«الخير زمان كان كتير، مش زى دلوقتى». رغم أنها جملة «كليشيه» يكررها الكثيرون فى سنه، إلا أن حسين محمود، موظف بالمعاش، يؤكد على أن رأيه ناتج عن مشاهدة وأدلة، وليس حنينا غير مبرر للماضى. يمارس محمود هواية الصيد منذ أكثر من 40 عاما. فى صغره كان يعشق صيد «التسقيط»، حيث يخرج مع أصدقائه فى قارب إلى عرض البحر، وينزل بخيط صنارته إلى عمق 50 مترا ليصطاد الدنيس والبلطى الكبير. وفى أوقات الفراغ، كان يكتفى بالجلوس بصنارة أصغر على الكورنيش بالمنشية أو محطة الرمل، بالقرب من بيته فى بحرى بالإسكندرية. «زمان كان الصيد بالبوص الهندى»، الذى يتميز بمزيج من الصلابة، والحساسية الشديدة التى تمكن الصياد من الإحساس بهزة التقاط السمكة للطعم فى سهولة. 5 سنوات مضت وحسين يحاول العثور على بوصة هندى دون جدوى، بعد أن تم استبدالها تدريجيا ببوص «الفيبر» الصناعى الكورى والصينى، رغم أنه يتميز عن البوص بإمكانية طيه وحمله بسهولة، إلا أن حسين يقول إنه أقل صلابة وحساسية. لم يعد حسين يقدر على صيد التسقيط، فصحته لم تعد تحتمل دوار البحر. يضطر الآن إلى الاكتفاء بالصيد من على الشاطئ فقط. يرمى حسين صنارته الجديدة كورية الصنع فى الماء، وبعد دقائق تهتز الصنارة معلنة عن صيد جديد. يشد الخيط بحرفية فيخرج سمكة «بطاطا» طولها أقل من بوصة. يخلصها من الصنارة ويلقيها فى البحر زهدا فى حجمها الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع. «أهو ده الدليل على أن الخير زمان كان كتير»، فحسين يقول إنه كان فى الثمانينيات والتسعينيات من الممكن أن يصطاد أكثر من 3 كيلو من السمك الكبير وهو جالس على الكورنيش. أما الآن فالحال لم يعد كالحال. يشير حسين إلى بقعة بالبحر مليئة بالقاذورات ومخلفات المصطافين، ويقول إن تلوث الماء بالفضلات والمخلفات من كل نوع، جعلت السمك يبتعد عن الكورنيش. رغم ذلك، يقضى حسين ما بين ساعة إلى 7 ساعات يوميا فى الصيد. «المهم تقضية الوقت، وأهى أحسن من قعدة القهوة». يثبت حسين طعم الجمبرى الصغير فى الصنارة، ويلقى بها مرة ثانية. وبعد دقائق تهتز الصنارة معلنة عن صيد جديد. يشد الخيط بحرفية، فيجد أن صيده ما هو إلا عبوة مياه غازية معدنية. يسب حسين الصيد والبحر والمصطافين وكل «أولاد ال...» الذين لوثوا الشاطئ. ثم يعود لتثبيت الطعم استعدادا لصيد جديد.