على مدى أكثر من ساعتين ونصف الساعة، ناقش الكاتب الصحفى عبدالله السنّاوى، فى برنامجه «صالون التحرير» على فضائية «التحرير» مساء أمس، مع قيادات إسلامية بارزة، وخبراء معنيين بمستقبل التيار الإسلامى، الخريطة السياسية الجديدة لمصر وموقع الحركة الإسلامية منها. وشارك فى الصالون: الدكتور محمد حبيب النائب الأول السابق للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والدكتور كمال الهلباوى نائب رئيس لجنة الخمسين، والمتحدث الرسمى السابق باسم جماعة الإخوان فى أوروبا، ويونس مخيون رئيس حزب النور، وناجح إبراهيم المفكر الإسلامى والقيادى السابق فى الجماعة الإسلامية، وضياء رشوان نقيب الصحفيين والخبير فى شئون الحركات الإسلامية. بدأ الحديث بالهلباوى فقال إن قيادة جماعة الإخوان فى الفترة الأخيرة، هى التى انفصلت عن مشروع الدعوة الذى مثله تمثيلا صحيحا فى يقينى الإمام حسن البنا. وذلك بعدما أدركت أنه لا يمكن لى تحمّل كل ممارساتهم الخاطئة وخلف الوعود، بعد ستين سنة ونصف السنة قضيتها فى صفوف «الإخوان»، وهم الذين انفصلوا عن المشروع الإسلامى الوسطى. وقال د. محمد حبيب النائب الأول السابق لمرشد الإخوان، حتى عام 2009، عن إمكانية تغيير السيناريو الذى سارت فيه الجماعة، لو كان مرشدا لها، فرد: قبل ثورة يناير بثلاث أو أربع سنوات، زرت أكثر من 80% من شعب ومناطق الإخوان فى الجمهورية، ووضعت يدى على مجموعة من الثغرات التى تمس الفكر والفهم والخلل فيما يخص الإداريات والتربويات، وتقدمت قبل نهاية 2009 بمشروعا يعالج كل هذه الأخطاء والخطايا لمكتب الإرشاد، لكن دون جدوى، ومن الثغرات التى رصدتها، وجود حالة من التدهور القيمى والأخلاقى والإيمانى والإنسانى على مستوى القواعد، بسبب الانفصال بين القيادة والقواعد، والمناخ العام السيئ والردىء الذى كنا نعانى منه جميعا، والحالة التى وصل إليها الإخوان داخل الصف، من كذب وخلف للموعد والبيروقراطية فى الأداء، كانوا يعملون كموظفين فى الحكومة، والكثيرون كانوا يلفقون تقارير حول اجتماعات المناطق والشعب ولم تكن حقيقية بحال. وفى الوقت الذى توليت فيه مقام المرشد، أثناء الأزمة الشهيرة بين الأستاذ محمد عاكف ومكتب الإرشاد بسبب محاولة تصعيد عصام العريان، رأيت كم أن الهوة سحيقة بين قيادة الجماعة والشباب، وحين اقتحم الإخوان فى السياسة بقوة بعد ثورة 25 يناير، وبعد حصول الشعب على حريته، لم تتخذ الجماعة أى خطوات تجاه استثمار وتوظيف هذا المناخ، فى إعادة تأهيل وتربية وتثقيف الأعضاء، وبالتالى دخل (الإخوانى) بكل ما فيه من «عبل» وتدهور، على السياسة ثم بعد ذلك وصل إلى قمة هرم السلطة، لذا كنا نتوقع أن تنهار هذه السلطة وتهوى من حالق. عاد السناوى ووجه سؤالا لحبيب، قائلا: حين كنت قائم مقام المرشد، هل شعرت أن هناك تنظيما خاصا يعمل وميليشيات تُبنى وأشياء غير طبيعية ظهرت بعد ذلك؟ فرد النائب الأول السابق لمرشد الإخوان: لم تكن هناك ميليشيات، وبالتأكيد لم يكن هناك أى نوع من أنواع التعامل مع السلاح، عن صاحب القرار فى جماعة الإخوان المسلمين الآن، فقال النائب الأول السابق لمرشد الجماعة: أذكر فى منتصف الثمانينيات، حين كنا فى مجلس الشورى العالمى فى ألمانيا، تم تكليف د. يوسف القرضاوى أن ينظر فى كتاب «فى ظلال القرآن» لسيد قطب، وما يتردد حوله من شبهات، فاستغرق القرضاوى 3 أشهر، ثم عاد يقول لنا: «أنا مش عارف أعمل إيه فيما يخص الظلال، لأنه بيرشح تكفير». نصل إلى إجابة السؤال: الذى يقود الجماعة الآن هو محمود عزت، محمود ضيق الأفق بلا رؤية استراتيجية سياسية، ولكن عنده إلحاحا ومثابرة وإصرارا ودأبا. والتنظيم العالمى للجماعة عبارة عن مجلس شورى عالمى مكون من 33 شخصية قد تتصاعد بالتعيين إلى 35، بينهم 8 من مصر والبقية من الكيانات الإخوانية فى الأقطار الأخرى، ويجتمع كل 3 أو 4 أشهر حسب الظروف، التنظيم العالمى يكتسب تأثيرا وفاعلية الآن بسبب الدعم الأمريكى، لأن 30 يونيو أطاحت بالمشروع الصهيو أمريكى. توجه السناوى إلى الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور، وسأله عن علاقتهم بالإخوان وتحالفهم ثم الافتراق، فقال: عندما دخلنا المجال السياسى، اتفقنا على ميثاق شرف بيننا وبين الإخوان فى الحملات الانتخابية، وطلبنا من محمد مرسى، وكان وقتها رئيسا لحزب الحرية والعدالة، أن يكون ميثاق الشرف مكتوبا، فرفض وقال يكفى أن يكون بالكلمة، ثم فوجئنا بممارسات من الإخوان بعيدة عن السلوك الأخلاقى للفرد المسلم. وشاركناهم الحملة الانتخابية لمرسى، وفوجئنا بعد فوزه بقطع التواصل معنا وتجاهل حزب النور، حتى وصل الصدام مع القوى السياسية إلى الإعلان الدستورى لمرسى الذى كان فاجعة وقسم البلد، وتقدمنا بمبادرة سياسية فى يناير عام 2013، رحبت بها جبهة الإنقاذ فهاجمنا الإخوان واتهمونا بالعمالة والخيانة، ثم فوجئنا بإجراء الإخوان لقاءات سرية مع قادة الإنقاذ فى منازلهم، كما حدث مع السيد البدوى رئيس حزب الوفد ومحمد البرادعى. وفى قراءته لتطورات الموقف السعودى والقرار الصادر من المملكة باعتبار الإخوان تنظيما إرهابيا وتجريم تأييدها أو التعاطف معها، فقال مخيون: السعودية اتخذت قرارها، عندما استشعرت خطرا للإخوان عليها، بسبب مخطط تقوده أمريكا منذ زمن لتفتيت المنطقة لدويلات متحاربة. والسعودية تواجه مشروعا لتفكيكها إلى ست دول، وهى تخاف وتعتقد أن قطر ومن معها قد يسعون لتفكيها، حتى لا تكون هناك دولة أقوى من قطر. وتدخل المفكر الإسلامى والقيادى السابق بالجماعة الإسلامية ناجح إبراهيم، قائلا: صانع القرار الإخوانى لم يقرأ السعودية جيدا فخسرها، وأخطأ حين ابتاع السعودية بقطر. وحول قراءته للعلاقة بين الإخوان وتنظيم القاعدة؟ قال إبراهيم فرق كبير بين القاعدة والإخوان تاريخيا، لكن بعد 25 يناير ظهرت متغيرات عديدة، أولها أن 25 يناير فى مصر أعطت قبلة الحياة للتكفير عموما وللقاعدة، وأوجدت فرعا لها فى مصر، هذا هو الواقع، والذى حدث أن هناك تحالفا وتعاونا واقترابا كبيرا جدا (بين الإخوان والقاعدة)، وأرى أن صانع القرار الاستراتيجى للإخوان، أخطأ مرتين، أولاهما عندما اقترب من جماعات التكفير وتنظيم القاعدة والتحالف معها والثانية عندما خسر السعودية، بسبب فشله فى القراءة الجيدة للدول الملكية، التى تصمت كثيرا ولا تحب الردح. اتجه السناوى بعد ذلك لسؤال الخبير فى شئون الحركات الإسلامية ضياء رشوان عن الخريطة السياسية الجديدة للتيار الإسلامى، فقال: الجماعة وصلت إلى ثورة 25 يناير فى الوقت الذى كان يقودها فيه أعضاء ما يسمى بالتنظيم الخاص الذى همش ما يسمى بالتيار الإصلاحى أو المعتدل فى الجماعة. يحمل أعضاء التنظيم الخاص أفكار سيد قطب ويسعون لتطبيقها وإن لم يكن بأدواته، وأستطيع أن أسميه تيار «المسارعة»، حيث كان يريد أن يسارع بالاستيلاء على ما يعتبره الدولة، وحين حدث انهيار المشروع الإخوانى فى 30 يونيو، كان المنهج القطبى جاهزا للمرحلة الثانية وهى اللجوء إلى العنف، حيث يخوض، التنظيم معركة يظنها عقيدية، والإخوان فى تقديراتنا بضع مئات من الآلاف، لو رأيت أعداد المظاهرت فى الشوارع، ستعرف أن أغلبية الاخوان اعتزلوا الفتنة وهم الآن فى بيوتهم، والتنظيم الخاص مرتبط بعلاقة تحالف مع القاعدة. وسأل السناوى المتحدث السابق باسم الإخوان فى أوروبا، د. كمال الهلباوى، عن صورة مصر فى الخارج بعد عودته من مؤتمر لمناقشة الوضع الحقوقى المصرى فى جنيف، فرد قائلا: هناك 3 فرق عالمية موجودة، الأولى هى التى لا يعنيها لا حقوق الإنسان ولا مهتمة بما يدور فى حلقات الحوار داخل المفوضية السامية لحقوق الإنسان، المجموعة الثانية تقودها النمور الآسيوية وروسيا والصين، ووقفت إلى جانب مصر، والمجموعة الثالثة 27 دولة بقيادة أمريكا، نسيت النظرة الشاملة وركزت على ما يسمى انتهاكات حقوق الإنسان فى مصر. وأضاف التقينا مجموعة سفراء بينهم القائم بالأعمال الأمريكى، وواجهته بما فعلته بلاده فى أفغانستان والعراق وقلت لها إنه ليس لدينا جوانتانامو فى مصر، فاسود وجهه ووضعه فى الأرض. هنا توجه السناوى مجددا للدكتور كمال الهلباوى والدكتور محمد حبيب، وسألهما عن رهانهما على الشباب، فقال الهلباوى: شباب الإخوان منقسمون لثلاث مجموعات، الأولى تسمع وتطيع أوامر الجماعة باعتبارها جهادا فى سبيل الله، والثانية مجموعة يمكن وصف أعضائها بأنهم أهل «التوقف والتبين»، لكنهم أميل للمجموعة الثالثة التى أتواصل معها، والتى تدين العنف ورفضت «رابعة» مبكرا، وتبحث عن إطار رسمى يستوعبها. وتحدث الدكتور حبيب، فقال: آخر إحصاء للإخوان ما بين عامى 2004 و2005 كان 157 ألف عضو، وكان بينهم 35 ألف عضو عامل فقط على مستوى محافظات مصر، ومنذ ذلك التاريخ وحتى 2010 زاد العدد لكن الزيادة كانت فى الكم وليست فى الكيف، وهذا ما رصدته، حيث حصل تدهور قيمى، وتقديريا فإن العدد كله الآن لأعضاء الجماعة لم يتجاوز 250 ألفا منهم ناس موجودون فى السجون ويبلغ عددهم تقديريا فى حدود عشرين أو واحد عشرين ألفا، وهرب إلى الخارج ما يقرب من خمسة إلى تسعة آلاف، ومن يتظاهرون فى طول البلاد وعرضها لا يتعدوا خمسة آلاف، إذن فأنت تتكلم عن 215 ألفا تقريبا لا يشاركون لا فى مظاهرات ولا فى ظهور ومن مستويات وشرائح متعددة، هؤلاء إما أنهم لا يشاركون قناعة بعدم جدوى التظاهر وما يصاحبه من تدمير أو خوف من النزول فيقبض عليهم أو أن يصفوا جسديا، لكن أحسب أن هؤلاء متأثرون ويتعاطفون مع إخوانهم الذى وقع عليهم غبن فى رابعة وفى غيرها، وهذا يحتاج مننا بالفعل أن تكون هناك مداخل لابد أن نطرقها، فهؤلاء ليسوا قماشة واحدة، ومن بينهم من تتغلغل ثقافة السمع والطاعة والثقة المطلقة فى القيادة فى أعمق أعماق فؤاده، والقسم الثانى غير راضٍ لكن عدم الرضى لا يتجاوز الهمس دون البوح، والقسم الثالث يبوح بما يعتمل فى صدره. هناك فكر موجود يحتاج للعلاج، سواء فى النظر للأوطان أو لمؤسسات الدولة، لأن فقه التوازنات والمآلات غائب، والشباب غلبان، وإذا كان هناك فكر صحيح فيوجد فهم خاطئ وممارسة أكثر خطأ، أين العدالة الانتقالية، أين قتلة الثوار فى 25 يناير أثناء المجلس العسكرى وأيام مرسى؟، وكان مرسى نفسه يدافع عن الداخلية، وكان يقول عن الشرطة انها عبرت مع الثورة، حتى تهيئ المناخ للتعامل مع الشباب، لابد من تصفية بؤر الإرهاب أولا، وثانيا التعامل بحسم مع المظاهرات والحرق والتدمير ثم تهيئة المناخ للشباب الراغب فى التصالح لكن أنا أعتقد أن الشباب يعول كثيرا على موجة العنف والإرهاب ويراهن على الدعم الأمريكى والانهيار الاقتصادى، يوم أن تصفى العنف والإرهاب وتقف الدولة ومؤسساتها على قدم راسخة وتتعافى المسألة الاقتصادية، سيفقد الشباب الأمل فى عودة ما كان موجودا، وفى هذه الحالة يمكن أن يتم التفاهم مع الشباب. وعاد السناوى لرئيس حزب النور مرة أخرى وسأله عن توقعاته لحصة الحزب فى الانتخابات البرلمانية وموقفهم من مرشحى الرئاسة المحتملين، فقال مخيون: فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، نرى أن النظام المختلط من القوائم والفردى أفضل، فالقوائم ستعطى فرصة لمشاركة الشباب، وسأله السناوى مجددا: لو أجريت الانتخابات بنسبة 50% بالنظام الفردى و50% بنظام القوائم، كم ستقل نسبتكم فى البرلمان عن أول برلمان شاركتم فيه بعد الثورة؟ فقال مخيون: الخريطة السياسية تغيرت وصعب جدا أن يتوقع أى حزب ما سيحدث، نتيجة لما نحن فيه، والإخفاق الكبير للإخوان، لا يتحمله التيار الاسلامى والإسلام برىء منه، وأعتقد اليوم أن وقوف الإخوان ضد أى أحد هو لصالحه، وبخصوص الانتخابات الرئاسية، فموقفنا أننا لن نبدى رأينا فى أى من المرشحين قبل غلق باب الترشح. وتحدث القيادى السابق فى الجماعة الإسلامية ناجح إبراهيم، عن موقفها من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ودورها فى «تحالف الشرعية»، فقال: فريق كبير فى الجماعة الإسلامية يرى أن دخولها فى التحالف أضر بها، وفريق آخر وهو القيادة ممثلة فى الشيخ عصام دربالة يرون ضرورة البقاء فى التحالف، وعمليا، لا فرد فى الجماعة الإسلامية يشارك فى أى مظاهرة، والجماعة لديها نحو 100 عضو فى السجون حاليا، و30 على ذمة قضايا بعضها جنائية، وعليها أن تدرك موقفها، كما أن كثيرين من قادتها هربوا للخارج منهم طارق الزمر والشيخ رفاعى طه، وعاصم عبدالماجد، فضلا عن المسجونين، والمطلوبين. الجماعة الإسلامية فى مأزق، وممزقة بين موقفها الأدبى بعدم القدرة على ترك «تحالف الشرعية»، وواقعيا حيث لا يشارك أى من أبنائها فى أية فاعليات.