نهى القرآن نهيا مشددا عن سخرية الإنسان من أخيه الإنسان، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ). والسخرية هى اشتغالك بخصوصيات الناس نقدا وتجريحا واستعلاء، قاصدا إذلال الناس واحتقارهم. وقد اعتاد بعض الناس ألا يتحدثوا إلا ساخرين من الناس، فتراهم يصفون الناس بصفات لا يحبون أن تقال لهم. فهذا «طويل أهبل» وهذا «قصير مكير»، كما يسارع البعض متطوعا بإيلام الناس دون سبب إذ يصنفون الناس حسب رؤيتهم فيقولون «فلان جاهل» و«فلان لا يساوى شيئا». والشوارع والمقاهى بل وربما أماكن العمل تعتبر مسرحا مفتوحا لهذه الأخلاق الرديئة. (1) والسخرية مصدرها كبر النفس واستعلائها لدرجة أن تجعل نفسها حكما على غيرها دون علم، وقد حكى القرآن كيف كان قوم نوح، يسخرون من نوح بسبب جهلهم حينما رأوه يصنع الفلك بعيدا عن البحر، فظنوا فى أنفسهم أنه حاشاه جاهل، وأنهم هم أعلم بالأصول، فحكى القرآن شأنهم إذ قال: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ). هكذا جاء الطوفان فهطل الماء من السماء وانفجرت ينابيع الأرض حتى وصلت الأمواج العالية إلى المكان الذى صنعت فيه سفينة نوح (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِى مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (2) وفى سورة التوبة حكى القرآن سخرية السفهاء والبخلاء المنافقين إذ يسخرون ممن تطوع لجمع الصدقات ممن لا يستطيعون الذهاب بصدقاتهم إلى بيت المال فيقول تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِى الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). كما أشار القرآن إلى تصرفات سيئة تعبر عن سخرية الفاعل واستهزائه بالآخر، ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ). كذلك حذر القرآن من أساليب السخرية المعتادة لدى بعض الناس فقال: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَة). و«الهمزة» هو الذى يؤذى الناس بلسانه، سواء بكلمات سيئة أو بإخراج اللسان للتعبير عن عدم اهتمامه. أما «اللمزة» فهو الذى يخاطب الناس بعينه بإشارات يكرهها الإنسان. كما بين علماء اللغة أن ال«لمز» هو إطلاق الأسماء المعيبة على الناس كمن يقول «الأعمى/الأعرج.. إلخ» وهكذا نتعلم أيضا أن التنابز بالألقاب لون من ألوان السخرية، فالمعروف أن الألقاب تصنع تحت تأثير البيئة من ناحية وقدرة صانع اللقب وذكائه. فمثلا حينما تجد نجار وبه عاهة جسدية مثل فقدانه أحد ساقيه فترى من يلقبون هذا الشخص بلقب «النجار» أو «الخشاب» لكننا نسمع أيضا من يلقب نفس الشخص باسم «الأعرج» أو «أبورجل».. فما ذنب الشخص الذى أطلق عليه تلك الألقاب؟! ولهذا لا يجيز الشرع جريمة (التنابز بالألقاب) فيقول تعالى: (..وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). كذلك فقد شاع فى أوساط كثيرة جرأة البعض على التهكم على الناس فتراهم يصوغون السب والشتم والتحقير صياغة مضحكة تجعل المقصود بها ضيق الصدر بما يقاسيه من ضحك الناس عليه.