استقرار أسعار الدواجن رغم زيادة البنزين.. وتوقعات بارتفاع طفيف خلال الشتاء    وزير الشؤون النيابية: البرلمانات العربية والآسيوية تتحمل مسؤولية مراجعة منظوماتها التشريعية    الرقابة المالية تستعد لتطبيق المشتقات بالبورصة المصرية في 2026    24 أكتوبر 2025.. أسعار الذهب تهبط 25 جنيها إضافيا وعيار 21 يسجل 5500 جنيها    روبيو: الضم الإسرائيلي للضفة الغربية يهدد عملية السلام برمتها    مبعوث بوتين يجري مباحثات مع إدارة ترامب في واشنطن    ترامب: لن نطلب موافقة الكونجرس لشن هجمات على عصابات المخدرات    مواعيد مباريات الجمعة 24 أكتوبر 2025.. الزمالك وميلان وكلاسيكو السعودية ومصطفى محمد    آس: رافينيا خارج الكلاسيكو ومدة غيابه تمتد لشهر    محمد وهبي - مُعلم خجول أصبح بطلا للعالم.. ورحلة خاصة ل فهم اللعبة واكتشاف المواهب    بالفيديو.. هدف بن شرقي ينافس على الأفضل في الجولة ال11 للدوري    مصرع 4 عناصر جنائية شديدة الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع الشرطة    مصرع ربة منزل على يد زوجها بشبرا الخيمة إثر خلافات أسرية    لأول مرة.. مهرجان الموسيقى العربية يعزز نجاحه المحلي وينطلق دوليًا بثلاث حفلات بالإمارات    تعرف على الفئات المعفاة من رسوم دخول المتحف المصري الكبير وأسعار التذاكر    الجدل يتجدد في أمريكا حول إلغاء التوقيت الصيفي واعتماد توقيت دائم    نائب أردني سابق: الخلافات الفلسطينية ليست جديدة لكنها اليوم أمام مفترق تاريخي حاسم    انتخابات مجلس النواب 2025.. تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تعلن أسماء مرشحيها    انطلاق القافلة الدعوية المشتركة بين الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء المصرية إلى شمال سيناء    تداول 13 ألف طن و604 شاحنات بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    قناة كان الإسرائيلية: الشرطة تستعد لاحتمال تسليم حماس جثتي أسرى إسرائيليين    قطر: نجاح اتفاق إنهاء الحرب في قطاع غزة مسئولية جماعية    محافظ أسيوط يشدد على إزالة الإشغالات والتعديات لتحقيق الانضباط    جمارك مطار أسيوط تضبط تهريب كمية من مستحضرات التجميل    أمن القاهرة يوجه ضربات حاسمة لعصابات السرقة    فيديو.. مُسيّرة إسرائيلية تستهدف سيارة في جنوب لبنان    "سنودس النيل الإنجيلي" في مؤتمر مجلس الكنائس العالمي: مصر أرض الإيمان والسلام    فيلم "فيها إيه يعني" يتراجع ويحتل المركز الثاني في شباك التذاكر    وزارة الصحة تعلن محاور المؤتمر العالمي للسكان والتنمية البشرية    نائب وزير الصحة يوجه بإحالة مدير مستشفى حلوان العام إلى الشئون القانونية    «التأمين الشامل» يواصل تسجيل وتحديث بيانات المواطنين في أسوان لضمان وصول الخدمات لكافة الأسر    إصابة شاب في تصادم سيارة بسور استراحة محافظ مطروح    عالم أزهري: أكثر اسمين من أسماء الله الحسنى تكرارًا في القرآن هما الرحمن والرحيم    إعدام 187 كيلو مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك خلال حملات تموينية في أسوان    جذوره تعود لآل البيت.. من هو إبراهيم الدسوقي بعد تعليق الدراسة أسبوعًا بسبب مولده؟    من العدم إلى الخلود.. الداعية مصطفى حسني من جامعة القاهرة: الإنسان يمر ب4 مراحل (تفاصيل)    بعثات أثرية فرنسية وإيطالية تواصل أعمالها فى مناطق آثار الفيوم    أبراج تشارك حياتها الخاصة مع متابعيها على السوشيال ميديا.. أبرزهم برج الحمل    أشعل سيجارة أثناء تفريغ البنزين.. حريق ورشة بالعجوزة يودي بحياة سيدة وابنتها ويصيب الزوج بحروق    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. وحكم الاستماع إليها من الهاتف    سر ساعة الإجابة يوم الجمعة وفضل الدعاء في هذا الوقت المبارك    أفضل الأدعية والأذكار المستحبة في يوم الجمعة وفضائل هذا اليوم المبارك    وزيرة التنمية المحلية: إزالة أدوار مخالفة في حي الزيتون بالقاهرة واتخاذ إجراءات قانونية حازمة تجاه المخالفين    أوسكار رويز يطير للإمارات 4 نوفمبر لحضور مباريات السوبر المصرى    الوزير: افتتاح مصنع جديد في صناعة الضفائر الكهربائية للمركبات قريبا    مجلة فوربس: رئيس الرعاية الصحية ضمن أبرز 10 قادة حكوميين بالشرق الأوسط لعام 2025    الأزهر يجيب.. ما حكم صلاة المرأة بالبنطلون ؟    «النيابة الإدارية» تشرف على انتخابات «الزهور» بالتصويت الإلكتروني    خطة مانشستر يونايتد لضم نجم نوتنجهام فورست    وزير الدفاع ورئيس الأركان يلتقيان رئيس أركان القوات البرية الباكستانية    هل تم دعوة محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يحسم الجدل    فرق سلامة المرضى تواصل جولاتها الميدانية داخل الوحدات الصحية ببني سويف    آخر فرصة للتقديم لوظائف بشركة في السويس برواتب تصل ل 17 ألف جنيه    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    فردوس عبدالحميد: كنت خجولة طول عمري والقدر قادني لدخول عالم التمثيل    «مبحبش أشوف الكبير يستدرج للحتة دي».. شريف إكرامي يفاجئ مسؤولي الأهلي برسائل خاصة    المشهراوي: لا بد من إطلاق إعمار غزة سريعًا لتثبيت صمود الشعب    «طال الانتظار».. الوداد يعلن التعاقد مع حكيم زياش رسميا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حماس ليست غزة.. وغزة ليست فلسطين
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 03 - 2014

قبل أسبوع، كان العالم كله يحتفل «بيوم المرأة»، والمناسبة عالمية «عولمية»، كمثل هذه المناسبات التى تتجاوز طقوسها الاحتفالية، إلى ما يتجاوز ذلك من تعبير عن موقف «إنسانى» ورأى من هذه القضية أو تلك.
ولأنه لا أحد فى العالم كله يختلف حول مدى معاناة المرأة «أما، وبنتا، وزوجة، وطالبة علم» فى فلسطين «المحتلة». أكرر: «المحتلة»، فقد كان طبيعيا ومنطقيا أن يقرر نفرٌ من النساء الناشطات فى مجال الدفاع عن حقوق المرأة الذهاب إلى غزة «المحاصرة» كتعبير «سلمى» عن التضامن الإنسانى مع اللواتى يعانين هناك. النسوة يشكلن منذ زمن ما أسمينه «التحالف النسوى ضد حصار غزة» Femmes Contre le Blocus de Gaza والتحالف تقوده الصحافية الفرنسية المخضرمة Olivia Zemor وهى كانت قد أنشأت حركة أوروبية تدعو «للسلام العادل فى الشرق الأوسط» تعرف اختصارا باسم CAPJO ويذكر أن التحالف النسوى يضم بين عضواته المجاهدة الجزائرية التى احتضنتها مصر عبدالناصر إبان الثورة الجزائرية جميلة بوحيرد والتى تقترب من الثمانين فى العمر.
بقية قصة الوفد النسوى الذى ضم عشرات بينهن الأيرلندية Mairead Maguire الحاصلة على جائزة نوبل للسلام (70 عاما) معروفة. فالسيدات اللواتى لا علاقة لهن بالإخوان المسلمين، ولا حماس، بل وجلهن من غير المسلمات أصلا احتجزن فى مطار القاهرة، ومنعن من دخول مصر التى لا بديل «عمليا» لعبورها للوصول إلى غزة.
أيا ما كانت تفاصيل القصة، فقد كانت خبرا تصدر أخبار وسائل الإعلام الأوربية يومها، كما كان له مردوده الذى ربما لا يدركه أولئك الذين لم يدركوا بعد قوة مؤسسات المجتمع المدنى فى الديموقراطيات الحديثة. (يذكر فى هذا السياق أن إحدى تلك المنظمات هى التى أجبرت الخارجية الفرنسية على التوقيع على بيان الدول الأوروبية ال27 الأخير والمقلق بشأن حقوق الإنسان فى مصر)
كان من الممكن لخبر الواقعة هذا أن يمر، كما تمر مثله أخبار تكاد تكون يومية تكشف عن أن هناك من لا يدرك كلفة ما يتخذه من قرارات. (وهى شكوى أظنها تكاد تكون يومية، وإن على استحياء «دبلوماسى» فى برقيات سفاراتنا فى الخارج). إلا أن معالجة إعلامية مصرية للخبر وللواقعة ترافق معه ما أعلن من قرار قضائى؛ نعلم جميعا أن مردوده السياسى والإعلامى يتجاوز بكثير جدا ماله من أثر قانونى عملى قفزت بعناوين مثل «حماس... وغزة... والأمن القومى المصرى» إلى الواجهة، لتصبح عناوين تحتاج إلى «إعادة» إيضاح ومصطلحات تحتاج إلى تحرير. بعد أن بدا أننا لم ننتبه إلى أن الشظايا المتناثرة خاصة إعلاميا لمعاركنا «الصغيرة» ربما تصيب للأسف مفاهيم للأمن القومى حفرتها عوامل الجغرافيا، وخطَّتها حروف التاريخ وتجاربه.
•••
فى الملف المهم، أوراقٌ تبعثرت، وأخرى تضرجت بدماء بريئة لجنود أو مدنيين مصريين، كما اختلطت بدعايات «شعبوية» فجة لا تتردد فى الكذب أو الافتراء على حقائق وسياقات. فى الملف باختصار، كل آثار المعارك «الداخلية» الصغيرة لما بعد 25 يناير. ولكن فى الملف أيضا قبل يناير، وبعدها. وقبل الثلاثين من يونيو، وبعدها. بل وقبل حماس وبعدها. عدد من حقائق الجغرافيا والتاريخ لا يغيرها أى من تلك التواريخ أو العناوين، كما لا يغيرها اسم من فى القصر هنا أو من يحكم القطاع هناك، وهى حقائق أشرنا إلى بعضها فى هذا المكان من قبل. وربما لا جديد فيها غير «التذكير بها». وربما كانت «الحاجة» إلى إعادة التذكير بمثلها، تبين ما وصلنا إليه من «تشويش فكرى وإعلامى» أخشى أن يؤثر على بوصلة «أمننا القومى»:

1 إن قصة 23 يوليو، التى يستدعى البعض شعبية رموزها اليوم لسبب أو لآخر، والتى مازال الإخوان من جانبهم يسمونها «انقلابا» بدأت فعليا فى «الفالوجة». ولمن لا يعرف، أو نسي فالفالوجة هى بلدة فلسطينية تقع فى قضاء غزة، أصبحت علامة فى التاريخ المكتوب للحروب العربية الإسرائيلية، بعد أن حوصر فيها ومع أهلها «الغزاويين»، إبان حرب النكبة الأولى 1948 عدد من أفراد الجيش المصرى يقودهم الضابط النوبى المصرى سيد محمود طه الملقب «بالضبع الأسود» ومن بين مجموعة الضباط تلك التى ضمت اليوزباشى جمال عبدالناصر تكونت النواة الأولى لتنظيم الضباط الأحرار الذى قام بعد ذلك بثورة 23 يوليو 1952.
2 إن حسابات الأمن القومى المصرى، منذ الفراعنة تعرف الامتداد الشرقى، وأن الاستهانة أو الاستخفاف بما يؤثر على هذا الملف؛ جموحا كان «من هذا الفصيل أو ذاك»، أو تصفية لحسابات سياسية داخلية «مع هذا أو ذاك»، أو حتى لمجرد الحفاظ على المشاعر محتقنة تجاه هذه «الجماعة» أو تلك. هو ضرب من ضروب المراهقة السياسية.
3 صحيح أن «جموح المشاريع» ونشوة الوصول إلى القصر، ربما أخذت الإخوان «أو فريقًا منهم» بعيدا عن اعتبارات الحكمة ومقتضيات العصر، فكان منهم من استهان غير مرة بما من شأنه أن يسحب الفلسطينيين إلى غير معركتهم. بل ولا أظننى مبالغا إلى حيث لا يطيقون، إلا أن ذلك لا ينفى أبدا أن الاعتبارات الثابتة للأمن القومى تظل كما هى، مهما فعل هذا الفريق أو ذاك.
4 إن العدو، الذى أرجو ألا ننساه وسط «معاركنا» الصغيرة، سيظل هو «المشروع الصهيونى» ونتاجه، مهما حاول المحاولون الترويج الممنهج والمنظم لعداوات أخرى تقتات على هويات دينية وتاريخ طائفى.
5 إن هناك من يعمل على استكمال خطته الدءوب لقلب الصفحة الأخيرة فى الخرائط الجيوبوليتية للنصف الثانى من القرن العشرين، بما فيها الصراع العربى الإسرائيلى (هناك صراعات أخرى مرشحة جرى التمهيد لها بنجاح منقطع النظير).
6 إن «القضية» والعدو تعريفا وحسابا لأمننا القومى لا بد أن تظل بعيدا عن خلافاتنا الداخلية. وعلى الجميع؛ هنا «وهناك»، على هذا الجانب من الحدود أو ذاك أن يدرك ذلك جيدا. مهما كانت مراراته، ومهما ضللته حسابات اللحظة «الراهنة» أو أعماه غبارها.
7 وعليه، أكرر وألح: فرغم حقيقة علاقة حماس «الفصيل» بالإخوان «الجماعة»، فإن الموقف السلبى المتصاعد فى مصر تجاه الإخوان؛ إن رسميا أو شعبيا أو إعلاميا أو داخل الجهات ذات العلاقة، لا ينبغى أن ينسحب أبدا لا على حماس «كحركة مقاومة». ولا على غزة «امتدادنا الشرقى الطبيعى»، ولا على قضية، هى بحكم التاريخ والجغرافيا قضيتنا «وركن أساسى فى أمننا القومى» قبل حماس وبعدها.
•••
يبقى أن من المصريين من يذكر بلا شك أن الحملة الأعنف على قطاع غزة «الرصاص المصبوب» (ديسمبر 2008)، والتى راح ضحيتها 1285 فلسطينيا من بينهم ما يزيد على التسعمائة من المدنيين كانت فى اليوم التالى لزيارة وزيرة خارجية إسرائيل فى ذلك الوقت تسيبى ليفنى لمصر مبارك. كما يذكر المصريون أن الإعلان الدستورى المشؤوم (نوفمبر 2012) والذى كان حجر الزاوية فى الطريق إلى ما صرنا إليه، كان فى اليوم التالى لساعات طويلة قضتها هيلارى كيلنتون وزيرة خارجية واشنطن فى قصر الاتحادية، قبل أن تصل إلى اتفاق، كانت قد جاءت من أجله يمنع إطلاق الصواريخ من غزة، وتضمن مصر الإخوان تنفيذه.
ظلال «الضوء الأخضر» بدت فيما حُكى هنا وهناك عن المناسبتين الزيارتين فى مفارقة تكشف تأثرا وتأثيرا واقع المعادلة المحكومة بعمق التاريخ وهضاب الجغرافيا.
ثم يبقى أن أشير إلى أننى حينما شرعت قى كتابة هذا المقال، عدت إلى مقالين عن اعتبارات الأمن القومى المصرى، أحدهما للأستاذ محمد حسنين هيكل فى مجلة Foreign Affairs يوليو 1978، أشار إليه أيضا فى حديثه «للجزيرة» يناير 2008 والثانى للمستشار المؤرخ طارق البشرى («وجهات نظر»: يونيو 2002) ولم أجد ثمة اختلافا بين الأستاذين، على تباين مدارسهما الفكرية حول ما يمكن أن يعتبره المصريون معايير لأمنهم القومى. خصوصا فيما يتعلق «بالمحور الشرقى» الذى أشار هيكل إلى أهمية ما يربطنا به من روابط الدين واللغة والفكر والثقافة، وإلى أن الخطر الإسرائيلى الأول كان واقعيا فى قطع تلك الروابط. فضلا عن تأكيده على حقيقة أن الأمن القومى «ليس اختصاص الرؤساء، وليس اختصاص الملوك» بل هو ملك لكل الناس. فى حين أضاف البشرى أن مسائل الأمن القومى وعلى رأسها بالنسبة لنا هذا الصراع العربى الإسرائيلى، «لا تتباين فيها مصلحة جماعة المواطنين عن مصلحة الدولة»، مشيرا إلى محاضرة قديمة كان يلقيها المؤرخ العسكرى اللواء المرحوم حسن البدرى، عن الصراع العربى الإسرائيلى، بدت له ولنا ذات صلة بالموضوع.
•••
وبعد..
فقد كنت قد كتبت هنا، قبل حوالى العام (24 مارس 2013) أنبه من كانوا فى الحكم وقتها إلى أن فلسطين ليست غزة، وغزة ليست حماس. ولعلى اليوم للمفارقة أحتاج إلى أن أنبه من بيدهم الأمر، فضلا عمن بيدهم الأقلام، إلى أن حماس (أجرمت أو أحسنت) ليست غزة. وغزة ليست فلسطين. وأن المعايير الجيوستراتيجية للأمن القومى لا تتغير هكذا بين يوم وليلة.
روابط ذات صلة:
في الدفاع عن «القضية»
غزة، ومصر .. القصة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.