بعنوان "الحكمة تنادي".. تنظيم لقاء للمرأة في التعليم اللاهوتي 8 يوليو المقبل    أمانة الحماية الاجتماعية ب«الجبهة الوطنية»: خطة شاملة بأفكار لتعزيز العدالة الاجتماعية والتمكين الاقتصادي    برئاسة خالد فهمي.. «الجبهة الوطنية» يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    مصر تفوز بعضوية مجلس الإدارة ولجنة إدارة المواصفات بالمنظمة الأفريقية للتقييس ARSO    أمانة التجارة والصناعة ب«الجبهة الوطنية» تبحث خططًا لدعم الصناعة الوطنية وتعزيز التصدير    مصطفى الروبي يكتب.. مصر تنتعش اقتصاديا بتأسيس الشركات فى المناطق الاقتصادية    رئيس الجهاز: بيع محال تجارية وصيدلية بمزاد علني وحملة على المخالفات بمدينة بدر    الضرائب: الأطعمة والمشروبات معفاة من ضريبة القيمة المضافة    الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة خطوة بخطوة    لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان تتفقد مشروعات حماية الشواطئ وتوسعة الكورنيش في الإسكندرية    مجلس الشيوخ يرفض مشروع قرار من الديمقراطيين يقيد صلاحيات ترامب في الحرب مع إيران    ترامب: سأعمل على تسوية الخلافات مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون    8 إصابات جراء قصف مدفعي إسرائيلي استهدف منزلين في جباليا البلد شمال غزة    جيش الاحتلال يصيب 4 فلسطينيين بالضفة    ترامب: من الممكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بغزة خلال أسبوع    كتائب القسام تستهدف جنود وآليات الاحتلال في خان يونس ضمن عمليات حجارة داود    عبداللطيف: الزمالك يحتاج إلى التدعيم في هذه المراكز    تقرير: العين الإماراتي يهدي لاعبه للوداد مجانا    «الجبهة الوطنية»: ندرس أفكارًا ضمن استراتيجية شاملة لتطوير الرياضة المصرية    4 ملفات ساخنة على طاولة الأهلي بعد رحلة المونديال    رافينيا يوجه رسالة إلى ويليامز بعد اقترابه من الانضمام إلى برشلونة    إيفانكوفيتش يغادر تدريب منتخب الصين.. وتعيين دورديفيتش بدلا منه    مهاجم برشلونة ينتقل إلى موناكو    حزب الجبهة يقدّم 100 ألف جنيه لأسرة كل متوفى و50 ألفا لكل مصاب بحادث المنوفية    شيماء طالبة بالهندسة.. خرجت لتدبير مصروف دراستها فعادت جثة على الطريق الإقليمي    لصعوبة الامتحانات... العثور علي جثمان طالب ثانوية عامة بترعة في الدقهلية بعد تغيبه 3 أيام    استمرار الأجواء الحارة والرطبة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم والشبورة صباحًا    مصرع صياد وابنه غرقا في نهر النيل بالمنيا    مصرع 3 بينهم أب وابنه في حادث تصادم بالطريق الإقليمي قرب العلمين    وزير العمل: سنتخذ إجراءات لمنع تكرار حادث الطريق الإقليمي    شيخ الأزهر ينعى فتيات قرية كفر السنابسة بالمنوفية ضحايا الطريق الإقليمي    قصة صراع بين الحرية والقيود| ريشة في مهب التغيير.. الفن التشكيلي بإيران بين زمنين    المخرج الهندي راكيش أوبدهياي يُهدي العالم رسالة حب بعنوان "DIL se" ويُشعل السوشيال ميديا برسالة إنسانية مؤثرة    تشاغلار أرطغرل يكشف كواليس صادمة عن مشقة التمثيل في المسلسلات التاريخية التركية: "إصابات متكررة وتدريبات قاسية"    بإطلالة أنثوية ناعمة... فيروز أركان تخطف الأنظار بالزهور والوردي في أحدث جلسة تصوير    لماذا صامه النبي؟.. تعرف على قصة يوم عاشوراء    15 نقطة تبرع وماراثون توعوي.. مطروح تحتفل باليوم العالمي للتبرع بالدم بشعار تبرعك يساوي حياة    «جهار» تستعرض رؤى علمية متقدمة لتعزيز الجودة والاستدامة البيئية    بطولة كريم محمود عبدالعزيز.. أسماء أبو اليزيد تكشف تفاصيل شخصيتها بمسلسل «مملكة الحرير»    رغم الخروج المبكر.. مدرب العين فخور بمشوار فريقه في مونديال الأندية    جيرو يقترب من العودة إلى الدوري الفرنسي قبل الاعتزال    محافظ كفرالشيخ: انطلاق قافلة دعوية كبرى من مسجد الضبعة بالرياض    الإثنين المقبل.. انطلاق فعاليات معرض الفيوم للكتاب    أحمد رزق يحتفل بتخرج نجله من المدرسة.. وإيمان العاصي تعلق (صورة)    "القومي للطفولة" يحبط زواج طفلة 14 عاما بمحافظة قنا    حكم وفضل صيامه.. متى أول عاشوراء 2025؟    بحضور النقيب.. افتتاح مصيف المهندسين بالمعمورة بعد تطويره في الإسكندرية    مباحثات مصرية- نمساوية بالقاهرة غدا على مستوى وزيري الخارجية    شحنة جديدة من الأدوية و15 كرسيا متحركا لتوزيعها على المستحقين بأسيوط    صحة الغربية تحقق في واقعة تبدل جثتين في مشرحة مستشفى زفتي العام    نجاح أول عملية تكميم معدة لطفلة بالمنظار بمستشفى جامعة أسيوط    الحكومة تنفي خصخصة الجامعات الحكومية وتؤكد: "مملوكة للدولة"    إيرادات الخميس.. «المشروع x» يحافظ على صدارة شباك التذاكر    الحكومة تحدد ضوابط العمرة الجديدة لعام 1447    مصطفى بكري: 30 يونيو انتفاضة أمة وليس مجرد ثورة شعبية    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    أيمن أبو عمر: الهجرة النبوية بداية جديدة وبشارة بالأمل مهما اشتدت الأزمات    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضعف دولة أم ذكاء رئيس؟
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 11 - 2013

قراءة الصحف الغربية والسعودية التى صدرت فى أعقاب الإعلان عن توصل إيران والغرب إلى اتفاق تركت الانطباع بأن الصفقة كان لها وقع القنبلة أو الزلزال فى أجهزة الإعلام الغربية وبخاصة الأمريكية والعربية وبخاصة السعودية. هدأت الضجة قليلا فى دول الخليج، وفى المملكة السعودية بوجه خاص، ولم تهدأ تماما فى دول الغرب وبخاصة فى فرنسا، ولكن فى كل الحالات انتقل النقاش العام من حيز التعليق على الصفقة القنبلة إلى ساحة تحليل خلفيات الاتفاق ومغزاه الحقيقى والمباحثات السرية التى مهدت له ومستقبل الدبلوماسية الدولية على ضوء الفهم الجديد لاستراتيجيات أمريكا ودبلوماسيتها.
كان واضحا بل ولافتا للنظر الجهد المبذول من جانب عدد كبير من المحللين فى الولايات المتحدة وخارجها لإعادة «قراءة الرئيس باراك أوباما»، بينما راح محللون آخرون يبذلون الجهد فى «إعادة قراءة أمريكا»، باعتبار ان الرئيس أوباما إنما يتصرف ويقرر بناء على رؤيته وإدراكه للتغيرات الحادثة فى أمريكا ومن حولها.
سواء كانت أمريكا هى التى تغيرت تحت تأثير ظروف ثقافية واقتصادية وتوازنات دولية أو كان أوباما صانع التغيير وأمريكا تتبعه وتطيع وتتغير حسب رؤيته، تبقى الإشارات واضحة على أن وجه أمريكا صار يبدو للإعلام الخاص، وربما لصانعى السياسة فى الخارج، مسالما وتصرفاتها تميل إلى تفضيل التفاوض وغيره من الأساليب الدبلوماسية فى تعاملها مع الأزمات الدولية أو لتأمين مصالحها القومية. اتساقا مع هذا الفهم تزداد أهمية العودة لدراسة سياسات أوباما منذ أن قرر الخروج بجيوش أمريكا من العراق ومن أفغانستان، وقراره بالتراجع عن قصف سوريا بالصواريخ لإجبار الأسد على التخلص من أسلحته الكيماوية واستجابته المذهلة للمبادرة الروسية، وإصراره على مدى سنوات على الاستمرار فى التفاوض مع إيران ورفض الابتزاز المتصاعد ضده من جانب إسرائيل ويهود أمريكا للسماح لها بقصف مفاعلات إيران وإشعال حرب فى منطقة الخليج قابلة للامتداد حتى شواطئ المتوسط.
من ناحية ثانية، عادت تتأكد نية أوباما فى رغبته التسرب من الشرق الأوسط متوجها إلى شرق آسيا وجنوبها، باعتبار أن المستقبل الحافل للدبلوماسية والاقتصاد العالمى يرقد هناك منتظرا دورا أمريكيا فاعلا. رأينا خلال السنوات الأخيرة كيف أن أمريكا ألقت بثقل نفوذها وإمكاناتها إلى صف تركيا مراهنة على دور قيادى لها فى الشرق الأوسط، بعد أن تأكدت واشنطن من أن الدول العربية مجتمعة فى نظام إقليمى أو فى تجمعات إقليمية أو منفردة مازالت غير مؤهلة لأداء أى دور فى توجيه النظام الإقليمى شرق الأوسطى، ولا حتى النظام الإقليمى العربى. سقط الرهان على تركيا عندما فشلت فى سوريا، ولم تكن على المستوى الدبلوماسى والسياسى اللائق بدولة رشيدة مرشحة لزعامة المنطقة فى تعاملها مع تداعيات الثورة فى مصر وتقلباتها.
من ناحية ثالثة، ثارت مخاوف قوية لدى المسئولين الأمريكيين حول النتائج المحتملة للمحاولات الدؤوبة لإثارة فتنة بين الشيعة والسنة فى العالم العربى والإسلامى، وثارت شكوك حول قدرة الدول ذات الصلة على تهدئة أسباب هذه الفتنة ووأدها قبل استفحالها. سمعت خبيرا غربيا اقترب لفترة من مواقع صنع قرارات الشرق الأوسط فى لندن وواشنطن وباريس، سمعته يردد أن المسئولين الأمريكيين يعربون عن خشيتهم من أن يتركوا الشرق الأوسط قبل أن يجدوا وسيلة مناسبة تهدئ من الفتنة المذهبية، وأنهم عازمون على الاقتراب من المشكلة عن طريق «تحييد» العامل السياسى فيها، ألا وهو انعزال إيران وشكوكها المتبادلة مع جيرانها وعدم اطمئنانها إلى نوايا دول الغرب وبخاصة الولايات المتحدة.
من ناحية رابعة، أدركت واشنطن أنه لا أمل فى أن يستعيد النظام الإقليمى العربى فى وقت منظور قدرته على التدخل لتسوية أزماته. لقد فشلت الحكومات العربية فشلا ذريعا فى التعامل مع الأزمة السورية، بل أن التدخل العربى يتحمل مع الأسد، كلاهما أو مع غيرهما، مسئولية تدهور الأوضاع فى سوريا واشتراك المتطرفين من الأجانب والإسلاميين فى حملة هدفها تدمير سوريا. فشل العرب كذلك فى استعادة العراق لمكانة يستحقها فى النظام العربى، وفشلوا فى إنقاذ تونس من محنتها، وإخراج ليبيا من ورطتها، وتخفيف معاناة شعب اليمن.
من ناحية خامسة، تابعت واشنطن، بقلق فى بداية الأمر، وفضول فى مراحل أخرى، وبتمعن عند النهاية، التقدم الذى أحرزته إيران فى محيطها العربى والآسيوى، ونجاحها فى تجاوز أو تحمل عقبات الحصار المفروض عليها. حافظت على علاقة متميزة ونافذة فى العراق الجديد، ويعود لها الفضل الأكبر فى تطوير الحرب فى سوريا لصالح النظام المتحالف معها، واستمرت فاعلة، وإن لم تكن مهيمنة، فى الوضع المتجمد اللبنانى مساندة أحد الأطراف الأساسية فيه، ومؤثرة فى توازن القوى الإقليمى. هذا إلى جانب وساطاتها التى تعرفها واشنطن واستخدمتها فى أفغانستان ووسط آسيا. تلك كانت نماذج من تجارب التعاون التى تشجع الآن أطرافا فى أجهزة صنع القرار الأمريكى لدعم فكرة الاستعانة بإيران لتسوية بعض الأزمات فى المنطقة العربية.
أستطيع فهم الضجة التى استقبلت بها بعض الدول العربية نبأ الصفقة القنبلة، فالتاريخ القريب للعلاقات بين هذه الدول وإيران لا يوحى بالاطمئنان للمستقبل حين تصبح إيران قوة إقليمية معترف بنفوذها وقوتها. أستطيع أن أفهم أيضا السرعة التى هدأت بها الضجة، والعبارات الناعمة التى صدرت فى بعض عواصم الخليج وإن اجتمعت على اشتراط حسن النوايا لنجاح هذه المرحلة المبكرة من عودة إيران طرفا دوليا مشاركا فى صنع السلام الإقليمى والدولى. أفهم هذا التحول من الضجة إلى العبارات الناعمة على ضوء اعتبارات معينة، منها:
أولا: إن استمرار الضجة المعارضة للصفقة يضع الدول العربية المعترضة فى صف واحد مع إسرائيل وفرنسا، الأمر الذى يمكن أن يثير غضب الرأى العام العربى والإسلامى. بل ويثير غضب القطاع الأكبر فى الرأى العام الأكبر الذى فاجأ الجميع بدعمه للاتفاق مع إيران.
ثانيا: تسريب أنباء تؤكد أن المباحثات التى مهدت للتوصل إلى صفقة جنيف جرت فى دولة عمان بعلم ومتابعة عدد من عواصم الدول أعضاء مجلس التعاون، ودول عربية أخرى، وأنها ربما بدأت قبل إعلان فوز روحانى فى الانتخابات. بمعنى آخر يبدو أن الدعم الدولى راسخ ولا جدوى من معارضة يثيرها بعض العرب.
ثالثا: على ضوء تطورات الموقف الأمريكى من سوريا، والمؤشرات الدالة على طبيعة السياسة الخارجية الروسية فى هذه المرحلة، وانكشاف وهم وجود سياسة خارجية أو دفاعية أوروبية فى طور النشأة، على ضوء هذا كله، تأكدت الدول العربية الحليفة لأمريكا منذ عقود عديدة، أن لا بديل لأمريكا فى الدفاع عنها فى مواجهة مع إيران وفى وجود الصفقة أو فى غيابها.
رابعا: بدأ يتكون فى دول عربية عديدة، وفى دول خليجية بالتحديد، رأى عام يأمل فى أن تصدق نبوءة أو تمنيات الأمريكيين الذين اشتغلوا لعقد هذه الصفقة مع إيران، وكانوا يعتقدون أن إعادة دمج إيران فى المجتمع الدولى سيجعلها أكثر ثقة فى جيرانها ويفرض عليها انتهاج سياسات سلمية وإقامة علاقات طيبة معهم.
أنا، وبعض الذين أتابع ما يكتبون ويناقشون، سنبقى متطلعين ليوم نتعرف فيه بقدر من الدقة على أسلوب أوباما فى صنع السياسة الخارجية. البعض منا يعتقد أن أوباما أثبت أنه «مستقبل ومستخدم» جيد لمبادرات الآخرين، بمعنى استعداده الطيب للاستجابة لمبادرات يطلقها آخرون توفر عليه اتخاذ قرار حرب. يراه البعض الآخر منا صانعا مبدعا لمبادرات يمتنع عن إطلاقها بنفسه أو باسمه، وتتركز براعته فى قدرته على تسريبها لدول وزعماء أجانب يطلقونها، ثم يتبناها.
أمامنا تجارب تؤكد هذا الرأى وأخرى تؤكد الرأى الآخر وثالثة ترفض كلاهما. نسأل هل سرب أوباما إلى روسيا مبادرة تخلى سوريا عن أسلحتها الكيماوية أم كانت حقا مبادرة روسية استجاب لها أوباما. ونسأل: هل كان العمل الشاق فى الأسابيع الأخيرة للتمهيد لاتفاق مع إيران بمبادرة من مرشح الثورة الإسلامية وتلقفها أوباما أم مبادرة سربها أوباما إلى الإيرانيين عن طريق وسطاء من الخليج أو أوروبا وتلقفتها السلطة الإيرانية.
أسئلة وتكهنات لا تخرج عن كونها تمارين أكاديمية، فالعبرة دائما بالنتائج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.