السكون هو سمة ساحة الاستقبال فى منفذ السلوم البرى مع ليبيا، بعد أن كانت تعج بالحركة، ما بين شاحنات تحمل بضائع إلى الجانب الليبى، وحافلات ركاب قادمة إلى مصر عبر منفذ مساعد البرى، لكن جولة ل«الشروق» فى المدينة تظهر اختفاء هذا المشهد مع ما تشهده ليبيا من تحركات عسكرية، يقودها اللواء متقاعد خليفة حتفر، منذ يوم الجمعة الماضى، ويقول إنها تهدف إلى «تطهير ليبيا من الميليشيات المتطرفة»، بينما تقول الحكومة إنها «محاولة انقلابية». وما بين أبواب المنفذ الموسدة، وخلو المكان من أية حركة، وإجراءات أمنية لم تشهدها مدينة السلوم ولا المنطقة الجمركية منذ عشرات السنوات، تتوقف شاحنات نقل البضائع المصرية، التى كانت فى طريقها إلى الداخل الليبى على مسافة مئات الامتار، لحين استئناف حركة النقل البرى بين البلدين أو العودة من حيث أتوا. يقول طارق أحمد ماهر، سائق إحدى شاحنات النقل السورية، والمحملة بمواد غذائية: «ننتظر صدور قرار بفتح المنفذ البرى أو العودة إلى الداخل المصرى، لكن لا نستطيع العودة عبر هضبة السلوم، فمن المستحيل على شاحنة محملة بما يزيد على 50 طنا أن تنحدر هذا الانحدار الحاد دون أن تنقلب، ليكون مصير من بداخلها هو الموت المؤكد». ويتابع ماهر: «نأمل فى حال عودتنا أن تفتح لنا القوات المسلحة الطريق الخاص بها، والذى يلتف حول الهضبة، من دون انحدار، لنصل إلى محافظتنا بسلام». إبراهيم محمد أحمد، من مركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، هو أيضا سائق شاحنة رخام، ينتظر قرار العودة أو استكمال الرحلة إلى ليبيا. أحمد يصف ما يتعرض له سائقو الشاحنات المصرية داخل الأراضى الليبية، حيث «عصابات قطاع الطرق من اللصوص والميليشيات المسلحة وجماعة أنصار الشريعة (المتطرفة)، التى تبحث عن المسيحيين والمخالفات الشرعية». ويمضى قائلا: «كل 1000 متر نجد لجنة شريعية تستوقفنا وتبحث عن أية مخالفات من منطلق رؤيتهم هم، مثل الخمور والمخدرات، أو المسيحيين، وإذا وجدوا مسيحيا يكون مصيره القتل أو الخطف.. أما فى حال وجدوا خمورا أو مخدرات، فيصادرون البضائع الموجودة بالشاحنة». أما جمال أنور حسين، وهو سائق شاحنة من محافظة الجيزة، فيقول إن «فرض الاتاوات النقدية على السائقين هى السمة الدائمة لكل رحلات الشحنات ما بين رسوم تحليل دماء أمام بوابة كل مدينة ليبية بواقع 5 دنانير ليبية عن كل تحليل، نجد من يستوقفنا للحصول على إتاوة مرور عشرة دنانير، وإلا كان جزاء عدم الدفع هو تكسير زجاج السيارة بالحجارة أو بالآلآت الحادة». فيما يقول جاد رجب السيد إن «المصريين، دون بقية الجنسيات، لهم النصيب الأكبر من سوء المعاملة من الليبيين، وخاصة الميليشيات والعصابات المسلحة وانصار الشريعة، لأسباب لا يعرفها أحد، خاصة بعد ثورة 30 يونيو.. فى حال قيادة أحد السائقين المصريين لشاحنة سورية، تختلف لمعاملة، اعتقادا منهم أن السائق سورى وليس مصريا». الحل فى منطقة شحن وتفريغ مشتركة عربى أحمد محجوب، سائق شاحنة من الغربية، يرى أنه «فى مثل هذه الظروف يجب تفعيل الاتفاق الأمنى بين الجانب المصرى والليبى، والذى تم فى مارس الماضى، وكانت ضمن بنوده إنشاء منطقة شحن وتفريغ بضائع مشتركة بين مصر وليبيا». ويتابع: «بحيث تقوم شاحنات نقل البضائع المصرية بنقل البضائع إلى منطقة الشحن والتفريغ المتفق عليها لتقوم بعد ذلك الشاحنات الليبية بنقل البضائع إلى ليبيا، فالليبيون لن يتعرضوا إلى ما نتعرض له نحن من استفزاز وابتزاز وإرهاب وتوقيف مستمر». وبحسب أحمد حسين بدوى، سائق شاحنة من حلوان، فإن «إجمالى عدد الشاحنات المصرية الواردة من مصر إلى ليبيا يبلغ يوميا ما بين 300 إلى 400 شاحنة بضائع عبارة عن مواد بناء سيراميك ورخام وأسمنت وادوات صحية وادوات كهربائية... الخ، وهى حوالى 80% من البضائع التى تدخل ليبيا، والبقية مواد غذائية.. توقف حركة التصدير إلى ليبيا ستصيب الاقتصاد المصرى بمزيد من الركود والشلل. معاناة وفى داخل مدينة السلوم الحدودية، أسفل الهضبة، يوجد ركود تام فى الحركة الاقتصادية بعد توقف حركة المسافرين من وإلى ليبيا وحركة التجارة، التى تقوم بها شاحنات نقل بضائع التصدير. أهالى السلوم يعيشون وضع اقتصادى مأساوى. فبحسب يوسف عبد الحى القطعانى، أحد أبناء المدينة، صاحب شركة مقاولات، فإن «الوضع مأساوى، حيث يعتمد جميع سكان المدينة، وهم حوالى 30 الف نسمة فضلا عن الغرباء القادمين من محافظات أخرى ويعملون فى المدينة، على منفذ السلوم فقط والحراك الذى ينتج من حركة السفر ونقل البضائع، فضلا عن إغلاق ما بين 70 و80 مكتب تخليص جمركى وإنهاء إجراءات سفر يعملون فيها أبناء مدينة السلوم». ويبدى القطعانى تخوفه من «تزايد أعمال التهريب كرد فعل على غلق المنفذ البرى.. السلوم لا يوجد بها أى مورد اقتصادى يشتغل عليه الأهالى، فمراكب الصيد عددها محدود ولا يتجازوا ال 10 مراكب فقط، ولا يسمح بترخيص المزيد من مراكب الصيد، إضافة إلى التشدايدات الأمنية، التى أصبحت ضرورية الآن لتحقيق الأمن والامان، وهو ما كنا نرجوه لمواجهة البلطجية والخارجين على القانون». ويطالب القطعانى ب«سرعة تنمية السلوم التى تحولت إلى سجن مفتوح تحيط به البوابات والدوريات الأمنية من كل جانب واتجاه.. من الممكن أن تكون المدينة سياحية من الطراز الأول لو طبق ونفذ مشروع منتجع هضبة السلوم وسياحة السفارى والرحلات البحرية من خلال مارينا اليخوت.. وكذلك الرقعة الزراعية، التى تعتمد على مياه الأمطار والآبار، لو تم عمل عدة مكثفات لتحلية مياه البحر وهى محدودة التكلفة». ويتابع: «إضافة إلى صناعة صيد الاسماك والاستزراع السمكى.. ومن الضرورى زيادة مساحة التخطيط العمرانى للمدينة والتى ضاقت بسكانها نظرا لضيق المساحة المحددة لهم للبناء والسكن بينما باقى المساحات الصحراوية الشاسعة التى تحيط بهم محظور الاقتراب منها لاعتبارات أمنية». هو الآخر يقول خالد المعبدى، وهو سائق سيارة نصف نقل تعمل داخل السلوم، إن «جميع الأنشطة التجارية الصغيرة والمتوسطة، من كافيتريات وورش صيانة ومطاعم ومحلات بيع خضراوات وجزارة، تأثرت سلبا، وبشكل كبير، بعد توقف حركة المنفذ البري». ويمضى المعبدى قائلا إن «كنت بسيارتى الصغيرة لا أتوقف عن العمل فى نقل البضائع والمنتجات ما بين المحلات التجارية بوسط واطراف المدينة.. كان عائد سيارتى يكفى متطلبات واحتياجات الاسرة.. الآن أصبحت الحركة محدودة جدا وسوف يزداد الركود مع مرور الوقت ليتحول أصحاب الاعمال إلى عاطلين ولا ندرى ماذا يخبئ لنا المستقبل القريب». «انخفاض المبيعات إلى حوالى 70% وتقلص عدد الزبائن إلى أكثر من النصف».. هكذا يصف أحمد صلاح، صاحب مطعم مأكولات شعبية فى السلوم، الحال بعد أن كان مطعمه مقصدا لسائقى الشاحنات والمسافرين، الذين اختفوا من شوارع السلوم، بينما كانت تمتلئ بهم وبتحركاتهم ليل نهار. ويوضح صلاح أن «السلوم مدينة محرومة من أى فرص تنمية كونها مدينة حدودية عسكرية، وأتمنى أن يكون هناك تفكير حقيقى وجاد فى تنمية لمدينة التى تحملت الكثير والكثير من الصعاب». فيما يقول مصدر أمنى إن «التشديدات والإجراءات والتدابير الأمنية التى اتخذت من قبل الأجهزة المختلفة، وبالتنسيق الكامل مع القوات المسلحة، هى غير مسبوقة من حيث التشديد على الحدود برا وبحرا، بداية شمال السلوم وحتى جنوب واحة سيوة». ويتابع المصدر: «مع انتشار كثيف لوحدات المراقبة من قوات حرس الحدود واستخدام أجهزة الاستشعار الحرارى لرصد المتسللين، والذى تجاوز عددهم ال1500 متسلل من مصر إلى ليبيا خلال أقل من الثلاثة أشهر الماضية، ووذلك لما تشهده ليبيا من عمليات حرب منظمة وشاملة على الجماعات التكفيرية المسلحة والميليشيات التابعة لتنظيم القاعدة الارهابى.. هذه الإجراءات تأتى تحسبا لاحتمال تسلل اية عناصر من هولاء إلى مصر والانضمام إلى الخلايا الموجودة فى الداخل لتنفيذ أعمال ضد أبناء الشعب المصرى». ويؤكد مدير أمن مطروح، اللواء عنانى حسن حمودة، أنه «تم إعلان حالة الاستنفار الأمنى وإعلان حالة الطوارئ القصوى بطول المنطقة الحدودية الغربية الفاصلة بين مصر وليبيا.. هناك تشديدات وزيادة بإجراءات الدخول فى منفذ السلوم البرى مع تشديد وتكثيف جميع الدوريات المعنية لمراقبة الدروب والمدقات الصحراوية».