الجزار: مسئولو المدن الجديدة في جولات موسعة لمتابعة مشروعات رفع الكفاءة والتطوير والنظافة    غدا.. مجلس الشيوخ يناقش ملف جودة التعليم العالي    غدا.. مجلس الشيوخ يفتح ملف التصنيع الزراعي    السيسي: مصر تتمتع بموقع متميز ومحور رئيسي لنقل البيانات بين الشرق والغرب    روسيا تعلن تدمير 17 مسيرة أوكرانية    جدول مباريات اليوم.. الزمالك لحجز مقعد بنهائي الكونفدرالية.. ديربي لندن.. وترقب تريزيجيه    الأقباط السودانيون يتصدرون المشهد بقداس أحد الشعانين بدير الأنبا سمعان (صور)    42 عاما على تحريرها تنمية سيناء رد الجميل لشهداء الوطن    سعر الدولار اليوم الأحد 28 أبريل.. وقائمة أبرز العملات العربية والأجنبية    وزير الاتصالات يستعرض أمام السيسي محاور وأهداف استراتيجية مصر الرقمية    جولات لمسئولي المدن الجديدة لمتابعة مشروعات رفع الكفاءة والتطوير والنظافة    العودة في نفس اليوم.. تفاصيل قيام رحلة اليوم الواحد للاحتفال بشم النسيم    انطلاق دورة دراسات الجدوى وخطط الصيانة ضمن البرنامج التدريبي للقيادات المحلية    فرنسا تتهم زوجة قيادي في داعش بارتكاب جرائم ضد الإنسانية    غدا.. «بلينكن» يزور السعودية لمناقشة وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن    أنا وقلمى .. القادم أسوأ    افتتاح معرض أنشطة المدارس الرسمية لغات بالبحيرة    48 ساعة فارقة للأهلى والزمالك.. خطة «كولر وجوميز» لعبور نصف نهائى القارة السمراء    حالة الطقس اليوم.. الأحد حار نهارًا على أغلب الأنحاء والقاهرة تسجل 31 درجة    مصرع شخص وإصابة 23 آخرين في حادث تصادم بصحراوي أسوان/القاهرة    «تعليم مطروح» تنهي استعداداتها لانطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني    بعد اتهامها بالزنا.. عبير الشرقاوى تدافع عن ميار الببلاوى وتهاجم محمد أبو بكر    وداعًا المبهر العظيم صلاح السعدنى    الليلة الكبيرة - عيلة تايهة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : شكرا سيدى على الدعوة00!؟    نصائح هامة لتنظيم ساعات النوم مع التوقيت الصيفي    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    ننشر أسعار الريال السعودي في البنوك المصرية الأحد 28 أبريل 2024    مواعيد مباريات اليوم الأحد 28- 4 -2024 والقنوات الناقلة لها    انتوا بتكسبوا بالحكام .. حسام غالي يوجّه رسالة ل كوبر    خلال شهر مايو .. الأوبرا تحتفل بالربيع وعيد العمال على مختلف المسارح    تحرير 7 محاضر مخالفة ضد أصحاب مخابز بالأقصر    تزامنًا مع قضية طفل شبرا.. الأزهر يحذر من مخاطر Dark Web    عاجل.. مدحت شلبي يفجر مفاجأة عن انتقال صلاح لهذا الفريق    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    لا بديل آخر.. الصحة تبرر إنفاق 35 مليار جنيه على مشروع التأمين الصحي بالمرحلة الأولى    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    عاجل.. قرار مفاجئ من ليفربول بشأن صلاح بعد حادثة كلوب    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    مصرع 5 أشخاص وإصابة 33 آخرين في إعصار بالصين    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    آمال ماهر ل فيتو: مدرسة السهل الممتنع موهبة ربانية ومتمرسة عليها منذ الطفولة    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    تملي معاك.. أفضل أغنية في القرن ال21 بشمال أفريقيا والوطن العربي    العالم الهولندي يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة ويكشف عن مكانه    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فراغ القوة تهديد للاستقرار
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 11 - 2013

أتصور أن الشرق الأوسط يقدم نماذج متعددة تؤكد فكرة تراجع القوة فى عديد الدول، وليس فقط عند القمة الدولية.
تطرح التطورات الدولية الراهنة فكرة تبدو للوهلة الأولى خيالية أو مستحيلة. علمتنا الحروب العالمية والنزاعات الإقليمية الكبرى، كما علمتنا الكتب والدراسات المتخصصة فى العلاقات الدولية، وممارسات خبراء الدبلوماسية والمفاوضات أن قوة الدولة مسألة نسبية وليست مطلقة. أمريكا ربما كانت دولة قوية بالنسبة لروسيا وكندا والمكسيك، وروسيا ربما كانت دولة قوية بالنسبة للصين وبولندا وألمانيا الغربية والمملكة المتحدة، ومصر ربما كانت دولة قوية بالنسبة للسودان وليبيا ودول عربية وأفريقية متعددة. لكن لم تكن أمريكا أو روسيا أو مصر فى أى وقت وكل وقت دولا قوية بشكل مطلق أو دائم.
كتبت هذه المقدمة تمهيدا لطرح الفكرة التى بدت لى لأول وهلة مستحيلة، حتى بدأت أتعود عليها وأناقشها مع نفسى قبل أن أناقشها مع زملاء ومحاورين. خلاصة ما أطرحه هو أنه قد لا يوجد فى النظام الدولى الراهن دولة تستحق أن توصف بالقوة، نسبية كانت أم مطلقة. بمعنى آخر، أزعم أن «الضعف» أصبح سمة عامة تلتصق بالغالبية العظمى من الدول الكبرى خاصة، وإذا سمحنا لأنفسنا «بتدريج» هذه الفكرة تمهيدا لمناقشتها، لقلنا إن شواهد عديدة وقعت خلال السنوات الأخيرة تشير إلى أن دولة بعد أخرى مستعدة بدون خجل أو حياء أن تعترف أنها فقدت جانبا من قوتها، وفى أحوال معينة قد تعترف بأنها وضعت خططا استراتيجية متوسطة المدى تحقق بتنفيذها هدف تقليص مسئوليتها الدولية وإعادة تقييم مصالحها القومية وتخفيض مصادر قوتها المادية مثل عدد الجنود وميزانية التسلح وإغلاق قواعد عسكرية فى الخارج والداخل.
نعرف أن أمريكا، عن قصد وعمد، تفعل هذا الشيء فى هذه اللحظات التى تعيشها، لعلها خطة «أوبامية»، نسبة إلى باراك أوباما، جاء بها من خارج النظام السياسى الأمريكى ليدخل بها التاريخ، أو تبناها وهو فى الحكم تحت ضغط عوامل داخلية وخارجية متعددة، وعلى ضوء واقع الأزمات الاجتماعية والمالية المتلاحقة، أو نتيجة أخطاء ارتكبها هو وإدارته، وكلها أسباب كافية لإزاحة سيرته إلى خارج التاريخ. يستحيل أن نحكم الآن. الأمر الوحيد المؤكد أمامنا هو أن أوباما حريص على أن يعيد تفصيل مكانة أمريكا ودورها فى قيادة النظام الدولى بما ينسجم مع تراجع مصادر قوتها الفعلية ومع ضخامة وتعقد المشكلات الدولية التى يستعصى على دولة واحدة حلها، مهما بلغت هذه الدولة من القوة.

كنا نقول، ومازال كثيرون يقولون، إن قوة أمريكا تراجعت لأن قوة الآخرين تقدمت. يبدو أننا بالغنا فى تقدير قاعدة القوة كمسألة نسبية، فأمريكا، كما هو واضح لنا تتراجع لأن مصادر قوتها الذاتية تتراجع وليس لأن الاتحاد الأوروبى، حليفها الأساسى، حقق وحدة أوروبية أو معجزة اقتصادية فصار يحتل مكانة الحليف الأقوى فى المعادلة الغربية. الواضح لنا، وضوح التراجع الأمريكى، أن القوة الكلية، بمعنى مجموع «قوى» الدول الثمانى والعشرين، تراجعت فى السنوات ذاتها التى شهدت تراجع القوة الأمريكية. ولدينا فى حالة عدم الاستقرار الاجتماعى والسياسى فى دول مثل إيطاليا واليونان وإسبانيا دليل قوى. لدينا أيضا دليل الانقسام فى الرأى بين دول الاتحاد حول قضايا جوهرية مثل مستقبل الاتحاد واحتمالات انسحاب بريطانيا وحلول الأزمة الاقتصادية والخلاف حول مستقبل التعاون مع النظام العربى وتسوية الصراع العربى الفلسطينى والاتفاقية التجارية مع الولايات المتحدة ومستقبل العلاقات مع روسيا والموقف من تحول أمريكا نحو آسيا.

الحادث فى أوروبا ربما أكد بشكل غير مباشر نبوءة باراك أوباما، أو لعلها كانت رؤية واجتهادا لا أكثر، حين قرر تخفيض روابط بلاده بالأوروبيين. اعتقد أوباما أن أوروبا شاخت ولم يعد لديها ما تقدمه سوى دروس رومانسية من ماضيها البعيد.
أوروبا فى نظر أوباما لم تعد رصيدا يعتمد عليه لو شاءت أمريكا أن يستمر الغرب حلفا أو قوة توسعية، وبرهانه الذى يعتمد عليه هو الانسحابات الأوروبية المتتالية من حرب أفغانستان والتردد المتواصل فى المشاركة بقوات وأموال فى حروب وتسويات إقليمية خارج أوروبا إلى جانب أمريكا مثلما حدث خلال الساعات القلائل التى اعقبت إعلان أوباما نيته قصف سوريا. هى أيضا لم تعد رصيدا منذ أن بدأت ألمانيا تقودها نحو الاهتمام بروسيا، عملا بالقاعدة التاريخية القديمة التى دفعت قادة أوروبيين عديدين على امتداد التاريخ الحديث لتحقيق هدف «أوروبة» روسيا، ومنعها من اختيار بديل الانعزال والتقوقع أو الاستمرار فى تبنى الشكوك تجاه دول غرب القارة.

أنا شخصيا، كنت من بين القائلين، بأن صعود الصين سبب غير مباشر فى انحدار الولايات المتحدة كان الظن أيضا أن تأخر حكام الصين عن ممارسة دور دولى يتناسب مع قوة بلادهم الصاعدة يعود إلى أنهم مازالوا ينفذون خطة التصعيد بتدريج مدروس. لاحظنا خلال الشهور الماضية، وبخاصة فى أعقاب انعقاد مؤتمرى بالى وبروناى لقمة دول جنوب وشرق آسيا، أن الصين، عندما غابت الولايات المتحدة عن القيادة، وجدت نفسها فى موقع القائد بدون منافس. ومع ذلك كان مبهرا الأسلوب الذى انتهجته فى المؤتمرين لتأكيد نيتها فى استمرار الصعود نحو القمة، فى الوقت نفسه عدم القفز أو التهور فى الوصول إليها.
بكلمات أخرى، الصين رغم قوتها الظاهرة والصاعدة، عسكريا واقتصاديا وسياسيا، لا تزال دولة عظمى «ضعيفة». تابعنا خطواتها فى القضية السورية، وبخاصة أن صارت قضية دولية خطيرة. وجدناها فى أحسن الأحوال «مقلدة» بحذر للسياسة الروسية. بل إن المثال بأكمله، وأعنى المثال السورى، يؤكد أن روسيا نفسها ليست على درجة من القوة تسمح لها بأن تحتكر التأثير فى القضية وأن تصل بها إلى نهاية هى وحدها التى تقررها. تماما وبالقدر نفسه مثل الولايات المتحدة، التى أكدت خلال الشهور الأخيرة حقيقة أن مجمل قوتها الناعمة والصلبة على حد سواء لم تكن كافية لاحتكار فرض الحل فى سوريا.

بالإضافة إلى ما سبق، أتصور أن الشرق الأوسط يقدم نماذج متعددة تؤكد فكرة تراجع القوة فى عديد الدول، وليس فقط عند القمة الدولية. إيران أكدت هذا المنحى حين قررت الاعتدال فى المواجهة الناشبة بينها وبين الولايات المتحدة، إذ إنه لولا الشعور بتراجع مجمل القوة الإيرانية، ناعمة وصلبة، ما لجأت القيادة الدينية فى طهران إلى الكشف عن وجه آخر لإيران أكثر انسجاما وواقعية مع ظروف ما بعد الحصار الاقتصادى والعزلة الدبلوماسية وتفاقم الفوضى فى دول الربيع العربى.
تركيا قدمت المثال الثانى بتراجع نفوذها الشعبى والسياسى فى معظم دول الربيع العربى ودول عربية أخرى، بل وفى أوروبا الغربية حيث الحلم التركى لايزال رهن القرار الاوروبى، وإن بأمل أضعف كثيرا من أمل العقود الماضية. تراجع القوة التركية وبخاصة الناعمة فى دول الإقليم نابع عن سوء تقدير سياسى من جانب حكومة أنقرة للموقف من الدين السياسى فى لحظة فارقة فى تطور النظام العربى. من ناحية أخرى خصمت «انتفاضة تقسيم» جانبا من أرصدة القوة التركية وجعلت تركيا تبدو غير بعيدة عن احتمالات الثورة الشعبية. من ناحية ثالثة كان للموقف التركى من الثورة السورية آثار سلبية بسبب تصرفات اشتركت فيها مع دولة قطر، وبعضها يتعلق بالتدخل فى توجهات قوى الثورة لغير صالح التيار الرئيسى فيها.

الحديث عن تركيا يجرنا إلى الحديث عن مجموعة البريكس. إذ لاشك أن منحنى المجموعة كقوة دولية صاعدة كشف عن مرحلة تباطؤ واضح، ربما باستثناء الصين. بل وحتى الصين، فقد تعمدت ألا تترجم الزيادة فى مجمل مؤشرات قوتها ممارسة فعلية على مستوى القيادة الدولية. كذلك تعرضت القوة البرازيلية لانكماش ناتج عن تدهور فى بعض قطاعات الخدمات وانتفاضة شعبية لها ما يبررها على صعيد الفساد وهدر الإمكانات. ظهر هذا الانكماش واضحا خلال الأزمة الأخيرة بين برازيليا وواشنطن حول التنصت على هواتف الرئيسة ديلما روسيف، إذ لم يتحقق تضامن إقليمى مناسب يشد من أزر البرازيل والمكسيك فى المواجهة مع الولايات المتحدة.

تتعدد مظاهر ضعف «القوة الدولية»، هناك ضعف قوة الكبار، كل على حدة، ولكن هناك أيضا، مظاهر تدل على ضعف تماسك معظم التحالفات الدولية والإقليمية، كتراخى التزام الدول الأعضاء بمقررات الحلف وخططه أو النقص فى الولاءات أو إيلاء مصالح أخرى أهمية أكبر من مصالح الحليف. من ناحية أخرى يبدو واضحا أن الضعف استشرى إلى حد التأثير فى أداء وكفاءة المنظمات الإقليمية، ومنها الاتحاد الأوروبى وجامعة الدول العربية.

هذا الضعف فى «القوة» إن صحت تقديراتى، لن يكون فى صالح الاستقرار فى العالم، وبخاصة فى مناطق النزاعات والثورات. وهو بالتأكيد لن يكون فى صالح العالم العربى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.