لايزال الجدل يتصاعد فى أروقة الهيئات القضائية ولجنة الخمسين حول اختصاصات مجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة فى الدستور، لا سيما بعد أن طالبت هيئة القضايا ب«استرداد اختصاصى الفتوى والتشريع»، من المجلس، وتهديد النيابة الإدارية بمقاطعة الإشراف على الاستفتاء على التعديلات الدستورية حال عدم حصولها على اختصاص القضاء التأديبى الموكل إلى مجلس الدولة منذ 1958. وهذه هى المرة الأولى فى تاريخ مجلس الدولة، الذى يقترب من السبعين عاما، التى يواجه فيها مطالبات بسحب بعض اختصاصاته التى تم إنشاؤه بها، فقد أنشئ المجلس بقرار من الملك فاروق، وكانت اختصاصاته مقصورة على إبداء الرأى والإفتاء فى المسائل القانونية، بواسطة قسم الرأى والفصل فى المنازعات الإدارية من خلال محكمة القضاء الإدارى، ثم أضيف له اختصاص مراجعة العقود والتشريعات التى تصدرها الحكومة، بواسطة إدارات الفتوى النوعية وقسمى الرأى والتشريع مجتمعين. وفى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تم إنشاء المحكمة الإدارية العليا، كدرجة طعن أعلى من القضاء الإدارى، وعقب إنشاء النيابة الإدارية، كهيئة تختص بالتحقيق فى المخالفات المنسوبة للموظفين، تم استحداث قسم فى المجلس لتولى الفصل فى هذه المخالفات بمسمى المحاكم التأديبية، ثم إنشئت هيئة مفوضى الدولة لتتولى إعداد التقارير والأبحاث فى القضايا، بالإضافة لعرض التصالح الودى على الخصوم قبل نظر الدعاوى. وفى عهد الرئيس الراحل أنور السادات صدر قانون المجلس، السارى حاليا، والذى يشتمل على كل هذه الاختصاصات ومن ضمنها إلزام الجهات الإدارية والنيابية بعرض القوانين والقرارات اللائحية على قسم التشريع قبل إصدارها وكذلك العقود، كما تم النص على استقلال مجلس الدولة فى دستور 1971. وتعرض «الشروق» اختصاصات مجلس الدولة المقررة دستوريا فى الأنظمة القضائية المشابهة للنظام المصرى، والمعروفة باسم «النظام الفرنسى» القائم على التمييز بين المحاكم العادية الجنائية والمدنية، والمحاكم الإدارية والتى يضمها أو يعلوها مجلس الدولة حسب خصوصيات كل دولة. البداية مع الدستور الهولندى، الذى ينص فى المادة 73 على أنه «يجب استشارة مجلس الدولة فى مشاريع القوانين والقرارات وإعداد الموافقات اللازمة على مشروعات المعاهدات التى تعدها الولايات، كما يتولى فحص المنازعات الإدارية المتعلقة بالمراسيم الملكية». مما يعنى انعقاد الاختصاص التشريعى والإفتائى للمجلس الهولندى، وبشكل أوسع من المقرر فى مصر. أما الدستور البلجيكى فتنص المادة 160 منه على «... يصدر مجلس الدولة أحكامه بهيئة محاكم إدارية، كما يتولى الإفتاء القانونى للجهات والمسائل التى يحددها القانون، ولا يجوز تعديل القانون المنظم لإجراءات التقاضى أمام مجلس الدولة إلاّ بموافقة ثلثى البرلمان». أى أن اختصاص الإفتاء معقود أساسا لهذا المجلس، إلى جانب الاختصاصات الأخرى التى يقرها القانون. وينص الدستور التركى فى المادة 155 على أن «مجلس الدولة هو محكمة آخر درجة لرقابة القرارات والأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية... كما يتولى الفصل فى القضايا الإدارية، ويبدى رأيه بشأن مشاريع القوانين والتشريعات والشروط والعقود التى يتم بموجبها منح الامتيازات المتعلقة بالخدمات العامة، ويقوم أيضا بدراسة مشاريع اللوائح ويتولى تسوية المنازعات الإدارية». أى ان مجلس الدولة التركى يختص بالقضاء والافتاء ومراجعة العقود والصياغة التشريعية وتسوية المنازعات. أما مجلس الدولة الفرنسى، وهو أقدم مجلس دولة فى العالم، فيمارس دوره الإفتائى والتشريعى والقضائى باعتباره على رأس المحاكم الإدارية فى فرنسا، رغم عدم النص عليه فى الدستور. وقال المستشار محمود فوزى، عضو قسم التشريع بمجلس الدولة، إن المشرع المصرى منذ ما يقرب من قرنين فطن إلى وجوب إنشاء هيئة مجلس الدولة لجمع اختصاصات التشريع والإفتاء والفصل فى المنازعات الإدارية، فقد صدر فى 1879 أمر عال من الخديو إسماعيل بإنشاء مجلس شورى الحكومة فى صورة شبيهة لمجلس الدولة الفرنسى، إلاّ أن الضائقة المالية التى عانت منها مصر حالت دون تنفيذ الأمر العالى