يتمتع البابا شنودة كما يروى عنه جلساؤه بروح فكاهة وقدرة غير عادية على اصطياد «الإفيه» وتوليد النكتة من رحم أكثر المواقف كآبة وجهامة. وعلى هذا الاعتبار قرأت رسالة البابا بشأن موضوع التوريث فى حواره المثير مع الزميل جابر القرموطى عبر برنامج «مانشيت» على قناة (on.tv)، ولعل هذه هى المرة الأولى التى يخوض فيها البطريرك فى موضوع جمال مبارك بهذا الوضوح وهذه القوة، ويلفت النظر هنا توقيت هذه التعديلات الطارئة فى رؤية البابا لمسألة الرئاسة فى مصر، حيث يأتى الحوار قبل نحو عشرين يوما فقط من زيارة الرئيس مبارك المرتقبة إلى واشنطن. ما فاجأنى فى تصريحات البابا هذه المرة هو تخليه عن الموضوعية بالمعنى العلمى وليس الأخلاقى حيث قرر أن «غالبية الشعب يحبون جمال مبارك ويفضلونه على غيره إن وجد غيره» ولا أدرى أى شعب يقصد البابا شنودة، هل هو شعب الكنيسة، أم الشعب المصرى كله؟ ومن أين جاء البابا بهذا الحكم. القاطع والجزم بأن الغالبية مع ابن الرئيس حتى يصبح رئيسا؟ هل نزل البابا إلى الشارع وسأل هذا الشعب فردا فردا عن رأيه فى مستقبل الرئاسة؟ هل لدى الكنيسة وحدة لقياسات الرأى العام أجرت استقصاء علميا انتهى إلى أن الغالبية مع جمال مبارك؟ والغريب أن البابا بعد أن يتحدث باسم الأغلبية معلنا تأييدها لجمال مبارك يعود ويقول «ولما ييجى الوقت المناسب أنا وباقى الأقباط سوف نقول رأينا» وكأن الادعاء بأن الغالبية «تفضله» ليس رأيا! ولأن النكتة بالنكتة تذكر، فإن حديث أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطنى عن رفاهية الشعب المصرى الذى يسبح فى أنهار من اللبن والعسل، لا يبعد كثيرا عما جاء فى كلام البابا، فكلاهما يتحدث عن الغالبية بما ليس فيها، إذ يرى عز ما لا يراه 80 مليون مصرى وهو أن «المصريين فى نعيم» بدليل أن أربعين مليونا منهم يعملون عبيدا فى وسية «الموبايل» رافعين شعار «تجوع الحرة ولا تتنازل عن الموبايل أو تتكلم أرضى» ويرى عز أن من علامات الرفاهية والعز أيضا ارتفاع نسبة السيارات الفارهة فى الشارع المصرى وصعود معدلات استيراد السيارات، ويبدو أن عز لا يرى من الشعب المصرى إلا من أسعدهم زمانهم وانضموا إلى لجنة السياسات، ومن لم يستطع التحق بحديد عز عضوا فى حزب «السيخ». وأتصور لو أن مواطنا أمريكيا أو فرنسيا سمع كلام عز وتعامل معه على أنه حقيقة، فلن يفكر طويلا قبل أن يصفى كل ارتباطاته فى بلده ويتقدم للحصول على الجنسية المصرية والانتقال فورا إلى مصر لمشاطرة شعبها الرفاهية والنعيم والاستمتاع بفقرات عز. إلا أن أكثر ما سيصاب به المنتقل للعيش فى رغد مصر هو الاكتئاب من جرأة البعض على التحدث باسمه والإدلاء بصوته فى انتخابات لا تعنيه ولم يذهب إليها، حتى وإن كانت الحجة أنهم لا يريدون إخراجه من جنة عز وإزعاجه بمثل هذه الأشياء التافهة.