هو رجل فى وضع حرج يتقرر بعده مصيره. ألغازه ماثلة فى المشهد السياسى المحتقن وألغامه ظاهرة على الطريق. بصورة شبه نهائية أعلن توجهه للترشح الرئاسى، لكن معلومات أخرى تشير إلى اتصالات معه قد تفضى إلى التراجع عن الفكرة كلها. لا توجد أمامه فرص كبيرة لحصد المقعد الرئاسى، فقاعدته الانتخابية محدودة قياسا على ما يتمتع به منافسوه الرئيسيون. التكهنات تتحدث عن دعمه انتخابيا من جماعة الإخوان المسلمين لكنه ينفيها جازما. السؤال يراوح مكانه: بأى رهانات إذن يتقدم للترشح الرئاسى؟ هناك قضيتان كبيرتان فى ظلال ترشحه. أولاهما تتعلق بالقوات المسلحة وما قد يترتب عن ترشحه أمام المشير «عبدالفتاح السيسى» من آثار سلبية على الجو العام فيها. ثانيتهما تدخل فى أجواء الحرب مع الإرهاب التى تحاصر اتهاماتها الجماعة التى قد تقف فى صفه الانتخابى. الظلال يصعب تمددها فى الحالتين إلى مستويات الخطر. أعلن توجهه للترشح فى توقيت متزامن مع استهداف حافلة سياحية بجنوب سيناء. أشلاء الجثث فى المكان بدت ضربة موجعة يصعب التهوين من تأثيراتها السلبية على السياحة المصرية التى عانت بفداحة طوال ثلاث سنوات. فى اليوم نفسه أعلن تحالف «دعم الشرعية» توجهه للمشاركة فى الانتخابات الرئاسية لا مقاطعتها وأنه يبحث عن مرشح لا يكون هو المشير «السيسى» ولا منافسه «حمدين صباحى» الذى وصفوه بأنه يدعم الانقلاب. تزامن الحوادث يخرج عن نطاق مسئوليته وتوجهه للترشح الرئاسى حقه الدستورى الذى لا يصح لأحد أن يمارى فيه، فالانتخابات الديمقراطية تقتضى التعدد والتنافس وحق الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وحدها.. لكنه لا يمكن إغفال الأسئلة المعلقة فى الفضاء السياسى القلق عن طبيعة القوى التى يستند إليها فى حملته الانتخابية المتوقعة. سؤال الإرهاب يلاحق سؤال ترشحه فى السياقات الملتبسة. حادث طابا الذى رافق يوم ترشحه لم يكن ضربا عشوائيا بغير هدف سياسى قصده وتوقيت ألم بحقائقه. هناك من خطط ويعرف أين يكون الوجع وهو باليقين ليس شابا غرر به وفجر نفسه وسط حافلة تقل سياحا كوريين جاءوا للحياة ومباهجها لا للموت ووحشيته ولا ذنب لهم فى القصة كلها. فى الحرب مع الإرهاب لا خطوط حمراء والأهداف مفتوحة بقدر ما توجع غير أن استهداف سياح أجانب لأول مرة منذ (30) يونيو يؤشر إلى نقلات أخرى محتملة على خريطة العنف والسياسة. وهذا هو التحدى الأخطر فى تقدمه للترشح الرئاسى والأجواء الغامضة التى تحيطه. السؤال الرئيسى هنا: لماذا إذن امتنع الإرهابيون عن توجيه ضربات مماثلة منذ (30) يونيو إذا كان الهدف إلحاق أكبر ضرر ممكن باحتمالات عودة السياحة لتعافيها؟ لم يكن استهداف السياحة على رأس أولويات جماعات العنف لحالتها المترنحة التى كادت تقارب الموت السريرى والدول الكبرى المصدرة للسياحة تحذر رعاياها من السفر إلى المناطق غير الآمنة وبعض دوافعها سياسية للضغط على أعصاب السلطة الجديدة وأزمتها الاقتصادية المتفاقمة. فى الحرب مع الإرهاب ضعفت تدريجيا قدرة جماعات العنف على تهديد الدولة فى مستقبلها وأخذت السياحة تعود إلى شىء من تعافيها. الضربة الإرهابية الجديدة تعبير عن شىء من اليأس من كسب الحرب مع الدولة وشىء آخر من الرهان على إلحاق أكبر ضرر بالخريطة السياحية المصرية كلها. فى الحرب المفتوحة فإنه من غير المستبعد أن تنتقل العمليات النوعية إلى مستوى آخر يستهدف هذه المرة إعلاميين وسياسيين على رأسهم منافسوه فى السباق الرئاسى. حتى هذه اللحظة تجنبت جماعات العنف الإقدام على مثل هذه العمليات خشية تأثيرها السلبى الفادح على مستقبل جماعة الإخوان المسلمين. لاحتمالات استهدافه أثناء الانتخابات الرئاسية فمن غير المتوقع بحسب معلومات شبه مؤكدة أن يخوضها المشير «السيسى» على النحو الذى سوف ينتهجه منافسوه، لن يذهب لمؤتمرات عامة أو يشارك فى فاعليات انتخابية. من الناحية الأمنية فإن سلامته فى عهدة الجيش بعد أن يغادر موقعه.. ومن الناحية السياسية فإن الاحتجاب النسبى يفضى إلى غموض والغموض يدفع إلى تساؤلات تنال من صورته. وهذه مسألة تتجاوزه إلى حق المجتمع فى التعرف على رؤيته قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع. فى تقدمه المرجح للترشح الرئاسى فإن الفريق «عنان» يجد نفسه حائرا بين طموحاته السياسية ومطبات تعترض طريقه. يجد فرصه الجدية فى تحالف ضمنى مع جماعة الإخوان المسلمين لكنه تحالف يجر عليه مصاعب يصعب تحملها. احتياجاته التنافسية تدعوه للبحث عن قاعدة انتخابية توفر له القدرة على المنافسة وتعقيدات موقفه تستعجل أن يبتعد بقدر ما يستطيع عن أية ظنون وشكوك فى طبيعة تحالفاته الانتخابية أو أن تكون مع جماعة تناهض الجيش الذى كان الرجل الثانى فيه وتصف انحيازه للإرادة الشعبية فى (30) يونيو بأنه «انقلاب». لا يتحمل مسئولية الدم على أى نحو لكن ترشحه قد يدفعه إلى توفير غطاء سياسى جديد للجماعات الموغلة فى العنف. لا توجد مخاوف حقيقية على سلامة الجيش ووحدته لكن طرح الرهان فى السوق السياسية لا يمكن تقبله داخله. القضية ليست أن يترشح أو لا يترشح. القضية فى القواعد التى تحكم الانتخابات من حيث مستويات نزاهة إجراءاتها وسلامة حملاتها من أن تنجرف إلى تعريض بالجيش أو إساءات شخصية متبادلة. مشكلة ترشحه الرئاسى لا تتعلق بنواياه بقدر ما لها صلة بالسياقات العامة والتساؤلات المشروعة: هل هو مرشح جماعة الإخوان المسلمين والإشارات تتواتر على رهان محتمل عليه؟.. هل تزكيه الإدارة الأمريكية؟.. والسؤال حساس بدلالته. بصيغة أخرى: ما مدى صحة ما نشرته صحيفة «النيويورك تايمز» فى مارس (2011) من أنه رجل أمريكا الأول فى مصر؟.. وهل هناك رهانات إقليمية على ترشحه من دول تناصب (30) يونيو حالة عداء معلنة؟ الأسئلة مشروعة بقدر جديتها أما الترهيب الشخصى فمسألة أخرى. سواء ترشح أو لم يترشح فإن من واجبه تجاه نفسه قبل مجتمعه أن يجيب عنها بالطريقة التى تناسبه وأن تدخل إجاباته مباشرة فى موضوعها. فى يوليو (2011) تطرق اجتماع مغلق بين قادة عسكريين وسياسيين للتفاوض حول مطالب أحد أكبر الاعتصامات فى ميدان التحرير إلى ما نشرته «النيويورك تايمز».. وما إذا كانت مصر ستسلم مرة أخرى إلى الإدارة الأمريكية بعد ثورتها فى يناير.. ولماذا لا يجدد المشير «حسين طنطاوى» دماء القوات المسلحة وينقل قبل مغادرته السلطة منصبه إلى جنرال شاب يثق فيه. الحوار المثير شارك فيه من الشخصيات العامة: الأستاذ «جورج إسحاق» والدكتور «ممدوح حمزة» والمهندس «أحمد بهاء الدين شعبان» و«عبدالله السناوى». لم تعلق القيادات العسكرية على ما تردد أمامها ووعدت بأن تنقل للمشير «طنطاوى» ما استمعت إليه. العلاقات معقدة بأكثر مما يتصور أحد بين المشير «السيسى» والفريق «عنان» وشابتها توترات مكتومة، ف«عنان» طمح إلى خلافة «طنطاوى» أو الترشح للرئاسة غير أنه أخفق فى الحالتين وصعد «السيسى» فى ظروف جديدة إلى ما طلبه لنفسه. القصة بتفاصيلها ملغمة وحيرة «الفريق» إنسانية قبل أن تكون سياسية ومطباتها أخطر مما هو بادٍ على السطح السياسى الملتهب