فى مركز للتسوق جلست على مقعد خشبى صمم عمدا ليكون غير مريح، وأمامى شاشة رقمية تعرض الإعلانات، التى تتغير باستمرار للتشجيع على الشراء، لأنك هنا لإنفاق المزيد من الأموال. خلال جلوسى رأيت أفواجا من الناس يتدافعون داخل وخارج المتاجر، رافعين شعار «العيش للتسوق». تندفع امرأة شابة فى نصف هرولة تحمل على كتفها حقيبة عليها شعار «الحب هو كل ما تحتاجه»، ولكن من الواضح أنها غير متوافقة مع هذا الشعار: فهى محملة بالحقائب التى تحمل أسماء الماركات التجارية العالمية مثل مانجو ونيولوك، وما تحتاج إليه هذه السيدة فى الحقيقة هو مزيد من الأحذية والتنورات والأحزمة. وعندما استوقفتها لأسألها كم مرة تذهبين فيها للتسوق؟ أجابت «أسبوعيا»، وعندما سألتها: لماذا؟ نظرت لى بارتياب قائلة: «لأننى أحب التسوق». كيف وصلنا إلى المرحلة التى أصبح فيها التسوق النشاط الترفيهى الرئيسى. فمثلا فى عام 2008 أصبح هناك 121 هاتفا محمولا لكل 100 فرد فى بريطانيا. يقول الكثيرون إن التسوق لا يقتل أحدا، تدور به عجلة الاقتصاد ويوفر فرص للعمل، وإذا كان التسوق يجعل الناس سعداء، فلماذا لا نتركهم يمارسون التسوق؟ فى كتابه «الجميع يستهلك» قال المعلق السياسى نيل لاوسون إن احتياجاتنا لن تشبع أبدا، فالمجتمع الاستهلاكى لن يسمح لنا بالتوقف عن ممارسة التسوق، وأن نشعر بالاكتفاء، لأن ذلك سيؤدى إلى دمار النظام بالكامل، وقال لاوسون: «بدلا من ذلك يجب على المجتمع الاستهلاكى أن يبيع لنا أكثر لكى نستمر فى الشراء، ولكن احتياجاتنا لا تشبع أبدا». فالشعور الذى يمنحنا إياه الشراء هو التعويض عن أننا لا نملك حياة ثرية ومتكاملة، والآن بعد ما أصابنا الركود والكساد الاقتصادى فإن العديد من الناس لا يمكنهم حتى الشعور بهذا التعويض. ويستخدم البروفيسور فى جامعة «نيو مكسيكو» جيوفرى ميلر علم النفس التطورى فى كتابه «الإنفاق» ليصل إلى أن النزعة الاستهلاكية الجامحة «تساعد الفرد على الإحساس بالمزيد من النرجسية والاغتراب». ولاحظت أن العديد من المغرمين بمايكل جاكسون الذى تدافعوا إلى الشوارع حدادا على وفاته، اشتروا على الفور فانلات (تى شيرتات) عليها صور جاكسون وتذكارات أخرى له. حيث استجابوا لحزنهم العميق عليه بممارسة التسوق، وهو شىء مفهوم. ومنذ سنوات والمحال التجارية ومراكز البيع بالتجزئة ومراكز التسوق العملاقة فى جميع أنحاء العالم استولت على الأماكن العامة، حيث خلقت نمطا من الثقافة الموحدة. يقول لاوسون «كلما زاد تسوقنا قلت قدرتنا على اتخاذ قرارات جماعية حرة». وأشار بحث حديث أجراه مركز جى أف نى نوب للأبحاث التسويقية إلى أن 54% من الناس مستعدون إلى تقليص ميزانياتهم المخصصة للملابس، لكنهم يعترفون أنهم غير قادرين على مقاومة تخفيضات الأسعار على الملابس، وهو ما يفسر زياراتهم المتكررة للمحال التجارية. تحدثت إلى ثلاث سيدات أثناء رحلة فى دبلن عاصمة أيرلندا، قلن إن معدل شرائهن للملابس لم ينخفض أثناء الركود الاقتصادى وليس لديهن أى نية لأن يفعلن ذلك. ولكن كيف يستطعن توفير الأموال الكافية للتسوق؟ يجبن «هناك الكثير من التخفيضات على البضائع وهو أمر رائع». وعندما سألتهن: «ألا تجدن أن التسوق من أجل التسوق أمر ممل؟» أجابت جاكى دينلى: «أنه يجعلنا نقضى أوقاتا خارج المنزل، فنحن نخصص يوما للتسوق». عن التايمز