الكل يبالغ. يبالغ المسئولون فى التفاؤل ويبالغ المعارضون فى التشاؤم ثم يبالغون فى التفاؤل.. ويبالغ الإعلاميون فى تصورهم للأمور وتحليلها. باراك أوباما فى نظر الكثيرين ملاك، وميشيل أوباما ملكة جمال وبرلسكونى بين زعماء العالم الأخف دما وساركوزى الأثقل. ليس بعيدا عن هذه المبالغات سيل البحوث والمقالات التى تعزز الرأى بأن الأزمة المالية العالمية وقعت بسبب احتكار الرجال لوظائف الإدارة العليا وعضوية مجالس الإدارة والهيمنة على أسواق المال والمصارف. يقول القائمون على إحدى الدراسات إنهم اكتشفوا أن ربحية الشركات التى تتولى النساء فيها مناصب عليا وتشارك فى عضوية مجالس إدارتها أعلى من تلك التى لا تتولى مناصبها العليا نسبة محترمة من النساء. ارتحت راحة كبرى عندما علمت أن امرأة تتولى منصبا قياديا وتشارك كعضو فى مجلس إدارة شركة عالمية معروفة قررت أن تبحث بنفسها وتقيس حجم المبالغة فى نتائج هذه البحوث. ذهبت إلى زملائها فى مجلس إدارة الشركة، وكلهم من الرجال المشهورين ومن ذوى الخبرة فى دوائر الصناعة والتجارة وأسواق المال، وسألتهم: هل أن وجودى كامرأة عضو فى مجلس الإدارة يمثل رصيدا مضافا إلى أرصدة الشركة؟ وهل هو سبب من أسباب الزيادة فى أرباح الشركة؟ كانت واثقة أن ما أضافته لأرصدة الشركة لم يكن بسبب أنها امرأة، وتصورت أنه سيكون مهينا لها لو أجمع الزملاء من الرجال، أو أغلبهم، على أنها كامرأة أضافت. وبالفعل جاءت إجابات الرجال مخيبة لأملها. قالوا إن وجودها عضوا فى مجلس الإدارة حفز جميع النساء العاملات فى الشركة على زيادة الإنتاج ورفع كفاءتهن وضاعف طموحاتهن. وقالوا إنها أسهمت بوجودها بينهم فى تحسين صورة الشركة، بمعنى آخر كان وجودها مادة جيدة للعلاقات العامة. وأضاف أكثر الأعضاء من الرجال بالقول بأن مجرد مشاركتها فى الجلسات جعل المجلس يتعامل مع بنود جدول الأعمال بطريقة مختلفة متجنبا إضاعة الوقت فى أحاديث النميمة والاهتمامات الصغيرة التى يجيدها الرجال عندما يجمعهم اجتماع أو مناسبة. اعترف أغلبهم بأن المناقشات صارت تجرى فى جو أهدأ يسوده الاحترام المتبادل ولو ظاهريا واختفت من لغة المداولات عبارات وألفاظ غير مهذبة. كذلك أجمع الأعضاء على أن الجلسات التى تعودوا على عقدها فى المنتجعات أو على موائد العشاء والغداء أصبحت منذ انضمام المرأة إليهم غير مملة بل مثيرة للإبداع والتجديد. لم تسعد بما سمعت، وزاد من خيبة أملها ما سمعته من النساء العاملات فى الشركة اللائى شهد عدد غير قليل منهن أنهن استثمرن أنوثتهن أحيانا ليصعدن السلم الوظيفى، وأنهن فى كل الأحوال غير سعيدات بما حققن من نجاحات فى العمل خارج المنزل. هكذا اكتشفت السيدة العضو فى مجلس الإدارة أن المرأة التى حققت على مدى أربعين عاما إنجازات هائلة فى مجال مساواتها بالرجل فى عدد من الحقوق، تعترف الآن بأنها خلال ثورتها بالغت فى إظهار استقلاليتها وتشددت فى حملاتها ضد الرجل «المتحرش دائما بالمرأة» إلى حد الإساءة والتشهير بجنس الرجال، الأمر الذى أثر سلبا على صورة كل من الرجل والمرأة عن الآخر. تؤكد السيدة العضو فى مجلس الإدارة أن المبالغات من الطرفين هدأت وكادت العلاقات تأخذ شكلا جديدا. تقول إن النساء فى العمل لا يتضايقن الآن من مغازلات الرجال ومعاكساتهن البريئة، واليوم يتباهين بأنوثتهن بعد سنوات من إغفالها أو التظاهر بالتعالى عليها. المرأة اليوم حسب كلبر شيبمان وكاتى كاى مؤلفتى كتاب WOMENOMICS ورأى لوسى كيللاواى، امرأة الأعمال والمحررة بصحيفة الفاينانشيال تايمز، غير المرأة التى اشتغلت بالثورة النسائية خلال العقود الماضية، هى الآن أكثر ثقة بنفسها وقدراتها، أكثر واقعية فى التعامل مع زملائها من الرجال فى العمل. حدث هذا التغيير بعد أن صارت تعرف عن مشكلات الرجل وتعقيدات حياته خارج المنزل ما لم تكن تعرفه قبل خروجها للعمل. وهى اليوم، بفضل كل ما حققته على صعيد المساواة أكثر استعدادا لأن تتعامل فى محيط العمل كأنثى، لا تخجل من مكونات قوتها أو ضعفها، ولا تخجل من أن تقول إنها اكتشفت أن المناغاة أو التدلل من جانبها ليس دليل ضعف كزعم الناشطات فى عصر الثورة النسائية، بل دليل قوة وثقة بالنفس. أراهنّ قادمات مدفوعات بثقة فى النفس جديدة وبواقعية رشيدة، وأراهنّ صاعدات بسرعة على سلم الإدارة العليا للشركات وتنظيم المجتمعات.