لاتزال نظرات أسر حالات مرضى الأورام القادمة من المحافظات حزينة وحائرة، يدعو لسان حالهم بالشفاء لأطفالهم الذين حرموا من اللعب، وأصبح معهد الأورام القومى بميدان فم الخليج فى قصر العينى مزارا شبه دائم لهم، يترددون عليه بشكل دورى للحصول على جرعات العلاج وإجراء الفحوصات الطبية. مبنى العيادات الخارجية بمعهد الأورام القومى استقبل فى أول أيام العمل به مئات الحالات التى جاءت من المحافظات بحثا عن العلاج، بعد تحويل جميع حالات الأطفال من المبنى الرئيسى إلى المبنى الجديد، ربما لم يهتم الأهل بالمبنى الجديد للعيادات الخارجية الذى تكلف ملايين الجنيهات وافتتحه رئيس الوزراء ابراهيم محلب، والذى يوجد به نظام الكترونى طبى لتوفير الخدمة وتسهيل عمل الطبيب، أكثر مما قد يشغلهم ما يُقدم داخل جدرانه من خدمات طبية ورعاية لذويهم من المرضى من عدمه. «الشروق» سجلت شهادات بعض أهالى المرضى الذين رووا حكايتهم مع المرض.. قالت أم حبيبة مصطفى: إنها صدمت بعد ما عرفت أن طفلتها مصابة بسرطان الدم، منذ 3 سنوات بالصدفة أثناء وجودها فى مستشفى أبوالريش للأطفال، حيث تم تشخيصها بأنها مجرد أنيميا لتكتشف بعد شهور قليلة وجود المرض الخبيث وتبدأ رحلتها معه. اضطرت أم حبيبة إلى ترك منزلها أكثر من 12 ساعة لتأتى كل أسبوعين من مدينة 15 مايو بحلوان إلى المعهد للحصول على جرعات الكيماوى، واحيانا يتم احتجازها إذا استدعت الحالة، إلا أنها اشتكت سوء المعاملة، وقالت «بيزعقوا فى العيال طول الوقت وبيخافوا منهم، المبنى الجديد شكله حلو ونضيف غير المبنى القديم اللى كانت ارضياته مغطاة بالدم.. بس ياريت يراعوا ربنا فى العيال شويه». وتابعت «اترك أولادى الثلاثة، منهم طفلة عندها 4 شهور وانتظر بالساعات أمام العيادات فى انتظار سماع اسم ابنتى للدخول للكشف، وأنا مريضة خشونة فى العظام ولا استطيع الجلوس لفترات طويلة، وتأمل أن تسرع المستشفى فى إجراءات الفحوصات لتعود إلى منزلها الذى قد تصله فى الفجر بسبب الانتظار». كما اشتكت من عدم توفر بعض الأدوية فى المعهد الأمر الذى يضطرها إلى شراء بعض الاصناف من الصيدليات، منها صنف دواء ب35 جنيها، الذى اصبح حملا على زوجها وسط مصاريف الحياة. أما والدة الطفل كارس عماد الذى يبلغ من العمر 4 سنوات، بدأت رحلتها مع مرض ابنها منذ شهرين، وهى تأتى من المنيا بصحبة أخيها، بعد معاناة مع تشخيص أطباء القرية حالة الطفل على أنها خراج على الزائدة وقبل إجراء الجراحة بساعات ذهبت إلى طبيب مسالك وأخبرها أنه ورم فى الحوض. حلم أم كارس، أن تحجز طفلها فى مستشفى سرطان الأطفال (57357) إلا أن المستشفى رفض استقباله لعدم وجود أماكن به، وسمعت أن أطباء المستشفى على قدر من الكفاءة و«المستشفى بتخلى العيال تخف وكان نفسى ابنى يدخلها». ووسط المئات من المرضى وذويهم، تجلس سيدة فى الخمسينات من العمر تبكى وتقول «أقول لابنى ايه؟.. سارة تعبت تانى»، وقالت «انا جدة سارة رفاعى طفلة عندها سنتين.. لم تر فى مصر غير معهد الأورام». سارة ولدت فى السعودية، حيث يعمل والدها مهندسا، سافر منذ سنوات بحثا عن لقمة العيش، واكتشف أن طفلته مصابة بالمرض منذ شهور، وسافرت والدته لرعاية حفيدتها بعد جراحات لتصطحبها إلى القاهرة، لتكون سببا فى أوجاعها، بعد أن صرف والدها ما يملكه لعلاج ابنته، ولم يستطع دفع ثمن تذكرة السفر له أو لزوجته لمرافقة الطفلة. وقالت السيدة وهى تحمل حفيدتها على اكتافها وسط بكاء مستمر، انها جاءت مع سارة من 21 يوما، بعد أن اجرت 4 جراحات تكلفت 70 ألف ريال، كل ما استطاع ابنها جمعه فى سنوات الغربة، وقلت نرجع بلدنا نعالجها بالكيماوى فى مصر لأن المستشفيات الحكومية فى السعودية قالوا انها لا تعالج مجانا غير السعوديين». ورغم تردد سارة وجدتها على المعهد منذ أكثر من أسبوعين، لم يتم صرف أى دواء لها بحجة انتظار المتخصص للكشف عليها، وهو ما جعل حالتها تتدهور وتحتاج إلى جراحة جديدة حولها المعهد إلى مستشفى أبوالريش لإجرائها، وقالت جدتها إنها تأتى من الحوامدية فجر كل يوم، وتضطر احيانا إلى المبيت فى مسجد بجوار المستشفى إذا احتجزت فى القسم الداخلى. جدة سارة فضلت ترك علاجها والحصول على حقن الانترفيرون للعلاج من فيروس «سى» فى المستشفى الفاطمى لتأتى مع الطفلة على أمل أن تشفى، إلا أنها اعربت عن قلقها من تأخر حالتها، وأوضحت «فى السعودية قالوا لنا لازم تاخد الكيماوى بعد العملية على طول وبقالنا 3 أسابيع وهما بيأخرونا ويقولوا اعملوا تحاليل». واشتكت أم طفل آخر، فضلت عدم ذكر اسمها، من عدم توفر جرعات الكيماوى لعلاج طفلها الذى يبلغ من العمر عامين، وأوضحت أنها جاءت المعهد أكثر من مرة واخبرها الأطباء ان العلاج الكيماوى غير متوفر وان تأتى بعد 10 أيام، وأرجعوا سبب ذلك إلى عدم وجود موارد مالية كافية أو تبرعات»، وقالت المعهد حاله حال المستشفيات كلها.. منها لله الحكومة». وبين الوجوه الحزينة وقفت ساندى محمد بابتسامة تتحدى السرطان، على باب غرفة الكشف فى انتظار دخولها، وهى تقول «انا فى سنة ثانية ابتدائى وشاطرة وبحب المدرسة وسأرجع لها مجددا»، وقالت والدتها إن ساندى مصابة بورم فى الدم من عامين وفى اول 3 شهور من اكتشاف المرض تم حجزها فى معهد الأورام، وبعد ذلك اصبحت تتردد كل شهر للحصول على جرعات العلاج. وأوضح أنهم اكتشوا اصابة ابنهم بالمرض بعد سحب عينة منه فى معهد شبين الكوم للكبد واكتشفوا وجود ورم، ومن 3 شهور انقطع عن الدراسة، وقال «المبنى الجديد حلو» لكن لا يوجد اهتمام وننتظر من 7 صباحا والدكتور يوصل بعد اذان الظهر». وفى غرفة سحب عينات الدم، جلس عمار اسامة الذى يبلغ من العمر 8 سنوات ممسكا بأيدى والدته التى تصطحبه كل أسبوع للحصول على العلاج الكيماوى وإجراء التحاليل الطبية أملا فى الشفاء من سرطان الدم، وأشارت منال عسل مسئول فى المعمل إلى أنه يتم سحب 150 عينة يوميا، وأن المكان الجديد أفضل لهم وللمريض، لأن المبنى القديم كان غير آدمى. إرشادات لاكتشاف المرض أوضح الدكتور معتصم العبادى، مدرس أورام الأطفال، أن الامراض السرطانية فى الأطفال غالبا ما تكون سرطان الدم (اللوكيميا) وسرطان الغدد الليمفاوية وأورام الرأس، وأن حدوث الأورام السرطانية قد يكون فى أى مرحلة من عمر الطفل وقد تبدأ من الطفل حديث الولادة إلى نهاية مرحلة الطفولة، محذرا من أن نمو الخلايا السرطانية لدى الأطفال أسرع مقارنة بالبالغين لسرعة نموهم، وهو ما يزيد الأمر صعوبة. ووضع د.معتصم مجموعة من الإرشادات التى قد تشير إلى إصابة الطفل بخلايا سرطانية، لأن اغلب حالات الأورام تكتشف فى مراحل متأخرة بسبب عدم وعى الاهالى وعدم اجراء الفحوصات وعدم الأخذ فى الاهتمام ان يكون مرض الطفل هو السرطان. وأشار إلى أنه يمكن ظهور علامات تنبه الاهل إلى احتمال وجود احد السرطانات لدى الأطفال، لذلك ينبغى إجراء الفحوصات الطبية الروتينية بشكل دورى، والتنبه بشكل خاص لأية علامات أو أعراض لا تبدو عادية، خصوصا إن استمرت لفترات متطاولة، دون أن تستجب للمعالجات العادية، ومن الأعراض الشائعة والتى قد تشير إلى وجود نمو ورمى وتثير القلق ظهور تضخم أو كتلة مهما كان حجمها وبأى موضع، والشحوب غير المفهوم أو فقدان النشاط. 8% من حالات الأورام فى مصر تقع بين الأطفال كشف د.حسن خالد أستاذ طب الأورام جامعة القاهرة ومسئول السجل القومى للأورام، عن أن السرطان مشكلة عالمية وقومية ويعتبر السبب الثانى للوفاة بعد أمراض القلب والأوعية الدموية، وأن أورام الأطفال تمثل 8% من العدد الكلى للأورام فى مصر وهى نسبة مقاربة للنسب العالمية. وتابع «حوالى 150 حالة جديدة كل عام لكل 100 ألف نسمة، وبالتالى هناك 110 آلاف حالة جديدة سنويا، ويتوزعوا بالتساوى بين الرجال والسيدات».