كتب إروين جيمس مقالا بجريدة الجارديان بعنوان «لماذا تغلق السويد سجونها؟» تناول فيه انخفاض معدلات نزلاء السجون بشكل ملحوظ، حيث أرجع ذلك إلى اختلاف مفهوم السجين وإدارة السجون عما هو متعارف عليه، حتى فى دول أوروبية أخرى كالمملكة المتحدة. تحدث جيمس فى مقاله عن انخفاض عدد نزلاء سجون السويد بشكل ملحوظ، حتى إن البلاد تخطط لإغلاق أربعة منها. ويضرب مثالا على تسامح سجون السويد وتقدميتها؛ بطلب صدام حسين عام 2005، نقله إلى سجن سويدى انتظارا لمحاكمته - وهو ما رفضته السلطات السويدية. ثم يتساءل بعد ذلك، هل تعتبر سجون البلاد خيارا سهلا؟ ••• اعتمد جيمس فى مقاله على اختبار إعلان نيلز أوبرج، رئيس هيئة السجون ومراقبة السلوك، أن أربعة سجون سويدية بسبيلها للإغلاق بسبب انخفاض «غير عادى» فى أعداد المسجونين. حيث تحدث عن التغير فى أعداد نزلاء السجون فيما بين عامى 2011 و2012، وتوصل إلى وجود انخفاض بنسبة 6٪ فى عددهم، على الرغم من أنه لم يكن هناك أى انخفاض فى معدلات الجريمة، والآن يزيد عدد السجناء قليلا على أربعة آلاف و500 نزيل. وذكر أنه من المتوقع أن يشهد هذا العام والعام المقبل انخفاضا مماثلا. واعترف أوبرج بحيرته إزاء التراجع غير المتوقع، لكنه أعرب عن تفاؤله بأن السبب يتعلق بكيفية إدارة السجون. وأضاف «نأمل بالتأكيد أن تكون جهودنا فى إعادة التأهيل والوقاية من العودة للجريمة، قد أثمرت». وفى لقاء له مع كينيث جوستافسن، مدير سجن كومالا؛ أكثر سجون السويد أمانا، ذكر جوستافسن: «تختلف مصلحة السجون الحديثة فى السويد كثيرا عما كانت عليه عندما التحقت بها كضابط سجن الشباب فى عام 1978»، غير أنه لا يعتقد أن النظام متساهل، «عندما التحقت به، كان التركيز كثيرا على الإنسانية فى السجون. كانوا يعاملون السجناء بشكل جيد، وربما يقول البعض إنه جيد أكثر من اللازم، ولكن بعد هروب عدد من المساجين البارزين، فى عام 2004 كان علينا إعادة التوازن وزيادة التركيز على الأمن»، ومن بين عمليات الهروب، تلك التى قام بها رجل يدعى تونى أولسن، يقضى عقوبة السجن مدى الحياة لقتله اثنين من ضباط الشرطة بالرصاص، من سجن مشدد الحراسة بالتواطؤ مع أحد حراس السجن، واضطر المدير العام لإدارة السجون إلى التنحى. وعلى الرغم من تشديد أمن السجون فى أعقاب فضائح الهروب، لا يزال السويديون يحافظون على نهج إنسانى واسع فى أحكام العقوبات، حتى مع المجرمين الخطرين: نادرا ما تتجاوز أحكام السجن 10 سنوات، وأولئك الذين يحصلون على السجن مدى الحياة، يستطيعون تقديم طلب إلى المحاكم بعد عقد من الزمان لتخفيف الحكم لفترة عقوبة ثابتة، تتراوح عادة بين 18 إلى 25 عاما. تعد السويد أول دولة فى أوروبا تدخل علامات إلكترونية للمجرمين المدانين، وتواصل السعى للحد من عقوبة السجن قصيرة الأجل كلما كان ذلك ممكنا عن طريق استخدام التدابير المجتمعية وقد ثبت أنها أكثر فعالية فى الحد من العودة إلى الإجرام. ••• مقارنا حالة السويد بالمملكة المتحدة، فقد ذكر جيمس أنه وفقا لبيانات وزارة العدل فى المملكة المتحدة، سجّل أولئك الذين يقضون عقوبة سنة أو أقل، أعلى معدلات العودة إلى الإجرام بين البالغين، فى غضون عام من الإفراج. ويبلغ المعدل الإجمالى للعودة إلى الإجرام فى السويد ما بين 30 و40٪ على مدى ثلاث سنوات – وهو ما يوازى نصف المعدل فى المملكة المتحدة. ويرجح أسباب ذلك، إلى تحديد سن المسئولية الجنائية عند 15 عاما. وفى المملكة المتحدة، يسجل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10-17 عاما والشباب الذين تقل أعمارهم عن 21 عاما، أعلى معدلات العودة إلى الإجرام: تقريبا ثلاثة أرباع المرحلة العمرية الأولى وثلثى الثانية وتمضى نسبة كبيرة منهم قدما فى شغل سجون الكبار. على عكس المملكة المتحدة، حيث يمكن إصدار حكم بالسجن مدى الحياة على متهم عمره 10 أعوام، لا يمكن فى السويد إصدار هذه العقوبة على شاب تحت سن 21 عاما، وتبذل كل الجهود لضمان ألا ينتهى الحال بالأحداث الجانحين إلى السجن. ويستكمل أسباب هبوط أعداد المسجونين، بالإشارة إلى مقدار الدعم المتاح فى فترة ما بعد السجن فى السويد. وتتولى هيئة حكومية للمراقبة السرية، ليس فقط مهمة المراقبة ولكن تتكفل أيضا بتقديم برامج علاجية للجناة فى قضايا المخدرات/ الكحول. ويقدم نحو أربعة آلاف و500 شخص – من المواطنين المتطوعين لإقامة علاقات صداقة ودعم للمجرمين، المساعدة تحت إشراف الهيئة التى لا يوجد ما يعادلها فى المملكة المتحدة. عندما ذكر جيمس لجوستافسون، أن وزير العدل البريطانى كريس جرايلينج، أعلن مؤخرا أن السجناء فى إنجلترا وويلز سوف يفرض عليهم ارتداء زى السجن وتقييد مشاهدتهم للتليفزيون، يضحك قائلا «عليهم (الساسة) إبقاء أصابعهم بعيدا عنا. فيجب أن نقوم بأعمالنا من دون أى تدخل». لقد أعرب جيمس عن إعجابه بجوستافسون عندما أوضح له خطته فى توسيع غايات وزارة العدل السويدية: «ستكون أولوية عملنا هذا العام والعام المقبل مع المجرمين الشباب والرجال ذوى السلوك العنيف. ومنذ سنوات عديدة نقوم بتنفيذ برامج لمساعدة مدمنى المخدرات. والآن نضع أيضا برامج لمعالجة السلوكيات مثل العدوان والعنف، وهذه هى الأمور المفيدة لمجتمعنا عندما يتم إطلاق سراح هؤلاء الناس». ••• لم تقتصر مراجع جيمس على لقاءات مديري السجون؛ بل حرص كذلك على استطلاع خبرات المسجونين حيث التقى سجينا سابقا يدير الآن مؤسسة اجتماعية تدعى إكس كونز السويدية. فقد أمضى بيتر سودرلوند ما يقرب من ثلاث سنوات من ضمن عقوبة بالسجن لمدة أربع سنوات لمكافحة المخدرات وجرائم الأسلحة قبل أن يطلق سراحه فى عام 1998. وقامت بمساعدته منظمة شكلت حديثا يديرها السجناء السابقون، وتحمل المنظمة اسم كريس (الحروف الأولى لعبارة المجرمون يعودون إلى المجتمع)، وظل لعدة سنوات يساعد فى بناء كريس حتى عام 2008 عندما تركها فى أعقاب نزاعات وصراعات تنظيمية. ويقول «الفارق الكبير بيننا وبين كريس، هو أننا نسعد بالسماح لأولئك الذين ما زالوا يتناولون أدوية الإدمان بالانضمام إلينا». وتعمل كلتا المنظمتين لتحقيق نفس الهدف: مساعدة السجناء على الاندماج بنجاح فى المجتمع بعد الإفراج عنهم. فما هو شكل حياة السجناء فى السويد؟ «عندما كنت أقضى عقوبتى داخل سجن أوستراكر كنت محظوظا حيث كان مدير السجن مستنيرا. وكانوا يعاملوننا بشكل جيد. ولكننى كنت أعلم أن سجون السويد ليست كلها كذلك. وقابلت هناك الكثيرين الذين فى حاجة إلى مساعدة. وبعد أن تلقيت المساعدة من كريس، عرفت أننى أرغب فى مساعدة الآخرين. ومع إكسكونز، نلتقى بهم بمجرد خروجهم، ونقدم لهم المساعدة فى السكن وتوفير شبكة من الدعم». ••• ويتساءل جيمس فى نهاية مقاله «هل يمكن أن يكون الجمهور السويدى فقد حماسه لإعادة تأهيل حقيقية للسجناء؟» يجيب جوستافسون «نؤمن فى السويد بمفهوم إعادة التأهيل، دون أن يكون إيمانا ساذجا بالطبع»، وأضاف «هناك بعض الناس الذين لا يمكن تغييرهم، ولكن وفق تجربتى غالبية السجناء تريد التغيير وعلينا أن نفعل ما فى وسعنا للمساعدة فى تسهيل ذلك. وليس من الممكن دائما تحقيق هذا». ويختتم الكاتب مقاله بعبارة لجوستافسون معبرة عن تعقد واتساع عملية إعادة التأهيل التى غالبا ما تكون عملية مجمعة تشمل هيئة الرقابة والمجتمع الأوسع، تتطلب تقديم التعليم والتدريب، ولكن أيضا السكن وفرص العمل.