أثار الاستخدام المكثّف للعارضات في الإعلانات التجارية، وبوضعيات فيها كثير من الإثارة حفيظة المجتمع اللبناني، خصوصاً لدى الشباب الذين يجدون أنّ هذه الإعلانات لا تحاكي الواقع الذي يعيشونه ولا تُبرز الفتاة اللبنانية على حقيقتها. وتقول صحيفة «الحياة» اللندنية، إن ذلك يأتي في وقت ضجت فيه مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بنقاش محتدم أثاره نشر صور لبطلة التزلج جاكي شمعون شبه عارية، فكان الرأي الأكثر انتشاراً هو ذاك الداعم لها، على اعتبار أن ما قامت به حرية شخصية، مقابل رأس آخر يرفض «تسليع» من نوع آخر تتعرض له المرأة اللبنانية في المجال التجاري. ولأنّ لا رادع يقف أمام المعلنين، أطلقت جمعية «في-مايل» (Fe-male) حملة «مش بالتسليع منتجك ببيع» بالتعاون مع رابطة الناشطين المستقلين (IndyAct) لتسليط الضوء على كلّ أنواع التمييز القائم في قطاع الإعلانات في لبنان، وحتّى في العالم العربي، بهدف وقف عملية تسليع النساء وتحويلهن أدوات للعرض والترويج للثقافة الاستهلاكية على حسابهن. منذ أيام قليلة أطلقت الحملة إلكترونياً، لتحصد سريعاً الكثير من الأصوات المؤيدة والآراء المساندة، عبر صفحة الجمعية على موقع «فيسبوك»، وكأنّ اللبنانيين كانوا ينتظرون منذ فترة طويلة أن يتكلّم أحدهم في هذا الموضوع ليشاركوا في النقاش حوله. وفي هذا السياق، تؤكد الصحفية والعضو المؤسس في جمعية «في-مايل» حياة مرشاد، أنّ الحملة كان القصد منها خلق جدل في المجتمع اللبناني وتسليط الضوء على ظاهرة «تشييء» المرأة في الإعلان وتسليعها، التي تنعكس مباشرة على الفتيات اللواتي يتماهين مع صورة المرأة في الإعلانات. وتشير مرشاد إلى دراسة أعدتها الجامعة الأمريكية في بيروت أكدت أنّ 60% من الفتيات في لبنان يحاولن تقليد ما يرينه في الإعلان، كما أنّ ثلث النساء في لبنان يخضعن لعمليات التجميل، ما يظهر مدى تأثرهن بما يرونه على شاشات التلفزة واللوحات الإعلانية وغيرها من أنواع الإعلان. الحملة التي بدأت إلكترونياً تستمر من خلال العمل من قرب مع الوسائل الإعلامية وشركات الإعلان، كما تقول مرشاد، لكن ما تطالب به الحملة ليس أبداً إقصاء المرأة من عالم الإعلانات، إنما بناء صورة متوازنة لها تعكس واقع الحال، فالتسليع - وفق الناشطة - يساهم في رفع نسبة العنف ضدّ المرأة، لأنّ الرجل لا يعود ينظر إليها كشريكة إنما ك«شيء يمتلكه» ويمكن أن يتحكّم به كما يريد. وتشدّد مرشاد على أهمية الشراكة مع المجتمع الأهلي والمنظّمات العربية لإحراز تقدّم أكبر في هذا المجال. نقطة أخرى تضيء عليها الحملة ولها أهمية كبرى، وهي ضرورة تطوير الحسّ النقدي تجاه الإعلانات، وخصوصاً من ناحية مظهر المرأة، فما يظهر في الإعلان مختلف تماماً عن الواقع، وهو ما يذكّر بقول العارضة الشهيرة سيندي كراوفورد «كم أودّ أنا، سيندي كراوفورد، أن أكون بمستوى جمال سيندي التي تظهر على الواجهات الإعلانية»، وهذا يبرز مدى اصطناعية الصورة التي تبدو فيها المرأة عبر تقنية «الفوتوشوب» والتحسينات الجمالية. ويؤكد مٌحسٍن الصور جون خوري الذي يعمل ضمن شركة إعلانية، أنّ لا صورة تمرّ من دون لمسات «الفوتوشوب»، سواء كان الإعلان يشمل وجود المرأة كنعصر أساسي أم لا. لكنّ العمل يزيد عند تصوير إعلان مع عارضة، لأنّ المعلن يطلب أن تظهر من دون أي شائبة. والتحسينات تطال الوجه كما الجسم، لكي تبدو المرأة وكأنّها كاملة الأوصاف. وهذا الواقع تنتقده مرشاد، لأنّ فيه مبالغة لافتة، حيث تبرز النساء في الإعلانات مغرِيات ولكن حين تحاول الفتاة