لا يوجد أى صحفى مهما كان رفيع المستوى ولديه صلات وثيقة بصناع القرار، يعرف فعلا ماذا يجرى فى محادثات الوزيرة تسيبى ليفنى مع صائب عريقات. لا أحد يعرف عن أى شىء يتحدثان، وهل توصلا إلى اتفاقات، أم أن الأمر كله على وشك الانفجار. كما لا يعرف أحد ما هى الصلاحيات التى أعطاها نتنياهو لليفنى، وماذا يتوقع أن يحدث فى هذه المفاوضات. الأمر الواضح أن نتنياهو وليفنى يجتمعان بصورة دورية، أحيانا أكثر من مرة فى الأسبوع، للتحادث. لكن ضآلة المعلومات لا تمنع الكثير من الصحفيين عن نقل تقديرات «مصادر إسرائيلية» بأن المفاوضات سائرة نحو الفشل، وأن الفلسطينيين يتشددون فى مواقفهم وفى شروطهم من أجل التوصل إلى اتفاق، وأنه من شبه المؤكد أن هذه المفاوضات لن تسفر عن شىء. من المحتمل أن يكونوا محقين، ومن المحتمل عكس ذلك. لكن المشكلة أنه لا يوجد من يراهن على إمكان أن تتوصل هذه المفاوضات إلى نتيجة، والأخطر أن هذا الأمر لا يهم أحدا. فى الغرف المغلقة تجرى محادثات من شأنها أن تقرر مستقبل دولة إسرائيل، فالاتفاق بيننا وبين الفلسطينيين ليس مجرد ورقة، بل إنه سيتطلب تنازلات وبصورة خاصة تنازلات عن مناطق وعن مستوطنات معزولة. لكن مقابل هذا الثمن ستسير إسرائيل فى طريق جديد واعد يزيل عنها عبء الاحتلال الذى لا يحتمل، والتهديدات المتكررة بنشوب انتفاضة تلو أخرى. وسيصبح الازدهار الاقتصادى واضحا وملموسا، وستتغير علاقة العالم بنا بصورة مطلقة، وربما نستطيع فى النهاية معالجة المشكلات الملحة التى يعانيها المجتمع الإسرائيلي معالجة جدية. وما يمكن قوله إن مبدأ دولتين لشعبين إذا تحقق، سيكون أفضل شىء يمكن أن يحدث لدولة إسرائيل. لكن علينا أن نستيقظ من هذا الحلم الآن، فما دام بنيامين نتنياهو رئيسا للحكومة وليبرمان وزيرا للخارجية والبيت اليهودى العمود الأساس في الائتلاف الحكومى، من الواضح تماما أنهم سيبذلون كل ما فى استطاعتهم من أجل منع التوصل إلى اتفاق سياسى، ولن تستطيع السلطة الفلسطينية استرجاع حجر واحد أو هضبة وعرة. لا تتمتع ليفنى بالقوة السياسية الكافية، التى تمكنها من الوقوف فى وجه حزب البيت اليهودى. والراهن اليوم بعد التغييرات والتطورات كلها التى حدثت فى العامين الأخيرين، هو أن المستوطنين انتصروا على الجميع، وهم وحدهم من يخوض المعركة للحصول على تعاطف المواطن، وليس هناك من يقف ضدهم، لا فى الكنيست، ولا فى الحكومة، ولا حتى وسط الجمهور العريض الذى يؤمن بأن الاتفاق السياسى وحده يضع إسرائيل فى المكان الذى تستحقه. من جهته، يشاهد نتنياهو هذا كله ويدرك أنه ليس هناك ما يستحق عناء السعى إلى اتفاق، فحتى لو لم يتم التوصل إلى ذلك، سيبقى الوحيد الأوحد من دون منافس. فلماذا عليه أن يغضب اليمين؟ وما السيئ فى أن يتولى الحكومة للمرة الرابعة التى لن يحدث فيها شىء؟ إن المفاوضات الجارية اليوم بتأييد أمريكى كبير ودعم قوى من الاتحاد الأوروبى ووزيرة إسرائيلية مصممة (على السعى إلى التوصل لاتفاق)، لن تتكرر مرة أخرى. والذى لن يحدث اليوم لن يحدث أيضا فى المستقبل المنظور. ويبدو أن هذا ما تريده إسرائيل.