● التقرير الذى نشرته صحيفة «واشنطن بوست» (كتبه ديفيد أغناتيوس بتاريخ 17/10/ 2013) عن قيام أنقرة بكشف شبكة تجسس إسرائيلية فى إيران، ينطوى على أكثر من لغز. اللغز الأول المثير للفضول بالطبع، هو التفاصيل الدقيقة للموضوع وما حجم الضرر. أما اللغز الثانى فهو لمن كانت له مصلحة فى نشر هذه المعلومات فى هذا التوقيت بالذات ولماذا؟ ● تساعد هوية كاتب المقال فى تقديم الجواب على هذين السؤالين. فالمعروف عن الكاتب ديفيد أغناتيوس أنه من المقربين من كبار المسئولين فى إدارة أوباما، مما يدفع إلى الاعتقاد بأن واشنطن هى التى كشفت عن هذه الرواية كى تحذر تركيا من مواصلة سلوكها السيئ فى المنطقة. ● لكن هناك احتمالات أخرى مثل أن تكون أنقرة هى التى كشفت القصة على الرغم من الغضب الكبير الذى أظهرته تركيا بالأمس. فمن المعروف أن علاقات وثيقة تربط أغناتيوس بالقيادة التركية، وهو على صلة وثيقة بزعامة الحكم فى أنقرة وبالمسئولين عن الاستخبارات، وكان من الأوائل الذين انضموا إلى الحملة التى شنها أردوغان ضد إسرائيل فى دافوس فى يناير 2009، حين بدأ رئيس الحكومة التركية حملته ضد إسرائيل بالهجوم على الرئيس بيرس. يومها كان أغناتيوس مدير جلسة النقاش. ولسببٍ ما غضب الأتراك على الصحفى الأمريكى الذى خسر خلال فترة معينة مصادره، لكن فى الفترة الأخيرة عاد الأتراك إلى التعاون معه ومن المحتمل أن يكونوا هم من أعطوه هذه المعلومات. ولا تستبعد أطراف فى القدس احتمال قيام تركيا عندما تسنح لها الفرصة، بإلحاق الضرر بالمصالح الإسرائيلية بل والتباهى بذلك. فتركيا فى ظل حكم أردوغان تفتخر بتوجيه صفعة إلى إسرائيل، وهى بذلك تبتعد عنها أكثر فأكثر. فى مثل هذه الحال، كيف ينسجم هذا السلوك التركى مع المصالحة التى رعاها أوباما فى مارس الماضى؟ فى الحقيقة هذا لا ينسجم البتة لأنه لا وجود فعلا للمصالحة، فما تريده أنقرة هو رؤية القدس تركع على ركبتيها. وفى القدس فهموا هذا الأمر منذ فترة، ويبدو أن واشنطن فهمت من الذى أحبط المصالحة. ● وفى الختام أريد أن أقول شيئا عن العلاقات الإيرانية التركية. فى سنة 2010 وصل الرئيس الإيرانى السابق محمود أحمدى نجاد إلى أسطنبول وكنت حاضرا وأتذكر أنه استقبل بحفاوة كبيرة. لكن كان من الواضح أن شهر العسل التركى الإيرانى مصطنع نظرا إلى الخصومة الإقليمية بين الدولتين اللتين ليست لهما دائما مصالح مشتركة. وتشكل سوريا نموذجا بارزا للخلافات بين الدولتين. ● لكن على الرغم من ذلك، ثمة مصلحة مهمة واحدة تجمع بين الدولتين: قمع التمرد الكردى. فإذا كان الجواسيس الذين عملوا لحساب إسرائيل من الأكراد، فإن هذا يشكل سببا إضافيا لتفسير عودة إيران وتركيا إلى التعاون معا.