يتواصل ابتعاد الواقع المصرى الراهن عن أهداف الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية التى طالب بها قطاع واسع من الشعب فى ثورة يناير 2011 ولم يتخلف عن المناداة بها خلال السنوات الثلاث الماضية. يتواصل الخروج على الديمقراطية ويختلط بانتهاكات لحقوق الإنسان والحريات ويتداخل مع محطات دستورية (وثيقة 2013 المعدلة لدستور 2012) وقانونية (قانون تجريم التظاهر) وسياسية (عودة ممارسات الدولة الأمنية) بالغة السلبية. يتواصل الترويج لمقولات الفاشية ولخطابات المبررة للعقاب الجماعى ولنزع الوطنية عن المعارضين، ويتواكب مع الترويج هذا مسرح مجتمعى أعد لجنون التخوين والتشويه والتشفى والانتقام. تتواصل أعمال العنف اليومية وتتصاعد هواجس الخوف بين قطاعات شعبية واسعة صارت راضية بتخييرها بين الأمن والحرية ومساومتها على الثانية بغية الحصول على الأول وباتت تدفع إلى تأييد ترشح «البطل المنقذ» للرئاسة وقبول مساومة أخرى لا تقل خطورة، استمرار عسكرة الدولة والمخيلة الجماعية فى مقابل الاستقرار الموعود. يتواصل فقدان الكثير من القوى والحركات السياسية والاجتماعية لمصداقيتها، فأصحاب لافتات الليبرالية والمدنية واليسار الديمقراطى التحقوا بركب العسكرة والدولة الأمنية وقدموا لهما فى العمل التنفيذى وفى لجنة الدستور المعينة وفى الحياة العامة الشرعية الظاهرية المطلوبة (خارجيا قبل الداخل)، والسلفيون المؤيدون لترتيبات ما بعد 3 يوليو 2013 فاقوا فى انتهازية فعلهم السياسى حدود ما توقعه الكثير من المصريات والمصريين، والإخوان قطعوا شعرة التواصل المجتمعى بالتورط فى أعمال العنف وضيقوا مساحات حركة الأصوات الديمقراطية الرافضة لانتهاكات حقوق الإنسان والحريات التى تطولهم منذ يوليو 2013 بامتناعهم إلى اليوم عن ممارسة النقد الذاتى والاعتراف بخطاياهم الكثيرة منذ 2011 والتضامن بجدية (وليس بالبيانات فقط) مع الفاعليات المجتمعية لتخليص مصر من كارثة العنف بعيدا عن احتدام الصراع السياسى. على الرغم من كل ذلك، ثمة هوامش للبناء الديمقراطى حاضرة معنا ويتعين على المواطنات والمواطنين المقتنعين بأن الديمقراطية وليس الأوهام التى يروج لها اليوم هى مناط إنقاذ مصر من أزماتها والانتصار لأهداف يناير 2011 أن يتمسكوا بهذه الهوامش ويتواجدوا بها ويضخوا بها من الحيوية والتفاؤل والأمل كل ما يستطيعون إليه سبيلا. هوامش للبناء الديمقراطى بالتوعية فى المدارس والجامعات، بمساندة المنظمات الحقوقية التى لم تتراجع بعد 3 يوليو 2013 عن الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، بالتضامن مع الفاعليات العمالية والنقابية والمهنية التى تحاول يوميا الانتصار للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بتشجيع الأجيال الشابة والوسيطة على التعبير الصريح عن رفضهم للمساومة على الحرية بالأمن وعلى الاستقرار بالعسكرة، بالامتناع عن التورط فى كراهية مضادة للقطاعات الشعبية التى تهلل اليوم للتخوين وللتشويه، بالضغط على أصوات الديمقراطية لتوظيف هذه الهوامش المختلفة لبناء رؤية بديلة متكاملة تجيب عن السؤال الأهم كيف يمكن الانتقال الفعلى من ظلامية الواقع الراهن إلى أوضاع أفضل؟ وهنا أرى جوهر دورى ومهمتى فى 2014.