب مشروع قانون تنظيم المراكز الطبية المتخصصة    وفقا للحسابات الفلكية.. تعرف على موعد المولد النبوي الشريف    نجاح إجراء جراحة معقدة لإصلاح تشوه نادر بالعمود الفقري لطفلة 12عاما بزايد التخصصي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حالة شكر.""؟!    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة لا تحتاج مواطنيها!
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 09 - 2014

يتطلب العمل الجاد على رفع جودة الخدمات العامة وتوفير سبل الحياة الكريمة لكل إنسان، الدراية بجميع تفاصيل المشكلات، التى أدت لتدنى مستويات العيش وإلى غياب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتحديد أولويات الحل ومعوقات الفعالية.
وهو ما يعنى بالضرورة ليس فقط اعتراف منظومة الحكم للإنسان بالحق فى العيش الكريم وحمايتها لهذا الحق وضمان الوفاء المستمر به، ولكن اعترافها فى الوقت نفسه بحاجتها لدور قوى للمواطن فى «المشاركة» والتعبير عن الاحتياجات والتقييم المستمر بحرية كاملة، وفى هذه الحالة يكون الإنسان مدخلا وهدفا للتنمية، وتصبح حريته كحق فردى مكملا أساسيا لحقوقه الاقتصادية والاجتماعية.
•••
ولكن قد يحدث أن تقرر السلطة أن تسلك مسلكا يبتعد كثيرا عن المسار السابق، بأن تستهدف بالأساس إخفاء أو التشويش على الأصوات الشاكية من تدهور الخدمات وفقدان الحقوق، وذلك بغلق جميع قنوات التواصل أى تختار منظومة الحكم «القمع» بأشكاله المتعددة.
اختيار القمع قد يعنى أن السلطة لا تعترف بحقوق مواطنيها فى الحياة الكريمة من الأساس، ومن ثم فلا يلزمها الاستماع لشكواهم وإشراكهم، بل قد يضيرها ويضير نمط علاقات المصالح الذى تنسجه لتعتمد عليه فى البقاء أن توضع موضع التقييم ممن هم خارجه، وأن تعترف لهم بهذا الدور، فهذا الاعتراف يفقدها مصداقيتها أمام الفئات الأجدى بالرعاية بالنسبة لها، فالقرارات محسومة والوعود تم قطعها، وكل ما تحتاجه منظومة الحكم وشبكات المصالح هى سرعة التنفيذ، والتى تتطلب اتفاق بين عدد محدود من متخذى القرار المتناغمين.
يكون القمع فى هذه الحالة هو أداة السلطة لحماية الفساد وتركز الثروات والاستفادة منهما. ربما تدرك السلطة هنا أن القمع بديل «مُر» لأنه قد يجعل نهايتها أسرع، ولكنها لا تسعى من الأساس للخروج من هذه النهاية نحو المستقبل، بقدر ما تسعى إلى احتكار أكبر قدر ممكن من الأدوات الاقتصادية والاجتماعية والمعلوماتية بشكل يصعب على المجتمع كله الخروج من مرحلة النهاية نحو مستقبل لا يتضمن تحكمها به، بل قد تحتكر آليات «مكافحة» الفساد، دون المستفيد والمضار الأساسى من السياسات وهو المواطن، حتى تصيغها كما يناسبها ويمكنها من إدارة العلاقة مع جماعات المصالح لصالحها فى حالة وجود صراعات. السلطة فى هذه الحالة تكون مذعورة من وجود مجتمع قوى، وينعكس الذعر حتى فى مفردات خطابها: «أنا الأمن والأمن أنا» و«أنا أو الفوضى» «كل ما هو دونى انعكاس لمؤامرة».
وقد تختار السلطة القمع لأنها ترى أن المشاركة رفاهية غير مجدية بل مكلفة سواء فى ذاتها أو فيما تتطلبه من نتائج؛ فتكرر خطاب أن الآن ولا نستطيع أبدا أن نحدد إلى متى يستمر هذا «الآن» الدولة فقيرة وعاجزة عن تلبية ما يراه المطالبين بالمشاركة والحرية والعمل وفق رؤية اقتصادية واجتماعية تتوافق ومفهوم الحقوق، فهى تحتاج فقط للأموال، والمشاركة حق فقط لمن يملك هذه الأموال، أما بقية المجتمع فعليه أن ينتظر.
•••
رأس المال المطلوب مملوك لعدد محدود من أصحاب الثروات محليا ودوليا ولمؤسسات التمويل الدولية الجاهزة دائما بحلول سريعة تحفظ لنموذجها للنمو والتنمية القدرة على الاستمرار مهما ثبت فشله.
السلطة فى هذه الحالة يقلقها أن يعى المواطن أن له حقوقا، وأن له دورا فى صياغة وضمان حصوله عليها لأنها ترغب فى الاحتفاظ لنفسها بمساحة للتنازل عن حقوق مواطنيها مقابل حصولها على التمويل المطلوب لاستيفاء متطلبات المؤسسات من أرقام تعكس تحسم ما فى الوضع الاقتصادى. فتؤجل مثلا نظام التأمين الصحى الشامل وتكتفى ببرامج استهدافية محدودة تباع من قبل المؤسسات الدولية، أو تتغاضى عن حق الإنسان فى العيش الكريم والأجر المناسب والأمن الاجتماعى وتكتفى بالأجزاء الهزيلة من شبكات الضمان الاجتماعى التى يتاح لها تمويل من المؤسسات الدولية. فرؤية السلطة تعيد تعريف جميع أهداف سياستها التنموية وفق التمويل «المتاح»!
فيفوتها أنه من غير المنطقى تسخير المجتمع للتمويل، وليس تسخير التمويل لخدمة مصالح المجتمع وأولوياته، ومن غير المنطقى كذلك انتظار تحول مفاجئ للمسار فى الأجل الأطول، إن السلطة هنا، تجعل المجتمع حبيسا لبرامج التنمية المفروضة عليها من الممولين، ولا يمكنها أن تعكس مصلحة مواطنيها، وبالأخص الأفقر والأدنى صوتا، لأن من يحتكر الأموال لن يرضى أبدا أن يمنح غيره سلطة تكوين الثروات والاعتماد على الذات، فيفقد ميزته النسبية التى يقتات منها، فلابد وأن تبقى آليات مكافحة الفقر فى أطر محكومة يرضى الممَوِل عنها.
كما أنها فى هذه الحالة، تصر على رؤية خاطئة مفادها أن الأزمة الاقتصادية وضيق ذات اليد وعجز الموازنة وانخفاض النمو هى أسباب عدم حصول المواطنين على حقوقهم فى خدمات مرتفعة الجودة وحياة كريمة، وهى رؤية غير صحيحة ولا تتفق مع ما أثبته الواقع؛ ففى فترات ارتفاع النمو لم تُضمن بأى صورة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، بل تراكم فى فترات النمو المرتفع الفقر المكتوم وانفجرت مؤشراته فى أوقات الأزمات، والأهم أن الأزمة الاقتصادية يحملها نموذج النمو الضيق نفسه، ولا تأتى أبدا من فراغ.
وفى حالة ثالثة، قد تنظر السلطة الحاكمة للمشاركة والحرية على أنها قيم غير ضرورية لخلق حياة كريمة من الأساس، أى تفصل بين الحرية والمشاركة وحصول الإنسان على احتياجاته الاقتصادية والاجتماعية، فترى أنها وحدها تعرف ماذا «يحتاج الشعب» اليوم وغدا، وعلى المواطن أن يتنازل عن المشاركة والتقييم وأنماط التعبير عن الرأى ويكتفى بالحصول على الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية بطريقة منحوية، هى هنا تستهدف نجاح يقتصر على إتاحة الخدمات العامة وربما تيسير سبل النفاذ إليها، ولكن لا يمكنها بأى حال ضمان تحقيق فعاليتها أو استدامة هذه الفعالية، لأنها تحتاج جهازا حكوميا وإدارة اقتصادية قادرين على التطهير الذاتى من الفساد وإساءة استخدام مساحات الانفراد بالقدرة على المنح والمنع، وهو الأمر الفاقد للمنطق. فسرعان ما يترهل النموذج وينهار بسبب تكوين أنماط مختلفة من شبكات المصالح البيروقراطية.
•••
مسارات عدة أحاول أن أتصورها لتفسير اختيار من يحكم وطنا قمع مواطنيه، إلا أن الشعور الأقوى لدى أنه ليس من المنطقى أن نكتب فى تبرير المطالبة بالحرية والمشاركة والشفافية، وتفنيد أسبابها وأهميتها من الناحية العلمية، بقدر ما يبدو منطقيا أن يطالب الجميع بتبريرات واضحة يقبلها العقل لنوع فريد من القمع تستكمل فيه الهجمة على المنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدنى رحلة غلق قنوات المشاركة والتعبير عن الرأى، وبشكل يأتى بالتزامن مع التأسيس لمرحلة جديدة، رأينا فى بشائرها قوانين لحماية العقود التى تجريها الدولة مع المستثمرين وإجراءات ظالمة لعنصر العمل وإجراءات تقشفية، مع مطالبة المحرومين من المشاركة بالرأى بالمشاركة فى دفع الأموال وفى التضحية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ربما حتى حين وربما دائما!
•••
خرج الملايين للشارع سابقا بسبب تردى مستوى العيش وقمع الحريات، ولم يمنعهم قانون الطوارئ آنذاك، ولعل اختصار السلطات لأسباب هذا الخروج فى وجود صوت تكلم وأذن سمعت خطأ كبيرا بنت عليه رؤيتها فى أن قمع الصوت وتغييب وعى الأذن كافيان لتجنب غضب شعبى مماثل، فإنكار الحقيقة لا يعنى غيابها، والإنسان يطالب بحقوقه لأنه إنسان جُبل عليها وخلقت معه، وليس لأنها كتبت فى مواثيق أو عمل عليها فرق عمل فى مؤسسات، وكلما يتم غلق قنوات التعبير والدفاع عن حق البشر فى حياة كريمة بمعناها الكامل الذى لا تنفصل فيه الحرية عن العيش الكريم سوف يوجد البشر قنوات جديدة تنبنى على مساحة أكبر من الحرية.
فحرمان الإنسان من المشاركة والحرية يقتضى تغييب وعى البشر بشكل كامل وتجريدهم من صفاتهم الإنسانية. إنه ثمن مؤلم وباهظ لا أدرى لماذا ولا كيف يُتوقع تحمله!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.