قرأت فى إحدى الصحف أن السيد وزير الكهرباء السابق طالب بفتح باب استيراد الغاز وإلا سيكون لدينا مشاكل كبيرة الصيف القادم، ولإعطاء خلفية تاريخية للقارئ عن المسألة نقول إن مصر فى عام 2004 ولدت 80% من محطات الكهرباء الحرارية باستخدام الغاز الطبيعى. وكان هذا هو القرار الصحيح. ومع زيادة استهلاك الكهرباء والغاز الطبيعى فى مصر فى السنوات العشر الماضية فقد زاد احتياج الصناعة والكهرباء لكميات إضافية من الغاز. ونظرا لعدم إتاحة هذه الكميات نتيجة عدم زيادة الإنتاج بالصورة المتوقعة، فقد أصبح قطاع الكهرباء يستخدم حوالى 24 مليون طن غاز طبيعى بالإضافة إلى حوالى 5٫5 مليون طن مازوت. وهذا وضع خطأ. كان القرار الصحيح هو استيراد الغاز فالسعر العالمى من الغاز يتراوح بين 12 دولارا و14 دولارا للمليون وحدة حرارية بينما سعر المازوت يبلغ حوالى 18 دولارا للمليون وحدة حرارية وسعر الديزل (السولار) يبلغ حوالى 24 دولارا للمليون وحدة حرارية. وما زاد المشكلة تعقيدا أن كثيرا من المصانع استخدمت فى العامين الماضيين مولدات كهرباء تعمل بالديزل. وهو أحد أسباب ارتفاع استهلاك الديزل فى مصر. القرار الذى كان ينبغى اتخاذه منذ ست سنوات هو بيع المازوت لتموين السفن واستيراد الغاز. ولتقريب الوضع للقارئ تصور سيدى القارئ أنك فى غابة مملوكة لك ولديك شجر جازورينا وشجر تيك (وهو من أجود أنواع الخشب) وتريد أن تتدفأ فأى نوع من الشجر سوف تقطعه لتتدفأ به؟ طبعا سوف تتدفأ ببعض قطع شجر الجازورينا لاستخدامه كمصدر حرارى باعتباره الأرخص. نحن فى السنوات الست الماضية نتدفأ بقطع شجر التيك وهو السفه نفسه. وبحسبة بسيطة فإننا لو صدرنا 7 ملايين طن مازوت واستوردنا 6٫5 مليون طن غاز (وهو المكافئ الحرارى) فإننا نكون قد وفرنا مليار دولار سنويا. كل مرة تسمع فيها سيدى القارئ أننا نستخدم المازوت فى توليد الكهرباء أو فى الاستهلاك الصناعى (مثل صناعة الأسمنت) نكون سائرين فى الطريق الخطأ. ولو سمعت سيدى القارئ أننا نستخدم الديزل فى توليد الكهرباء فهى مصيبة. هذه الأرقام صحيحة ويجب أن تكون مصدر إلهام. لأن هذا معناه أننا يمكن أن نخفض عجز الموازنة بحوالى 8 مليارات جنيه وعجز الميزان التجارى بمليار دولار سنويا. أو بصورة أخرى يمكننا استيراد كميات إضافية من الغاز لتوفيرها للصناعة بدون وضع ضغوط إضافية على الميزان التجارى. إن فتح الباب لاستخدام الفحم أصبح ضرورة ملحة مع وضع الضوابط البيئية الصارمة ولكن لن يغنى ذلك عن استيراد الغاز لأن كميات المازوت المستخدمة حاليا والتى يجب تصديرها أو إعادة تكريرها بصورة مركبة (complex Refining) كبيرة. كما أن عجز الطاقة فى مجال الصناعة أصبح يهدد التنمية الصناعية. كما أن تنمية حقول الغاز واكتشاف حقول جديدة يستغرق وقتا طويلا ويجب أن يسير بالتوازى. إن وضع إستراتيجية جديدة للطاقة تشمل كل مصادر الطاقة والطاقة البديلة والمتجددة والطاقة النووية أصبح أمرا غاية فى الأهمية حتى لا يأتى كل وزير ويؤجل قرارات صحيحة تحت ضغوط قرارات خاطئة اتُخذت منذ سنوات، إن السيد وزير البترول الحالى من أكفأ الوزراء ولكنه مكبل بقرارات تم اتخاذها خطأ من حوالى عشر سنوات (ولا أزيد). والمشكلة زادت تعقيدا لأن كميات الغاز المنتجة انخفضت فى السنة الماضية. إن وزير الكهرباء السابق ألقى بالمشكلة فى ملعب وزير البترول لنقص الغاز (وهذا صحيح خاصة فى ضوء افتتاح 3 محطات جديدة قبل الصيف القادم من جهة وانخفاض كميات الإنتاج من الغاز من جهة أخرى) ووزير البترول يضع المشكلة عند وزيرة البيئة لعدم موافقتها على استيراد الفحم لاستخدامه فى صناعة الأسمنت (وهذا سيأخذ ما بين سنة وسنتين على الأقل) ووزيرة البيئة خائفة من الحمل البيئى الناتج عن استخدام الفحم والمجتمع يدفع الثمن فى صورة استثمار صناعى أقل ومعدلات بطالة مرتفعة. وأخيرا فإن ما لا يجب قبوله على الإطلاق هو ألا تكون هناك طاقة للاستثمار الصناعى الحالى أو القادم.