علاقة جمال عبدالناصر بالثقافة والمثقفين شابها الكثير من اللغط وأثيرت حولها العديد من الأسئلة، وكذا علاقته بالإسلام السياسى، وفى ظل الظروف الراهنة وفى محاولة لطرق القضية جرت ضمن أنشطة «كاتب وكتاب» مناقشة كتاب «هيكل يتذكر.. عبدالناصر الثقافة والمثقفون» للكاتب يوسف القعيد، فى ندوة شارك فيها الكاتب الصحفى حلمى النمنم وعبدالله السناوى، وأدارها الإعلامى حسين عبدالغنى. فى البداية قال حسين عبدالغنى: « الكتاب عبارة عن حوار منهجى مع أستاذ الأجيال وأحد أهم العقول العربية فى القرن العشرين والواحد والعشرين محمد حسنين هيكل»، لافتا إلى أن هذا الكتاب يأتى فى وقت أعيد فيه الاعتبار لمشروع جمال عبدالناصر ولتجربته مع التيارات السياسية وخاصة مع جماعة الإخوان. وأضاف أن الكتاب طبع لأول مرة 2003 وأعيدت طباعته فى 2014، وستعاد قراءته بطريقة أخرى فى ظل الظروف الحالية حيث يتصدى الكتاب لعلاقة عبدالناصر بالثقافة والمثقفين وهى علاقة حدث فيها تزييف كبير، وسيصححها الكتاب وسيقدم إجابات بالغة الصراحة من الشخص الأقرب لعبدالناصر وهو هيكل. وتابع: الكتاب به جرأة؛ لأنه عادة ما يهتم المؤرخون بالسياسة المباشرة ولكن الكاتب ناقشها من وجهة نظر الثقافة والمثقفين ومع ذلك قدم إجابات تاريخية وسياسية لم تستطع الحركات السياسية أن تقدمها حول علاقة الثورة بنجوم وأساطير فكر ما قبل الثورة. واستكمل: لم يخجل القعيد من أن يعلن انحيازه لمشروع جمال عبدالناصر الذى جسد الوطنية المصرية لعمال مصر وفلاحيها ولم يخجل من أن يطرح على هيكل كل الأسئلة الصعبة، ومنها لماذا لم تنته يوليو إلى ما بدأت بها؟. من جانبه قال يوسف القعيد: توثقت صلتى بهيكل فى أواخر حكم السادات عندما كان يعد كتابه «خريف الغضب»، ثم نبتت فكرة إجراء الحوار معه وكنت أتصور أنه سيرفض ولكنه رحب بالحوار وجلسنا جلسات مطولة واشهد أنه لم يرفض أى سؤال أو يعترض عليه ورفض نشر بعض الحكايات الشخصية التى لا تفيد العامة. وأضاف أن هذا الكتاب اثبت لى أن هيكل لديه حس روائى يكاد يصل لحدود الموهبة الكاملة ولو لم يكن يحترف هذه المهنة لكان روائيا من الطراز الأول لأنه يتميز بسلاسة فى التفكير وبتشويق فى السرد، وكان حريصا على ألا يحكى إلا ما كان طرفا فيه بشكل مباشر. وتابع: هيكل تميز بأنه لم يكن الصحفى الأقرب لعبدالناصر لكنه تمكن من إقامة علاقة إنسانية معه قبل أن يدخل فى ضباب الأسطورة والزعامة لافتا إلى أن كل من حاول التقرب إليه بعد أن أصبح رئيسا لم تتطور علاقته بهم. وأوضح القعيد أن هيكل قابل عبدالناصر لأول مرة فى حرب فلسطين وكان ثائرا وناقما على تناول الصحافة المصرية للحرب، ثم التقى به اللقاء الحاسم فى منزل محمد نجيب قبل الثورة ب12 يوما وقام هيكل بتوصيل عبدالناصر بسيارته وسأله عبدالناصر فيما لو حدث شيء ما هو رد فعل الانجليز فقال هيكل لن يحدث شيء وقدم له خريطة القادة الانجليز وأنهم فى إجازات وهى الرواية التى حسمت موعد الثورة وفى هذه الليلة ذهب عبدالناصر إلى هيكل وجلسا حتى منتصف الليل ونشأت العلاقة الإنسانية بينهما فى هذه الليلة. وقال القعيد « أعتقد أن علاقة هيكل بعبدالناصر لعبت دورا أساسيا فى كثير من الإيجابيات التى شهدتها مصر على يد عبدالناصر ودور مصر الحضارى، وأن هيكل استمر حتى هذه اللحظة من أكثر المخلصين لعبدالناصر والمدافعين عنه بشكل موضوعى، والكتاب يتضمن علاقة توفيق الحكيم وصلاح عبدالصبور وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب، وكذا نزار القبانى بعبدالناصر، لافتا إلى أن هيكل رجل موقف فكان يعبر عن موقفه بعد أن يقص الحكاية. وذكر القعيد عن علاقة نجيب محفوظ وجمال عبدالناصر، مشيرا إلى أن أهم إبداعات محفوظ كانت فى عهد عبدالناصر حيث اصدر أهم إبداعاته الأدبية ومنها «أولاد حارتنا » وتم نشرها يوميا رغم احتجاج الأزهر عليها، لافتا إلى أن عبدالناصر خلال زيارته للأهرام قال ل«محفوظ» «أنا لم أقرأ لك منذ فترة»، موضحا القعيد أن هذه الجملة لم يقلها رئيس فيما بعد لأى كاتب. ودعا القعيد من سيحكم مصر فى الفترة المقبلة أن يقرأ هذا الكتاب لأن جمال عبدالناصر كان يدرك معنى مصر وأهمية الثقافة للمصريين جميعا. وحول علاقة عبدالناصر بتوفيق الحكيم أوضح القعيد أن عبدالناصر ساند الحكيم ومنع خروجه فى حملة التطهير من وزارة الحقانية، وعندما تمت مهاجمة الحكيم من كتاب المسرح الشباب فى الستينيات قدم له جائزة ليؤكد أن الدولة كلها معه. وعندما كتب توفيق الحكيم كتابه «عودة الوعى» توجه له هيكل ليسأله عن سبب كتابته لهذا الكتاب فقال الحكيم « كنت بجرب شكل جديد فى الكتابة ولكن لم أنشره»، رغم أن الكتاب قد تم الانتهاء منه لنشره فى بيروت وعنفه هيكل ولكنه رفض أن يذكر ما قاله له. وأشار القعيد إلى أن الحكيم على مستوى شخصى يحب أن يفتح الصحف ليرى نفسه فيها لذلك اخترع قصة عدو المرأة وانه كان يمشى من جاردن سيتى إلى الأهرام، لافتا إلى أن الحكيم شعر بأن صفحة يوليو قد طويت فى عهد السادات فأراد أن يقدم نفسه للنظام الجديد. من جانبه قال الكاتب حلمى النمنم إن الكتاب مجموعة من الحوارات الصحفية وسأتوقف عند ذلك قليلا لأن البعض لا يعرف معنى حوار صحفى.. فالحوار إذا تولدت منه فكرة جديدة ومعلومة فهو حوار ونرى ان القعيد محاور ذكى وقوى حيث اختار الشخص المناسب والذى يعد الأب الروحى للصحافة المصرية. وتابع: الكتاب يقدم الكثير من الأسرار والتساؤلات فى قضايا لا تزال معلقة حتى اليوم، فنحن علمنا منه أن عبدالناصر أرسل هيكل ليعرض على احمد لطفى السيد ليكون رئيسا للجمهورية فقال له قول لصاحبك دا مشروعك وعليك أن تتولاه. كما يحكى الكتاب الخلاف الذى حدث بين عبدالناصر ووزير الحقانية وقتها إسماعيل القبانى بسبب إخراج توفيق الحكيم ضمن عملية التطهير، حيث طلب عبدالناصر عودة الحكيم ورفض القبانى، إلا أن عبدالناصر أعاده باعتباره قيمة فكرية وثقافية. ولا ننس ان فى فترة عبدالناصر علمت مصر أن هناك وزارة تسمى وزارة الثقافة، وتدخل عبدالناصر أكثر من مرة لينقذ نجيب محفوظ من براثن عبدالحكيم عامر. ودعا النمنم إلى ضرورة أن يجلس القعيد مع هيكل مرة أخرى ليسأله عن عدد من الشخصيات ومنها شخصية سيد قطب والحديث حول إعدامه وقصة شهدى عطية لأن هناك الكثيرين لا يعرفون شيئا عن سيد قطب وجمال عبدالناصر. من جانبه قال الكاتب الصحفى عبدالله السناوى إن أى مشروع سياسى له قيمة ويستطيع أن يغير الزمن لابد أن يستند على بنية ثقافية وعبدالناصر استند على ذلك، فالبرنامج إذا لم يستند لرؤية واضحة سيضيع فى الفراغ السياسى. وأضاف أن فكرة عزلة الثقافة عن المشروع السياسى فهى تجهضه، والكتاب يلقى أضواء على قضية حساسة ومهمة وهى علاقة عبدالناصر وهيكل والتى استندت إلى رؤى وأفكار ولذلك اعتقد أن دخول هيكل لمعارك دفاعية عن عبدالناصر فهو لم يكن يدافع عنه بقدر دفاعه عن معتقداته. وطالب السناوى الروائى يوسف القعيد باستكمال البحث حول شخصيات مهمة يعرفها هيكل لتوضيح موقفها، وخاصة المثقفون العرب ومنهم ادوارد سعيد ومحمود درويش. وردا على تساؤل من الحضور حول هل كان عبدالناصر ديكتاتورا، أكد السناوى أنه لم يكن ديكتاتورا وأن نيلسون مانديلا قال عنه إنه زعيم زعماء أفريقيا، لافتا إلى أنه رغم وفاة عبدالناصر منذ 45 عاما إلا أن صورته حاضرة والرئيس الذى يتقدم يقول يا ريت أكون مثله مستشهدا بجملة نشرها فى جريدة العربى من قبل تضمنت أن عبدالناصر المهزوم سيعيش أكثر من صلاح الدين الأيوبى المنتصر باعتباره أول من وضع فكرة العروبة فى موضع التنفيذ.