البورصة المصرية تختتم تعاملات جلسة اليوم بارتفاع جماعي وربح 15 مليار جنيه    رئيس جامعة دمنهور يشهد انطلاق أولى فعاليات مبادرة «كُن مستعدًا»    «البترول» تواصل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر أغسطس 2025    مظاهرات إسرائيلية واسعة تطالب بإعادة المحتجزين وتنتقد نتنياهو    آرسنال يتقدم على مانشستر يونايتد بالشوط الأول    الداخلية تكشف حقيقة وفاة شخص داخل قسم شرطة بالقليوبية    شكسبير في سجن الواحات    أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    7 أطعمة ومشروبات غنية بفيتامين D    جامعة المنصورة تُشارك في مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الطلاب والخريجين    غوارديولا يتحدث عن صفقاته الجديدة    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    مستشفى قها التخصصي ينقذ طفلة من فقدان ملامح أنفها بعد جراحة دقيقة    خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات: الذكاء الاصطناعي ضرورة لمستقبل الاقتصاد المصرى    تحقيقات واقعة "فتيات الواحات".. الضحية الثانية تروى لحظات الرعب قبل التصادم    «الصحة» تغلق 10 عيادات غير مرخصة ملحقة بفنادق في جنوب سيناء    معلق مباراة ريال مدريد وأوساسونا في الدوري الإسباني    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    دورة إنقاذ ومعرض تراثي.. أبرز أنشطة الشباب والرياضة في الوادي الجديد    وصلة هزار بين أحمد وعمرو سعد على هامش حفله بالساحل الشمالي (فيديو)    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    يسري الفخراني بعد غرق تيمور تيمور: قُرى بمليارات كيف لا تفكر بوسائل إنقاذ أسرع    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    أمر ملكي بإعفاء رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية ومساعد وزير الدفاع السعودي    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    فنون شعبية وطرب أصيل في ليالي صيف بلدنا برأس البر ودمياط الجديدة    السيسي يوجه بوضع استراتيجيات واضحة وقابلة للتنفيذ لتطبيق الذكاء الاصطناعي    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار الموسمية والفيضانات في باكستان إلى 645 قتيلا    الجيش اللبناني ينفي خرق قواته الجوية للأجواء السورية    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    تعرف علي شروط الالتحاق بالعمل فى المستشفيات الشرطية خلال 24 شهرا    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    إصلاح الإعلام    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    خطأ أمريكي هدد سلامة ترامب وبوتين خلال لقائهما.. ماذا حدث؟    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجيب محفوظ وموقفه من السلطة
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 09 - 2014

كان لنجيب محفوظ موقف متميز من السلطة الحاكمة يختلف اختلافا بينا عن موقف معظم الكتاب والأدباء والمشهورين من المصريين. وهو موقف ينطوى على توفيق ناجح فى رأيى، بين نظرة المصرى التقليدية والمتوارثة إلى حكامه، وبين شعور الكاتب بالكبرياء واحترام النفس. أعتقد أن نجيب محفوظ كان فى هذا الموقف أيضا، يبدى درجة عالية من الحكمة، كالتى كان يبديها فى كثير من تصرفاته الأخرى.
كان نجيب محفوظ، مثل معظم المصريين، يشعر برهبة الحاكم وبقدرته الواسعة على الإضرار به أو الانعام عليه كما يحلو له، وهو شعور ربما كان له ما يبرره فى مصر أكثر مما له فى معظم بلاد العالم. إنها ظاهرة فرعونية بلا شك، ولابد أن لها أسبابا تاريخية وجغرافية سحيقة فى القدم، وقد توارثها الفلاحون المصريون، أبا عن جد، وجيلا بعد جيل، ولم تحظ مصر للأسف، فى تاريخها الطويل، بما يكفى لإضعاف هذا الشعور من جانب المصرى نحو حكامه، ولا شعور الحكام نحو الشعب المصرى. كثيرا ما أتذكر صورة معينة نشرتها الصحف لنجيب محفوظ وهو واقف فى مكان مكشوف، فى يوم شديد البرودة، ليستقبل رئيس الجمهورية عند وصوله لافتتاح معرض الكتاب الدولى واللقاء مع المثقفين. ظهر نجيب محفوظ فى الصورة محتميا بمعطفه السميك، وقد انحنى برقبته انحناءة خفيفة جدا، وهو يمد يده لمصافحة الرئيس، ولكن كانت على وجهه ابتسامة مشرقة كعادته وكأنه مبتهج حقا بلقاء الرئيس. قلت لنفسى إن كاتبا مثل عباس العقاد لم يكن ليقف مثل هذه الوقفة، ولكننى لم أشعر بأى ميل للوم نجيب محفوظ وذلك بسبب ما أعرفه عن شخصيته وآرائه ومواقفه. لقد رأى نجيب محفوظ نفسه واقفا لمصافحة فرعون مصر، وفرعون مصر يجب تقديم الاحترام الواجب له (هكذا يشعر نجيب محفوظ) مهما كانت صفاته الشخصية أو عيوبه أو عمره أو درجة ثقافته. والرئيس على أى حال جاء للقاء المثقفين المصريين وتكريمهم، فلا بد أن يقابل هذا العمل بما يستحقه.
ولكن فلتفحص أى تصريح صدر من نجيب محفوظ، أو أى مقال كتبه فى مناسبة سياسية أو غير سياسية، فلن يمكنك أن تجد أى شيء يشبه النفاق أو أى تملق لحاكم أيا كان. ومحفوظ، على أى حال، رغم أنه يدرك الأهمية الشديدة للسياسة والسياسيين فى تحقيق تقدم مصر أو تخلفها، ويتتبع الأخبار السياسية باهتمام شديد، لا يحب الخوض فى أى حديث مباشر فى السياسة، ولو مع أقرب المقربين. لم يكن هذا قطعا من قبيل احتقار السياسة، بل كان مدفوعا بأمرين: الأول حماية النفس من التهلكة، والثانى الحرص الشديد على أن يهيئ لنفسه الظروف اللازمة لاستمرار إنتاجه الأدبى. كانت الكتابة الأدبية هى الهدف (ربما الوحيد) من حياته، وقد قال مرة انه يشعر بأن الموت سوف يجيئه متى توقف عن الكتابة. ان رجلا كهذا يشعر بأن عليه أن يحمى نفسه من أى شىء قد يعوق استمراره فى الكتابة، سواء كان العائق من جانب السلطة أو من أقرب الأقارب.
قد يبدو من المدهش مع هذا، الأهمية التى تحتلها السياسة فى كتاباته، فهى لا تكاد تختفى أبدا حتى من أكثر أعماله حميمية، ولكنها دائما كتابة أدبية. من السهل أن تكتشف من قراءة ما يكتبه نجيب محفوظ ما يعجبه وما لا يعجبه من السياسات، ولكن من الصعب أن تتخذ منها دليلا قاطعا على معارضته لنظام معين فى الحكم أو لشخص معين من الحكام. هكذا نجد مثلا روايته «ثرثرة فى النيل» ورواية «ميرامار» اللتين نشرتا فى حياة عبدالناصر، وقد تناولت الأولى حالة الاغتراب التى يعانى منها المثقفون، (مما أثار عليه غضب المشير عبدالحكيم عامر وتهديده له)، ووجهت الثانية نقدا شديدا للديكتاتورية، ولكنهما فى نهاية الأمر «قصتان»، لا يمكن أن تتخذا كأساس لإدانة الكاتب ومعاقبته.
ربما كان هذا هو السبب فى أن عبدالناصر، وان كان قد أبدى لنجيب محفوظ الدرجة الواجبة من الاحترام، فإنه لم يظهر له من المودة ما كان يظهره لتوفيق الحكيم مثلا. كان توفيق الحكيم أقل استعدادا لتعريض نفسه لغضب السلطة، ولم يكن لديه الدافع القوى للتعبير عما لا يرضى عنه فى النظام السياسى، مثلما كان لدى نجيب محفوظ. كان محفوظ بلاشك أكثر اهتماما بالقضايا الاجتماعية والقومية من الحكيم، كما كان أكثر إدراكا منه لما يمكن أن يكون للنظام السياسى من أثر فى تحقيق التقدم أو التدهور فى هذه الميادين. وكان هذا الاهتمام وهذا الإدراك حافزين قويين لدى محفوظ لتناول النظام السياسى فى كثير من رواياته، وان لم يتجاوز قط الخطر الذى كان يمكن أن يتعرض بعده للاعتقال.
على العكس من ذلك، التزم الحكيم بدرجة أعلى من الحرص فى كتاباته الأدبية وغير الأدبية، ولكنه نشر بعد وفاة عبدالناصر كتابا قاسيا فى نقد نظامه تحت عنوان «عودة الوعى» الذى أثار غضبا شديدا لدى محبى عبدالناصر وأنصاره، واعتقد أيضا أنه أثار بعض التحفظ لدى نجيب محفوظ عندما قرأه قبل نشره، ولعله كان يفضل ألا يقوم الحكيم بنشره. فقد ذكر محفوظ فى حديثه لرجاء النقاش (فى كتاب: نجيب محفوظ، صفحات من مذكراته، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1998، ص248)، ان الكتاب «كان فى عهد عبدالناصر، وهى وجهة نظر مناقضة لما عرف عن علاقة الحب التى ربطت بينهما منذ قيام الثورة. كان الزعيم الذى حلم به الحكيم فى (عودة الروح) هو عبدالناصر، وكان لدى عبدالناصر نفس هذا الإحساس، لذلك أكرم الحكيم دائما وأحبه، ومن هنا كانت صدمة (عودة الوعى)».
كان نجيب محفوظ يشعر بالامتنان لنظام عبدالناصر بسبب إجراءاته الاقتصادية وما فعله للفقراء، ولكنه لم يكن ممن يمكن ان يغفروا له الديكتاتورية. كان محفوظ ينتمى إلى جيل يعشق سعد زغلول ومصطفى النحاس عشقا، ويؤمن إيمانا عميقا بالديمقراطية السياسية، ولم يكن على استعداد (مثلما كان جيلى مثلا) لأن يتغاضى عن القيود المفروضة على الحريات فى سبيل تحقيق التقدم فى مجال العدالة الاجتماعية. وأظن أن جيلى قد أصبح الآن، بعد أن رأى ما رآه، أكثر تفهما لموقف هذا الرجل العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.