كرم الله آدم وذريته، فليس لأحد أن يهين آدميا أو ينتقص كرامته، إلا متعرضا ل«غضب الله»، فكيف تهين من أكرمه الله، وتذل من أعزه الله. كيف تفترى على الناس فتتهمهم بما ليس فيهم. لقد حرم القرآن خوض اللسان فى الأعراض وسمى ذلك رميا: يعنى ألفاظ الاتهام تحولت سهاما موجهة تجرح الناس، يقول تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). وآيات سورة النور نزلت تنويرا للقلوب والعقول والألسنة، ومناسبة نزول تلك الآية أن بعض المنافقين أطلق لسانه يجرح عائشة بالفحشاء، افتراء على الله والحق. وحيث إن العمران البشرى والاجتماع الإنسانى يفرض تقابل الناس فى الأماكن العامة وفى البيوت والمساجد إلخ، فلا يحق لأحد أن يخوض فى أعراض الناس ويختلق ما لم يحدث، ويشيع ظنونه السيئة فيهم. ومحاربة ل«رمى المحصنات» واتهامهن بالفحشاء، شرع الله لها أحكاما رادعة صيانة للأعراض، وحماية لاستقرار المجتمعات. وحرصا على شرف الإنسان فقد شرط الله شروطا قد يستحيل توافرها لاتهام أى إنسان بالزنا فيقول تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). نعم مستحيل التوافر، فهل يستطيع أحد أن يمارس الزنا أمام أربعة أفراد مبصرين؟!! يتحدون فى رؤية الحدث زمانا ومكانا، وكأن الشرع لا يريد أن يشيع الفحشاء بين الناس. وقد قرر القرآن نصاب الشهادة فى الزنا فقال: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ). هكذا يسد الشرع باب الخوض فى الأعراض حرصا على استقرار المجتمع، وضمانا لاستمرار العلاقات الإنسانية طاهرة محصنة. 2 ومع إغلاق باب الاتهام إلا بشروطه أضاف الشرع حالة الاستثناء الوحيدة: فربما دخل الزوج بيته فرأى الفحشاء بين زوجته ورجل آخر، ومادام البيت مغلقا فلن يطلع عليه غير أهله، لذلك قال تعالى:(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ* وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ* وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ* وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ* وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ). هكذا فللزوج وحده بحكم علاقته ببيته وزوجته اتهام للزوجة فى مجلس القضاء، ويقسم أمام القضاء وأربع شهادات أنه لمن الصادقين وأنه يستحق اللعنة إن كان كاذبا. وهنا يخير القاضى الزوجة بين الاعتراف والجزاء، أو رفض الاتهام وتقسم أربع مرات أمام القضاء أن زوجها كاذب وأنها تستحق اللعنة إن كان زوجها صادقا. وعندئذ يصدر القاضى حكمه بالتفريق بين الزوجين لاستحالة استمرار الزوجية دون أن يكون لكائن من كان توجيه الاتهام للمرأة ولا إشاعة الفاحشة بين الناس. 3 فليتعلم جميعنا ألا يضع نفسه موضع التهمة حيث حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ فَلاَ يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ». وإذا اشتبه إنسان أو وقعت عينه على فحشاء ولم يتوافر معه ثلاثة شهداء يتممون نصاب الشهادة فليس له أن ينطق بكلمة وإلا عرض نفسه للعقاب الشرعى جزاء قذف المحصنات، وهو عقاب شديد كما مر بك فى الآيات.