استغرق الأمر أقل من ثلاثة أسابيع كي يظهر باراك أوباما الحقيقي. فقد اتضح أنه مُصالِح ومحارب. وليست هاتان صفتين متناقضتين في شخصيته. بل إنهما تمثلان جانبين مختلفين للسياسي الذي يرى بعض القضايا على أنها أكثر قبولاً للتسوية من غيرها، ويريد من خصومه أن يعرفوا أن أسلوبه السهل لا يجعل منه خصمًا يسهل التغلب عليه. وقد ظهر الوضوح المفاجئ في أفضل كلمتين ألقاهما في هذه الفترة القصيرة من رئاسته. ألقى أوباما كلمة في إفطار الصلوات القومي يوم الخميس تضمنت تحذيرًا من استخدام الدِّين "كأداة لتفريقنا عن بعض أي كمبرر للتحيز وعدم التسامح". وأعلن أوباما أنه "منذ قرون والأديان جميعها تُضطهَد، وكل ذلك باسم الصلاح المتصوَّر". وقال إن البديل هو "تذكر أنه ليس هناك دين عقيدته الأساسية الكراهية." لم يستشهد أوباما بوصية إشعياء التي تقول إنه ينبغي علينا الجلوس والتفكير سويًّا وتلك فقرة من الكتاب المقدس مفضلة لدى ليندون جونسون ولكنها بدت في مؤخرة عقله: "لأنه من خلال الكفاح المشترك والجهد المشترك، كأخوة وأخوات، يمكننا تحقيق أسمى أهدافنا كأبناء الرب المحبوبين." وبتلك الروح دعا أوباما إلى إصلاح مبادرة جورج دابليو بوش القائمة على الإيمان وليس التخلي عنها. كان ذلك في الصباح. وبحلول المساء، عندما تحدث الرئيس إلى أعضاء البيت الديمقراطي في ويليامزبورج بولاية فيرجينيا، كان قد تخلى عن جهوده لاسترضاء الجمهوريين الذين لم تكن لديهم نية التفكير معه بشأن مشروع قانون الحوافز. ذلك أن أوباما أدار خده الأيسر بما يكفي. وقد وبخ المُدافع الذي وُلِد من جديد خصومه الجمهوريين بقوله "لا تأتوا إلى الطاولة بالحجج السقيمة والأفكار البالية ذاتها التي ساعدت على خلق الأزمة". ومضى أوباما قائلاً "لن نحصل على الغوث بالعودة إلى السياسات نفسها التي ضاعفت الدَّين القومي طوال السنوات الثماني الماضية ودفعت باقتصادنا إلى ذلك الهبوط"، مستغلاً نبرات الواعظ الحُكْمية في استنكار "الصيغة الخاسرة التي تقول إن تخفيض الضرائب وحده سوف يصلح لكل مشكلة نواجهها." لقد أطلق خطاب ويليامزبورخ قدرًا كبيرًا من صرير الأسنان عبر موجات الهواء من جانب الذين يبدو أنهم يعتقدون أن الشكل ثنائي الأحزاب أهم من الجوهر. وكان هناك رعب بشأن الاكتشاف المفاجئ بأن أوباما ديمقراطي على أي الأحوال، وأنه تقدمي إلى حد ما فيما يتعلق بهذه النقطة. ولكن هذه النبرة الجديدة عكست الشيء نفسه بشأن أوباما الذي حظي بقدر كبير من الاهتمام منذ يوم الانتخاب؛ فهو براجماتي يتبع طريقة ما ويظل يجربها حتى تصبح غير ناجحة. في البداية كان أوباما يأمل فعلاً في كسب تأييد جمهوري عريض لحزمة الحوافز الخاصة به. وقد كان ذلك توقعًا ساذجًا، بل ربما يكون دليلاً على الثقة المفرطة في قدرته على كسب أعدائه الأكثر تصميمًا. ومع ذلك فقد بدا الأمر جديرًا بالمحاولة. رغم ذلك كان معظم الجمهوريين يفضلون تلطيخ يدي الرئيس الشاب بالدم في أول مواجهة معه. وقد رد أوباما على النحو الذي طالما رد به في حملة انتخابات الرئاسية، أي بالتكيف مع الواقع غير المنتظر. ذلك أنه إذا كان الحزب الجمهوري يرغب في القتال، فهو لن يتراجع. ولا يعني هذا أن أوباما تخلى عن كل الجهود لتخفيف الصراعات التي قسمت البلاد تقسيمًا حادًّا خلال العقد المنصرم وبطرق عديدة منذ أواخر الستينيات. ولهذا السبب من الضروري قراءة خطابه الصباحي عن الدِّين مترادفًا مع شكواه المسائية. يسعد أوباما أن يشن الحرب على الاقتصاد اليميني ومديري وول ستريت أصحاب الرواتب المُبالَغ فيها. وهو لا يرغب في دخول معارك لا مبرر لها مع الذين تتسم آراؤهم بشأن الأمور الثقافية والدينية بالاعتدال أو المحافظة. وتتسم استعداداته الفطرية الثقافية بالوسطية. فسياسته ترومانية جديدة أكثر منها وودستوكية جديدة، وهي متوافقة مع فيلم It's a Wonderful Life أكثر منها مع فيلم Easy Rider. وهو يقف مع حقوق الإجهاض، ولكنه يعلن تأييده لعدد أقل من حالات الإجهاض. وهو يؤيد الحرية الدينية، ولكنه يرى أن للدِّين دورًا عامًّا مشروعًا. ويحبه جمهور شبكة إم تي في، غير أنه يعد نموذجًا للحياة الأسرية من الأرجح أن يُعرض على قناة ديزني. ولذلك فإن قرار أوباما محاربة الجمهوريين بشأن مشروع قانون الحوافز لا يعني أنه فقد استعداداته الفطرية التصالحية. بل إنه يعني أنه ليس أحمق أو جبانًا. وبينما يرغب المحافظون الثقافيون من عامة الناس في الانضمام إلى أوباما لإنهاء نزاعات الستينيات نجد أن محافظي واشنطن مغروسون في انحراف فترة الثمانينيات، حيث يصرون على أن تخفيضات الضرائب هي الأمر المهم الوحيد في الحياة الأمريكية. Washington Post writers group • خدمة جماعة كتاب الواشنطن بوست